يبدو أن هناك صفقة تمت بين أميركا وإيران قدمت بموجبها طهران زعيم تنظيم "طالبان" الأفغانية صيدا للأميركان حيث ألمحت باكستان إلى أن زعيم حركة "طالبان" الأفغانية الملا أختر منصور، كان عائدًا من إيران حين استهدفته طائرة أميركية بدون طيار في منطقة حدودية باكستانية في الـ21 من أيار وأنهت حياته، وهذا ما نفته الخارجية الإيرانية، لكنها لم تنف علاقاتها مع الحركة المتشددة الأفغانية القريبة من "القاعدة".
وأعلنت الخارجية الباكستانية، الأحد، أن السلطات عثرت على جواز سفر لرجل باكستاني يحمل اسم والي محمد في موقع غارة شنتها الطائرة بدون طيار مستهدفة زعيم حركة طالبان الملا أختر منصور. وأضافت الوزارة إن جواز السفر كانت عليه تأشيرة دخول سارية لإيران.
وأضافت الوزارة إنها تعتقد أن حامل جواز السفر عاد لباكستان من إيران في 21 أيار وهو يوم الغارة التي استهدفت منصور.
لكن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية نفى المعلومات التي تتحدث عن سفر زعيم "طالبان" إلى إيران عشية مقتله فقط، ولم ينف تصريحات الخارجية الباكستانية بأن جواز سفر زعيم طالبان الذي على ما يبدو أصدر باسم غير اسمه الحقيقي، يحمل تأشيرة إيرانية سارية المفعول.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها التقارير عن علاقة بين النظام الإيراني وحركة "طالبان" الأفغانية المتشددة التي أسقط تحالف دولي بزعامة أميركية حكومتها في أفغانستان عام 2001. ورغم هذه فإن الحركة ما زالت تشكل عامل ضغط أمني كبيراً في أفغانستان من خلال هجماتها التي تستهدف القوات الأجنبية والمقار الحكومية والمدنيين أيضاً.
وفد طالبان إلى إيران
والعلاقة بين الحركة المتشددة وإيران استمرت عبر محطات لم تتضح صورها بشكل كامل حتى الآن، ولكن الخبر الذي أثار ضجة إعلامية هو ما نشر قبل عام في أيار 2015، حيث أعلن موقع تسنيم المقرب من الحرس الثوري الإيراني أن وفداً يمثل المكتب السياسي لحركة "طالبان" الأفغانية برئاسة مسؤول المكتب، طيب آغا، وصل إلى طهران "لبحث عدة مسائل منها أوضاع المنطقة وملف المهاجرين الأفغان بإيران".
وحينها ذكر موقع "جي بي سي نيوز"، أن الملا أختر منصور الذي تولى زعامة حركة طالبان بعد الملا عمر، هو أحد قيادات الحركة الذي قضى في العاصمة الإيرانية 3 أيام "وأجرى حوارات مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وقادة في الحرس الثوري".
وهذه الزيارة سبقتها زيارة أخرى سرية لوفد من طالبان عام 2014 لم تعلن تفاصيلها ولكن تناولتها بعض وسائل الإعلام، حيث قام وفد من الحركة بزيارة إلى طهران في عام 2012 للمشاركة في مؤتمر "الصحوة الإسلامية".
أسلحة وتدريب
في أيار أيضاً ولكن في العام 2010، اتهم قائد القوات الأميركية في أفغانستان حينها، الجنرال ستانلي مكريستال، إيران بدعم حركة طالبان بالأسلحة والتدريب العسكري.
وفي آذار من العام نفسه، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الأدميرال مايك مولين، إن كميات كبيرة من الأسلحة وصلت من إيران للمقاتلين الأفغان في إقليم قندهار الجنوبي.
وفي شباط من العام الحالي، أعلنت السلطات الأفغانية أنها عثرت على ألغام إيرانية الصنع في مستودع للسلاح بأحد مقرات طالبان، لدى مداهمته من قبل القوات الأمنية بمنطقة باميان وسط البلاد.
