هل تشق معركة جزين الطريق أمام العماد ميشال عون للوصول الى القصر الجمهوري؟ وهل تشق معركة صيدا الطريق أمام الرئيس سعد الحريري للوصول الى السراي الحكومية؟
وسائل اعلام التيار الوطني الحر وصفت الجنرال بـ«القائد العظيم». التوصيف يتجاوز توصيفات الماضي بـ«الزعيم الأول» وبـ«الزعيم الأقوى» للمسيحيين، توصيف امس لا بد ان يطرح التساؤل ما اذا كانت رئاسة الجمهورية قد أصبحت في جيب رئيس تكتل التغيير والاصلاح.
رجلان متعطشان، الاول الى الرئاسة الاولى، بل الى لقب «صاحب الفخامة»، والثاني الى الرئاسة الثالثة، بل الى لقب «صاحب الدولة». معركة بيروت كانت مريرة وصادمة، بالنسبة الى الحريري بسبب التدني الكبير في نسبة الاقتراع، وبسبب كمية الاصوات التي نالتها لائحة «البيارتة». ومعركة جونيه كانت مصيرية بالنسبة الى عون غير السعيد لا بالفارق في الاصوات ولا بالخروقات التي حصلت.
ويتردد أن النائبة بهية الحريري التي وصفها ابن شقيقها بـ«ست الكل» لأنها خاضت اختبار صيدا بنجاح، وبقيت بعيدة كلياً عن لغة التحدي، الأكثر حماساً، والأكثر لهفة، لعودة الشيخ سعد الى السرايا، كانت تتمنى لو تستضيف على العشاء، ومساء الأحد، الجنرال والشيخ في قصرها في مجدليون للتعاون في معركة رئاسة الجمهورية كما في معركة رئاسة الحكومة...
ودون ان يبقى خفياً ان تتويج عون رئيساً للجمهورية يمر حتماً، عبر الحريري، وان تنصيب الحريري رئيساً للحكومة يمر عبر عون. قُبل ذلك في أكثر من بلاط اقليمي ودولي.
وسائل اعلام التيار وصفت، كما ذكرنا، عون بـ«القائد العظيم»، والنائبان عاطف مجدلاني وسيرج طورسركيسيان وصفا الحريري بـ«الزعيم الاوحد»، لقبان انشتانيان لماذا لا يلتقيان؟ السؤال موجه الى خارج الحدود؟
اوساط سياسية تسأل «لماذا كل ذلك الضجيج حول معركة جزين، وهي المدينة الصغيرة وغير المصنفة مارونياً من الدرجة الاولى وان كانت على تخوم جبل لبنان؟». كان هذا قبل ان تبدأ الاخبار السيئة بالورود ثمة 4 خروقات للائحة التحالف، ولعل اللحظة الاكثر درامية حين عرف انه الفوز المقطوع الرأس، اذ أن طعن ابراهيم سمير عازار ادى الى الغاء 23 ورقة في عين مجدلين ما أدى الى حذف اسم رئيس اللائحة خليل حرفوش من اسماء الفائزين.
بين جونيه وجزين، طرحت أمس، وفي عدد من المحافل السياسية، اسئلة حول ما اذا كان قد حدث اهتزاز في القاعدة الشعبية للجنرال. البعض عزا ذلك الى الحاشية، والى «نوعية» النواب، وحتى الى «نوعية» الوزراء الذين يتم اختيارهم...
هذه مسائل كلها تخضع للنقاش، ومنها ما يتعلق بالكيفية التي ادار ويدير فيها رئيس تكتل التغيير والاصلاح معركته باتجاه رئاسة الجمهورية، وايضاً منها ما يتعلق بتحالفه مع الدكتور سمير جعجع الذي لم يقدم له شيئاً في جونيه، كما لم يقدم له شيئاً في غوسطا حيث كان المنتصر فريد هيكل الخازن. وحتى في جزين، ماذا قدمت «القوات اللبنانية» لحليفها حيث كان التيار الوطني الحر يحقق فوزاً كاسحاً دون الاستعانة بأحد.
بطبيعة الحال، هناك من ينتقد، وبمرارة، حتى داخل التيار الوطني الحر بأن كل ما يعني قيادة التيار تأمين مقعد نيابي للوزير جبران باسيل في البترون حيث اتفق الحليفان على مواجهة وزير الاتصالات بطرس حرب في عقر داره تنورين، فيما عجزا عن ارساء التوافق في مدينة البترون التي هي مركز القضاء.
صديق قديم للجنرال قال لـ«الديار» «هذا ليس وقت التوصيفات الفضفاضة، بل وقت المقاربة الواقعية للواقع، ولا ريب ان العماد عون بات أقرب الى البراغماتية منه الى المثالية، وهذه مسألة طبيعية، ودون ان يستطيع احد التشكيك، ولو قيد انملة، بنظافة كفه وبرغبته (الشخصية) في اجتثاث الفساد الذي أصاب أسس، الاسس البنيوية والاسس الفلسفية، للدولة اللبنانية».
يضيف الصديق القديم «ان الجنرال بدا في وقت من الاوقات أكبر من رئاسة الجمهورية، ولكن يبدو ان ثمة حصان طروادة إما داخل شخصية الجنرال او داخل تياره جعلته هكذا يسعى الى رئاسة الجمهورية كما يسعى اليها الآخرون الذين بالكاد يصل بعضهم الى خاصرته».
ولا ينفي الصديق القديم ان ورقة التفاهم التي ابرمها عون مع «حزب الله» أثرت في مساره الرئاسي، لكنها الورقة لمن يعرف تفاصيل عام 2006، وتفاصيل حرب عام 2006، لا يفوته ان يعرف ماذا كان حصل للبنان لولا تلك الورقة في كنيسة مار مخايل ذات يوم من شباط من ذلك العام.
ويتوقف الصديق القديم عند كلام باسيل ليل الاحد وقبل ان تتوضح صورة الاختراقات، عن فك اسر جزين، والمقصود تحديداً الرئيس نبيه بري، والى حد «اختراع» التحالف الثنائي معركة عبثية ضده في بلدة مغدوشة، وحيث تمثال سيدة المنطرة العزيز جداً على قلب «الاستاذ» ماذا كانت النتيجة؟

