يؤكد عدد من المراقبين أن ذهاب رئيس تركيا رجب طيب أردوغان نحو نظام رئاسي أصبح أمرا واقعا تقريبا، وأن ما يدور في رأس أردوغان هو أنه فعلا رئيس للبلاد بصلاحيات مطلقة بعد أن أعاد ترتيب البيت الداخلي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد وصاحب الأغلبية البرلمانية. فتغيير أحمد داود أوغلو ببن علي يلدريم ليس سوى إزاحة لحاجز قد يبدو صغيرا في البداية أمام طموح أردوغان.
ففي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء التركي الجديد التشكيل الوزاري، لا يوجد شك يذكر في أن المهمة الرئيسية لهذه الحكومة ستكون الموافقة دون تفكير على أمر أصبح حقيقة واقعة وهو الانتقال إلى نظام رئاسي كامل يقبض فيه الرئيس رجب طيب أردوغان على زمام الأمور. فقد أكد أردوغان يوم الأحد الماضي تعيين بن علي يلدريم، حليفه الوثيق منذ 20 عاما وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، رئيسا للوزراء ليضمن ولاء الحكومة في سعيه لتغيير الدستور وتحويل تركيا من النظام الديمقراطي البرلماني إلى الرئاسة التنفيذية.
وقال ثلاثة مسؤولين كبار في حزب العدالة والتنمية إن تعيين يلدريم سيقضي على أي جيوب داخل الحزب لمقاومة خطط أردوغان، وتوقعوا ألا يضم التشكيل الوزاري سوى الموالين فقط، الأمر الذي يكشف تخطيطا طويل الأمد لرجب طيب أردوغان في التحول إلى “امبراطور عثماني جديد” في المنطقة.
وقال أحد المسؤولين “دخلنا فترة نظام رئاسي فعلي ستنفذ فيه سياسات أردوغان بكل وضوح” وتوقع إجراء خمسة أو ستة تغييرات وزارية في الفريق الوزاري الحالي. وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن شخصيته لأن قرارات التعيين النهائية لم تصدر بعد، أن هذه التعديلات “ستؤدي إلى تناغم كامل بين أردوغان ومجلس الوزراء وستنفذ قرارات أردوغان دون أن تمس”.
لكن تقارير سابقة أكدت أن هذا المسار لئن كان ناجحا إلى حد الآن فإن نتائجه سوف تكون وخيمة في المستقبل سواء داخل حزب العدالة والتنمية أم على مستوى الموقف الدولي من التحولات التي تقع داخل الدولة التركية.
فقد سلطت تغييرات أردوغان الأخيرة في حزب العدالة والتنمية الضوء على شروخ خلف الواجهة الموحدة للحزب الذي أسسه أردوغان قبل 15 عاما وحكم تركيا منذ ذلك الحين. وقال مسؤول رفيع بالحزب طالبا عدم نشر اسمه بعيد إعلان داود أوغلو عدم ترشحه لرئاسة الحزب (وبالتالي الخروج من رئاسة الوزراء) “ثمة فريق داخل الحزب غير مرتاح لمسار الأمور وهذا واقع”. وأضاف المسؤول أنه لا توجد احتمالات تذكر لحدوث انقسام علني على المدى القصير، مشيرا إلى الخطاب الذي ألقاه داود أوغلو ودافع فيه عن سجل أعماله خلال رئاسة الوزراء لكنه طالب أيضا بوحدة الصفوف في الحزب وتعهد بألا يذكر أردوغان بسوء. وتابع “أردوغان هو الزعيم الأوحد دون شك”، لكنه أضاف أن “التذمر قد يعود ليؤرقه وإذا لم تسر الأمور على ما يرام فربما تتجدد الخلافات وتكتسب الأصوات المعارضة دعما جديدا”.
وقد أغضب ما اتّخذه أردوغان في الآونة الأخيرة من خطوات، خصومه خارج حزب العدالة والتنمية واتهموه بمخالفة الدستور بالانخراط في السياسة الحزبية رغم أن من المفروض ألا يكون رئيس الدولة منتميا إلى حزب. وينفي أردوغان ذلك ويقول إنه يتصرف في حدود سلطاته المشروعة كرئيس منتخب في انتخابات ديمقراطية.
كما أقلق أردوغان حلفاءه الغربيين والمستثمرين الأجانب الذين يخشون أن تؤدي تقوية سلطات الرئاسة دون ضوابط وأسس رقابية إلى إضعاف سيادة القانون في بلد يعد محوريا للحرب التي تقودها الولايات المتحدة على تنظيم الدولة الإسلامية ولجهود أوروبا لاحتواء أزمة الهجرة.