ونقلت إذاعة "بي بي سي" عن والي باميان، محمد طاهر ظهير، قوله إنه "على الرغم من أن عنوان المصنع والبلد المصنع قد أزيلت من على هذه الألغام، فإن الخبراء العسكريين والأمنيين أكدوا أنها إيرانية الصنع".
روايات طالبانية
ونشرت صحيفة "صندي تايمز" البريطانية تقريراً ضافياً عن التعاون العسكري الطالباني-الإيراني. وتحدثت الصحيفة عن تمرينات يشرف عليها مسؤولون أمنيون إيرانيون في المعسكرات الواقعة على الحدود الأفغانية-الإيرانية يتلقى خلالها مقاتلو طالبان تدريبات على كيفية الهجوم على جنوب حلف شمال الأطلسي باستخدام بنادق وقنابل مصنعة محلياً.
وحسب التقرير، فقد تدرب هؤلاء على مهاجمة نقاط التفتيش، إضافة إلى القواعد العسكرية الموجودة في الجبال. ويقوم المدربون الإيرانيون بتدريب "طالبان" على ضرب أهداف في الصحراء باستخدام بنادق كلاشينكوف.
وقال مسؤول في حركة طالبان للصحيفة البريطانية: "مذهبنا وتاريخنا مختلفان، ولكن هدفنا واحد، إذ إن كلينا يريد قتل الأميركيين".
وتحدثت الصحيفة خلال التقرير مع ثلاثة من قادة طالبان، الذين "خضعوا لبرنامج تدريب في إيران". ووصف قائد من وسط إقليم وارداك كيف سافر إلى إيران مع 20 رجلاً آخرين، حيث انطلق جنوباً إلى باكستان، وبعد ذلك اتجه غرباً نحو الحدود الإيرانية، ثم توجه إلى زاهدان وهي مدينة يقطنها نحو 600 ألف نسمة في جنوب شرق إيران.
وقال قائد ثان من إقليم غزني في جنوب أفغانستان إنه أخذ مجموعة من رجاله في رحلة استمرت خمسة أيام للوصول إلى نمروز، في الجنوب الغربي ومن هناك عبر الحدود إلى سيستان في إيران، وهي مركز تهريب للمخدرات ومنافسات قبلية. ودفعت الحركة رسوماً قدرها 500 دولار لمهربي البشر، حيث اتخذوا طريقاً تستخدم من قبل المهاجرين للعمل في إيران، وعبروا الحدود بالسيارات ليلاً بمساعدة المهربين الذين أرشدوا المجموعة لتجنب حواجز الجيش. وأخيراً التقوا مدربيهم الإيرانيين في سيارات "بيك أب"، وبعد ذلك تم أخذهم إلى قرية في ضواحي مدينة زاهدان تبعد مسافة ساعة بالسيارة عن معسكر التدريب.
وذكر القائد القادم من غزني "تدفع إيران تكاليف كل الرحلة، ونحن ندفع تكاليف البداية وعندما نصل إلى إيران يعيدون لنا ما دفعنا".
وأضافت الصحيفة نقلاً عن مصادر في "طالبان" إن أفراد الحركة كانوا ينفذون التدريبات بالذخيرة الحية ويجرون التدريبات البدنية تحت إشراف مدربين إيرانيين، حيث يستمر برنامج التدريب ثلاثة أشهر. وخلال الشهر الأول تم تدريب المقاتلين على بدء هجمات معقدة وتعلموا كيف يفتحون النار على المواقع، وكيف يبدأون الهجوم، وكيف يهربون قبل أن يتمالك العدو أنفاسه. وفي الشهر الثاني تم تدريبهم على زرع العبوات الناسفة على جانبي الطريق والتي طالما أدت إلى مقتل العديد من الجنود الأميركيين والبريطانيين. وأما في الشهر الثالث فيتعلم مقاتلو "طالبان" كيفية اقتحام الأهداف الثابتة وتسلق الجبال لشن الهجمات على القواعد.
