كان الرئيس الأسبق لبلدية مدينة بعلبك (شرق لبنان)٬ السيد غالب ياغي٬ يبلغ من العمر 28 سنة٬ عندما أقّرت حكومة الرئيس اللبناني السابق فؤاد شهاب قانون الانتخابات النيابية٬ المعروف اليوم بقانون الستين «نسبة إلى سنة 1960 التي أقر فيها»٬ الذي اعتمد النظام الأكثري داخل الدوائر الصغيرة. في تلك المرحلة٬ كان ياغي أحد أبرز الكوادر اللبنانية الأساسية في حزب البعث٬ ومن الشخصيات البعثية التي دعمت مواقف الرئيس شهاب بوجه السياسات الشيمعونية٬ التي أراد شهاب محاصرتها سياسًيا من خلال هذا القانون الانتخابي.
في الثامن من مايو (أيار) الحالي٬ خاض غالب ياغي٬ ذو الـ84 عاًما٬ من جديد معركة الانتخابات المحلية لمدينة بعلبك٬ ذات الغالبية الشيعية٬ على رأس لائحة غير مكتملة تمّثل عائلات وكفاءات وشخصيات مستقلة وحزبية سابقة من بعلبك. فواجه لائحة الثنائية الحزبية الحاكمة في الطائفة الشيعية «حزب الله» وحركة أمل٬ اللذين استخدما كل ما أتيح لهما من إمكانيات مادية ومعنوية وتنظيمية للمعركة. وكلّفت قيادة «حزب الله» نائب الأمين العام للحزب٬ الشيخ نعيم قاسم٬ بإدارة المعركة الانتخابية شخصًيا في بعلبك٬ بهدف إحكام الطوق على كل من يترشح من خارج الثنائية السياسية الحاكمة٬ في هذه المرحلة التي يحاول فيها حزب الله الإثبات٬ أمام الرأي العام اللبناني والعربي٬ أن الالتفاف الشعبي الشيعي اللبناني مستمر حول خياراته السياسية الداخلية والخارجية. كما أن المطلوب وضع كل ما يشاع عن استياء وسط المجتمع الشيعي في خانة «شائعات» سوف تثبت نتائج الانتخابات في بعلبك ومدن وقرى البقاع٬ عدم صحتها.
وعلى الرغم من التكليف الشرعي الذي استخدمه «حزب الله»٬ من أجل دفع محازبيه ومناصريه للمشاركة بكثافة في عملية الاقتراع لصالح لوائحه٬ ومن استخدام الثنائية الحزبية للمال والسلطة والسلاح في محاصرة خصومها٬ جاءت نتائج الانتخابات في بعلبك والبقاع صادمة لحزب الله٬ الذي حقق انتصارات بفوارق ضئيلة٬ في منطقة تعتبر منذ تأسيسه أحد أهم معاقله. فقد تقدمت لائحة حزب الله وحركة أمل وحلفائهما من أحزاب 8 آذار على لائحة غالب ياغي بفارق 640 صوًتا٬ حيث حصلت على نسبة 54 في المائة من الأصوات٬ مقابل 46 في المائة لياغي الذي حصل على هذه النتيجة٬ في ظّل إمكانيات معدومة وغياب الدعم المادي والإعلامي.
عدوى بعلبك امتدت إلى بلديات ساحل المتن الجنوبي المعروفة بالضاحية٬ التي خاضت الانتخابات أيًضا وسط ضغوط كان أوّجها تشييع القيادي في حزب الله مصطفى بدر الدين٬ قبل يومين من موعد الانتخابات. وعلى الرغم من تأثير هذا الحدث على الأجواء الانتخابية٬ فقد حصلت اللوائح المستقلة على نسبة 25 في المائة من أصوات الضاحية٬ في معركة ينعدم فيها التوازن في الإمكانيات والفرص٬ إلا أن الصدمة كانت من الجنوب الذي لم تخل مدينة أو قرية فيه من اختراق٬ على الرغم من عدم حيادية أجهزة الدولة الخاضعة لنفوذ قوى الأمر الواقع.
هذا بالإضافة إلى سياسات الترغيب والترهيب٬ وكانت المحطة الأبرز إطلالة الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله عشية انتخابات الجنوب٬ الذي طالب مؤيديه بالمشاركة بكثافة في الانتخابات باعتبارها استفتاًء شعبًيا للتأكيد على الاحتضان الشعبي لمواقف حزب الله السياسية والعقائدية.
ولد السيد نصر الله في السنة التي أقر فيها قانون الستين (1960(٬ الذي عادت واعتمدته القوى السياسية اللبنانية في انتخابات سنة ٬2009 حتى الانتخابات البلدية الأخيرة. كان حزب الله وحلفاؤه المسيحيون يرفضون هذا القانون٬ ويطالبون بآخر يعتمد مبدأ النسبية٬ ويعّولون عليه في إضعاف خصومهم٬ وفي مقدمتهم وليد جنبلاط وسعد الحريري. لكن النسب التي حصلت عليها لائحة غالب ياغي في بعلبك٬ ونتائج الانتخابات البلدية في الجنوب٬ أّدت إلى تلويح حزب الله بإمكانية قبوله بقانون انتخابي جديد يعتمد النظام الأكثري٬ وهو ما تطالب به قوى 14 آذار منذ سنوات. فإصرار حزب الله في السابق على النسبية٬ لاعتقاده بإمكانية حصوله على كتلة سنية نيابية يضرب من خلالها ادعاء تيار المستقبل٬ وحصرية تمثيله للسنة.
وفي المقابل٬ فإن القلق الآن أن يقبل «المستقبل» عرض حزب الله في قانون أكثري٬ على الرغم من إمكانية تشكيل كتلة شيعية مستقلة في البرلمان اللبناني٬ في حال اعتماد النسبية٬ وذلك بالاعتماد على النتائج الأخيرة للانتخابات البلدية.
أراد فؤاد شهاب٬ من خلال قانون الستين٬ السيطرة على البرلمان اللبناني٬ ومنع خصومه من تشكيل كتلة نيابية تعرقل سياساته. ويحاول حزب الله الآن٬ من خلال استعداده للقبول بقانون الستين٬ الحفاظ على موقعه في السلطة في مرحلة استنزاف صعبة في سوريا٬ وفي حالة استياء وسط بيئته بدأت تخرج إلىالعلن. كما أن الظروف الحالية تشهد خوًفا شديًدا من تداعيات العقوبات المصرفية الأميركية عليه٬ ما يجعله أكثر من أي وقت مضى متمسًكا بقانون انتخاب أكثري٬ يضمن له تمثيله الشيعي٬ بينما في القانون النسبي هناك غالب ياغي وآخرون مستعّدون لمواجهته.