ويرى أردوغان وأنصاره أن الرئاسة التنفيذية على غرار النظام الأميركي أو الفرنسي ضمان يقي البلاد من الانقسامات التي تجلبها الائتلافات الحكومية والتي عطلت التنمية في تركيا خلال التسعينات. ويخشى خصومه والمتشككون من حلفائه الغربيين أن يتزايد اتجاه تركيز السلطة في يديه، وهذا التخوف لم يأت من فراغ بل كان بناء على مؤشرات سلطوية عديدة مست العديد من القطاعات، خاصة الحريات. فقد رفع الإدعاء أكثر من 1800 قضية على أشخاص بتهمة إهانة أردوغان منذ أصبح رئيسا للبلاد عام 2014، وأغلقت صحف معارضة وصدرت قرارات بعزل صحافيين وأكاديميين ممن ينتقدون السياسات الحكومية.
وانتقد مارتن شولز رئيس البرلمان الأوروبي سعي أردوغان لتركيز السلطة في يديه في تعليقات نشرت أول أمس الإثنين، ووصف ذلك بأنه “خروج مثير على القيم الأوروبية” في دولة تتفاوض على عضوية الاتحاد الأوروبي، وقال شولز لصحيفة كولنر شتاتانتسايجر الألمانية “نحن نرى أن تركيا في ظل أردوغان في سبيلها لكي تصبح دولة الفرد الواحد”. وقد تؤثر هذه الأفكار التي أخذت حول تركيا الآن على إمكانية التحول إلى التفاوض الجدي لدخول تركيا إلى منطقة اليورو، فالمؤشرات نحو نظام سلطوي أصبحت أوضح هذه الأيام.
وقال مارتن شولز في سياق التصريحات ذاتها “إن البرلمان الأوروبي لن يبدأ في مناقشة سفر الأتراك إلى أوروبا دون تأشيرة الذي تم الاتفاق عليه كمكافأة لتعاون أنقرة في الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أن تحقق تركيا كل المعايير المطلوبة بما في ذلك تعديل قوانينها لمكافحة الإرهاب وهو الأمر الذي يصر أردوغان على رفضه”.
وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي واجهت انتقادات لتوسطها في اتفاق الهجرة مع تركيا رغم سجلها في مجال حقوق الانسان إنها شددت في اجتماع مع أردوغان يوم الاثنين الماضي على ضرورة وجود مؤسسات مستقلة قوية. وقالت بعد الاجتماع على هامش قمة إنسانية في اسطنبول “لقد أوضحت في المحادثة التي دارت اليوم(الاثنين) أنني أعتقد أيضا أننا بحاجة لنظام قضائي مستقل وبحاجة لإعلام مستقل وبرلمان قوي”.
وفي بادرة على ما قد يطرأ على العلاقات مع بروكسل من اضطراب حذر يجيت بولوت مستشار أردوغان للشؤون الاقتصادية من أن أنقرة قد تعلق كل اتفاقاتها مع الاتحاد الأوروبي إذا لم يلتزم بوعوده.
وقد أوضح أردوغان أنه يريد تحقيق الشرعية للنظام الرئاسي الذي يستلزم تعديل الدستور عن طريق إجراء استفتاء. ولكي يحقق ذلك يحتاج لدعم 330 عضوا على الأقل من أعضاء البرلمان البالغ عددهم 550 نائبا وتأييد مطلق من القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية في حملة الدعاية.
أما رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو فقد كان تأييده باهتا لطموحات أردوغان، وبتغييره يهدف أردوغان إلى توحيد الحزب في الوقت الذي تعاني فيه المعارضة القومية من خلافات على قيادتها ذات آثار مدمرة كما تواجه المعارضة المؤيدة للأكراد خطر مقاضاة أعضائها بعد رفع الحصانة البرلمانية عنهم في الأسبوع الماضي. وقال مسؤول كبير ثان بالحزب الحاكم “الآن أصبح طريق تعديل الدستور لتنفيذ النظام الرئاسي مفتوحا بالكامل”.
وليس من الواضح مدى التأييد الشعبي لمثل هذا التعديل الدستوري وقدره استطلاع حديث أجرته مؤسسة إبسوس بنسبة 36 في المئة فقط. من ناحية أخرى قالت صحيفة صباح اليومية المؤيدة للحكومة إن استطلاعا أجرته مؤسسة (أو.آر.سي) للأبحاث قدر التأييد بنسبة 58 في المئة. وقال أوزر سنجار مدير شركة متروبول للأبحاث “حكم الفرد الواحد بدأ فعليا حتى لو لم يكن دستوريا”.
وقال يلدريم إن قائمة أعضاء مجلس الوزراء الجديد سيتم إعدادها على وجه السرعة وتقدم لأردوغان لاعتمادها بمجرد أن يتيسر ذلك، وسبق أن قال يلدريم إن هدفه الرئيسي كرئيس للوزراء سيكون صياغة دستور جديد.
العرب