وقال هؤلاء لـ"صنداي تايمز" إن إيران زودتهم بالسلاح والألغام والبنادق عبر الصحراء والجبال عن طريق المهربين الذين كانوا يستخدمون الحمير والجمال والخيل. وعلى الرغم من أن هؤلاء القادة يعتقدون أن سنوات القتال في ميادين أفغانستان أكسبتهم الخبرة، إلا أنهم يمتلكون الآن خبرة أفضل بعد التدريب الذي حصلوا عليه في إيران. وقال أحد القادة الثلاثة "أعتقد أن هذا التدريب كان مفيداً جداً لنا".
سنوات "عجاف" للعلاقات
وخلال فترة حكم حركة طالبان لأفغانستان، كانت علاقات عداء بينها وبين إيران لأسباب كثيرة يتعلق أبرزها بالدور الذي لعبته طهران لمساعدة أعداء الحركة، وكذلك الاعتبارات المذهبية.
وكاد هذا العداء يتحول إلى حرب بين الطرفين عام 1998، وذلك حينما قامت طالبان في حزيران 1997 بإغلاق السفارة الإيرانية وطرد العاملين منها، متهمة إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية الأفغانية وإرسال الدعم العسكري للشمال تحت شعار المساعدات الغذائية الإنسانية، واستمر التوتر بين الدولتين وبلغ ذروته على خلفية أزمة مقتل الدبلوماسيين الإيرانيين التسعة في القنصلية الإيرانية في "مزار شريف" على يد ميليشيات طالبان المسيطرة على البلاد.
ومع تطور الأحداث حشدت إيران حوالي 70 ألفاً من قوات الحرس الثوري على الحدود مع أفغانستان وقابلتها حركة طالبان بحشد 25 ألفًا من مقاتليها ونشر صواريخ "سكود".
غير أن تراجع إيران ومبادرة طالبان بالإفراج عن عشرة من الأسرى الإيرانيين ثم عن جميع الأسرى، فضلاً عن المصالحة بين الحركة وقادة الهزارة الأفغان.. كل ذلك أدى إلى تهدئة التوتر بين الطرفين.
محبة بعد عداوة
ولكن بعد الإطاحة بنظام طالبان عام 2001 على يد قوات دولية بزعامة أميركا، تغيرت العلاقات بين الطرفين ووصلت لمستويات غير مسبوقة من التعاون.
الزيارات المتكررة لوفود حركة طالبان لإيران دفعت الإعلام الأميركي للحديث عن هذا التعاون الذي يتطور بصورة متسارعة، فقد نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن مسؤولين أفغان وأوروبيين أن إيران دأبت في الفترة الماضية على تقوية علاقاتها مع حركة طالبان الأفغانية سراً وبعيداً عن الأضواء، وأنها اليوم تدفع رواتب بعض مقاتلي الحركة وتمدهم بالسلاح.
وقالت الصحيفة إن المسؤولين يعتقدون أن لإيران هدفين في دعم طالبان: "الأول هو مواجهة النفوذ الأميركي في المنطقة، والثاني إعطاء نفسها ثقلاً نوعياً جديداً لمنافسة الثقل الذي أصبح تنظيم داعش يحظى به بعد أن امتد نفوذه للأراضي الأفغانية".
كما أشارت الصحيفة إلى بعد استراتيجي في الخطوة الإيرانية، ففي ضوء تصاعد النشاط العسكري لطالبان والآفاق الجديدة لمحادثات السلام بينها وبين حكومة كابول، فإن هناك احتمالا بأن تعود طالبان للسلطة عن طريق المشاركة في الحكم.
ويبدو أن حركة طالبان تسعى لاستغلال علاقتها بطهران لمواجهة حكومة كابول والقوات الأميركية للعودة إلى السلطة مرة أخرى، في حين تسعى طهران إلى استغلال الحركة لخلق يد لها في أفغانستان تستخدمه ضد باكستان التي أعلنت تأييدها للتحركات السعودية ضد نفوذ إيران في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك استخدام مئات آلاف المهاجرين الأفغان في الحرب التي تشنها في سوريا لحماية نظام بشار الأسد.
(العربية)