بدأ السوريون يستنكرون ممارسات بعض قوى المعارضة السورية المسلّحة ذات الطابع الإسلامي، وينتقدون مساراتها واستراتيجياتها، ويطالبون هذه الفصائل والقوى بتوضيح مواقفها تجاه الثورة ومراجعة أيديولوجياتها السياسية والفكرية وتكتيكاتها العسكرية، إلى درجة التشكيك بمدى قرب هذه التشكيلات من أهداف النظام وبعدها عن أهداف الثورة، وبدت توجه أصابع الاتهام لفصائل إسلامية كان يخشى السوريون توجيه الاتهامات لها بالتنسيق مع النظام.

في افتتاحيته، انتقد موقع مدار اليوم، وهو موقع سوري معارض، كتائب أحرار الشام وجيش الإسلام وجيش الفسطاط، واعتبرها سببا رئيسيا في تراجع دور الجيش الحر، وأكّد أنه “جرى إطلاق وتعزيز جماعات مسلحة إسلاموية الطابع، تأخذ مكان الجيش الحر تارة من خلال أسلمة الثورة، وأخرى في مواجهة تنظيمات الجيش الحر، التي تم التضييق السياسي والمادي والعسكري عليها لدفعها نحو الاختفاء، وإحلال تشكيلات إسلامية مكانها” وذكر الموقع أحرار الشام وجيش الإسلام وفيلق الرحمن على وجه الخصوص.

وقال “إن هذه التشكيلات حولت نفسها إلى قوى حاكمة حيث حلت، وأخذت تتحكم بسكان المناطق التي تسيطر عليها، وتتدخل في كل صغيرة وكبيرة من التعليم والقضاء إلى اللباس وشكل اللحية وصولا إلى التحكم بالأنشطة الاجتماعية والسياسية والإعلام، وفرض الضرائب والأتاوات، مما جعلها تقارب النظام المستبد الغاشم الذي تعلن أنها تقاتله وتعمل على إسقاطه، فيما كانت تسقط ثورة السوريين وتسعى للإجهاز عليها، ليس فقط من خلال ممارساتها ضد الأهالي في مناطق سيطرتها، إنما نتيجة صراعاتها في ما بينها، والتي بلغت مستوى الاحتراب الدموي في أكثر من مكان”.

وكانت فصائل سورية معارضة ذات طابع إسلامي وسلفي، منها جيش الإسلام وفيلق الرحمن والفسطاط قد اصطدمت في ما بينها الأسبوع الماضي في ريف دمشق الشرقي، وخلّف صدامها نحو مئتي قتيل من كل الأطراف، كما اعتقلت أحرار الشام رئيس المجلس المحلي في كفر نبل وسيطرت على آلياته ومقره، وقبلها دخل شبّان معرة النعمان في مواجهة مع جبهة النصرة بسبب تجاوزات الأخيرة في شمال سوريا، وتقول المعارضة السورية إن ما ارتكبته الفصائل المسلحة إسلامية الطابع بحق السوريين يحتاج النظام وإيران والروس ببراميلهم وغارات طائراتهم إلى سنة لارتكابه.

من جهته وصف المعارض السوري ميشيل كيلو الاقتتال بين هذه الفصائل الإسلامية الثلاثة في ريف دمشق بـ “الاقتتال الإجرامي.

وأضاف قائلا “ها هم الأبطال المتأسلمون يعيدون الغوطة للأسد، ويغطي كل طرف منهم جريمته بآيات قرآنية، كأن كتاب الله أنزل لتبرير جرائم مدّعي الإسلام الذين يقتتلون في مناطق آهلة بأناس رفضوا مغادرة قراهم ومنازلهم، وقدّموا لهم بيئة اجتماعية موالية حمتهم”.

وأضاف “يقتل أدعياء الإسلام بعضهم بعضا، ويدّعون أنهم ملتزمون بما يتطلبه الإسلام من أخوّة دينية وشراكة جهادية، ويسلمون الأسد عشر قرى في أقل من يومين، لأن اقتتالهم أدّى إلى انكشاف جبهة الغوطة الجنوبية أمام شبيحة الأسد، ولم يكن هناك من يدافع عنها”.

واتهم كيلو جيش الإسلام بتحكمه بغوطة دمشق “بالحديد والنار والتجويع والاختطاف والاعتقال والتعذيب لأربعة أعوام، وطالت جرائمه مناضلين موصوفين، وواجهه سكان الغوطة بمظاهرات قمعها بعنف لا يقل عن عنف النظام الأسدي”، وقال إن ما قام به هؤلاء يجعلهم “أعداء للثورة، وخدما للنظام، وإن تأسلموا وتدروشوا وتديّنوا”.

وانتهى القتال بين فصائل المعارضة السورية المسلحة الإسلامية في ريف دمشق إلى دخول النظام إلى أكثر من إثنتي عشرة بلدة في القطاع الجنوبي لريف دمشق، الذي يضم مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية المنتجة للقمح خصوصا، ويعتبر خزانا غذائيا لدمشق وريفها، وحاضنة سكانية مهمة، ما تسبب في خسارة عسكرية كبرى للمعارضة، وموجة نزوح أخرى للعائلات، وذهب ضحية هذا الصراع البيني أكثر من خمسمئة مقاتل ومدني.

ويعتقد كثيرون من أصحاب الثورة أن ما جرى في غوطة دمشق هو بداية نهاية ثورة دمشق، وعودة النظام إلى مناطق ظلت خارج سيطرته أربع سنوات، وهذا سيساعد النظام وروسيا وإيران على فرض أمر واقع جديد في ريف دمشق.

وفي هذا الصدد يقول فايز سارة، عضو الائتلاف السوري المعارض “لقد آن الأوان لوقفة جادة ضد كل الارتكابات والجرائم، التي ترتكب باسم الثورة أو تحت لافتاتها أو قريبا منها، أيا تكن أسماء وصفات الذين يقومون بها”.

لا يختلف رأي المعارض السياسي السوري نجاتي طيارة عن رأي سابقيه، وقال “لم تمنع مرجعية الإسلام الصراع بين قادة هذه الجماعات، كما لم يمنعهم من ذلك عداؤهم للنظام، وقد خالفوا أبسط شروط الوحدة في المعركة ضد العدو المشترك، فقدّموا مناطقهم وسكانها ضحية سائغة له، وطوال ذلك الصراع، لم يسأل قادة هذه الجماعات عن المستفيد منه، وعلى الرغم من أن معظمهم من المشايخ، فإن ذلك لم يمنعهم من التعصب لرأيهم، والانغلاق على نمط تفسيراتهم، والإصرار على انفرادهم بتسيير أمور مناطقهم، فصارت قضيتهم هي الاستبداد بأوضاعها، على شاكلة استبداد النظام بمناطقه”.

وأضاف “ذلك الاستبداد مرتبط لا بهيبة التسميات الخاصة بكل منها فحسب، والتي تضفي على كل منها ارتباطا بالمقدسات، بل هو مرتبط أيضا بالهالة الدينية والاجتماعية لقادتها من المشايخ، فتلك الهالة تحظى بهيبة تكاد تماثل هيبة المقدّس دينيا، وهو أمر يرتفع فوق كل بحث أو محاولة استقراء للوقائع، قد تكون مختلفة ومتجدّدة، ولا خبرة سابقة بشأنها، الأمر الذي يفترض اللجوء إلى السياسة المدنية، بوصفها إدارة للشأن العام، لا إلى المرجعيات بهيبتها الدينية أو طيفها المهيمن اجتماعيا، وإلى إدارة لا يكون الرأي والقيادة فيها للشيخ بصفته داعية دين، بل بصفته مواطنا مشاركا مع غيره من المواطنين في الرأي والتدبير”.

بدأ السوريون يدركون أن الأمل المعقود على الجماعات الإسلامية المسلحة هو أمل لا يتماشى مع متطلبات ثورتهم، ففي حين تسعى ثورتهم للديمقراطية والتعددية وتداول السلطة والعدالة والمساواة ودولة المواطنة والقانون، تسعى تلك الجماعات للتسلط وتقييد الحريات وربط الدولة بالدين ورفض مدنية الدولة ومرجعية المواطنة، وتُصرّ على أن يكون حراكها في سوريا جزءا من الصراع على السلطة والنفوذ والموارد، وفي ظل هكذا جماعات سيصعب على السوريين أصحاب الثورة تحقيق أهدافها بسهولة، وسيرهقون لإعادة ثورتهم إلى خطها الأساس، فمن جهة يواجهون نظاما أوغل في الإجرام والقتل والإبادة والتدمير، ومن جهة ثانية يواجهون أمراء حرب يعملون باسم الدين، وربما بات من المناسب أن تشهد المعارضة السورية المسلحة إعادة هيكلة وفرزا وترتيبا لتعود رمزا لكل ثائر ومعارض سوري.

 العرب