ـ العزوف عن الرئاسة ـ

وحديث عن «الاغتيال البطيء للجنرال» الذي يقول مرجع سياسي لـ «الديار» هل يريد عون استعادة شعبيته الآن؟ ما عليه الا ان يعلن عزوفه عن خوض السباق الرئاسي.
على كل، كان فوز التيار الوطني الحرّ بالمقعد النيابي في جزين واضحاً حتى لو اخذ على عون انه المتأثر بالمسار الشخصي للجنرال شارل ديغول، اندمج اكثر في الظاهرة اللبنانية، وحيث الكلمة العليا للاثرياء وامل ابو زيد واحد منهم، وان كان الذين يعرفونه عن كثب يؤكدون انه رجل اعمال من الطراز الاميركي (هنري فورد وديفيد روكفلت وجورج سوروس وبيل غيتس وليس من طراز دونالد ترامب او جورج بوش).
ربما كانت العلاقة الفارقة في انتخابات الجنوب ما حدث في حارة صيدا حيث استطاع سميح الزين ان يؤمن الفوز لكامل اعضاء لائحته غير المكتملة، تاركا مقاعد لحركة «امل» و«حزب الله» هل كان التخلي عن «ديكتاتور الحارة» خطأ تكتيكياً ام استراتيجياً، ابو مشهور اهدى فوزه لبري.

ـ الى الشمال ـ

ومن الجنوب الى الشمال مرة واحدة، ومرة اخيرة، قبل طرابلس لا بد من ان يعرّج المراقبون على زغرتا، النائب سليمان فرنجية مد يده الى رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض، كما تصرف بالنسبة الى الحقائب الوزارية (وحيث الاولوية لتسهيل الامور، امور الجمهورية)، يتصرف الآن بالنسبة الى المقاعد البلدية، هو مشروع رئيس للجمهورية ولا يمكن ان يتصرف على انه ابن العائلة بكل اثقالها، بل كابن الجمهورية بكل همومها وبكل احتياجاتها، مجلس بلدي توافقي في مدينة زغرتا.
في طرابلس يحكى عن «لائحة مثالية» كان على الحريري ان يأخذ بـ «اجواء» الرئيس نجيب ميقاتي، الاقرب الى تاريخ المدينة، كما الى نبضها (ونبض الناس)، رئيس اللائحة عزام عويضة وُضع في مواصفات الاعضاء الذين مهمتهم الاساسية تكريس وحدة المدينة.
لكن وزير العدل المستقيل اشرف ريفي يريدها معركة «تكسير الرؤوس» في الفيحاء. مؤيدو التوافق يقولون ان اللواء يخوض معركة انتحارية، وينسى ان ميقاتي هو من وقع مرسوم تعيينه مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي، كما ينسى ان الحريري ظل يدافع عن بقائه في الموقع حتى الرمق الاخير قبل ان يطرحه وزيراً، ووزيراً للعدل، في حكومة الرئيس تمام سلام....
اما اعضاء لائحة احمد قمر الدين التي يدعمها الوزير المستقيل، فيقولون «انتظروا المفاجآت» «وناس طرابلس لا يحكمون من القصور او من الابراج».

ـ محل الحريري لا محل ميقاتي ـ

في طرابلس، ومن باب التبانة الى القبة وابي سمرا، كلام من قبيل «اذا اخترق ريفي فسيحل محل الحريري لا محل ميقاتي»، ماذا اذا لم يخرق؟ فان ساسة كثيرون وضعتهم المدينة على الرف.
وحتى قبل ان تجري معركة طرابلس، بوشر بطرح السؤال حول تداعيات الانتخابات البلدية، بكل قطافها، الحلو والمر، على العملية السياسية التي تراوح مكانها منذ اكثر من سنتين؟ اليوم ينقضي عامان على انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان. القصر لا يزال خالياً، وليس هناك على الطاولة سوى مبادرة بري التي تقول مرجعيات سياسية انها معرضة للخطر لان ثمة تداخلاً بين نقطة الضعف ونقطة القوة فيها، اي اجراء الانتخابات النيابية قبل الانتخابات الرئاسية.
هذا الاسبوع لطرابلس، ريفي بملابس الميدان، عزف على الوتر الحساس. في ما يشبه البلاغ رقم واحد في الانقلابات العسكرية، فيديو على صفحة الفايسبوك بعنوان«النداء الاول» ويقول فيه «نحن اليوم في مواجهة تحالف هجين يشارك فيه حلفاء بشار الاسد وحزب الله».
اين الاسلاميون والسلفيون في الشمال؟ التأثير بدا ضئيلاً الى حد بعيد، وبعضهم يلعب من وراء الستار في بعض بلدات الضنية - المنية وعكار.
هذا كله لا يحجب هاجس توطين النازحين من اسطنبول، وحيث القمة العالمية الانسانية، اكد سلام «تمسكنا بقاعدة ثابتة، مكرسة في نص الدستور اللبناني، وبحكم الاجماع الوطني اللبناني، ويجب ان يسمعها العالم اجمع ان لبنان ليس بلداً لتوطين الآخرين على ارضه».
اما المنسقة الخاصة للامم المتحدة سيغريد كاغ فلا تزال عند تصريحاتها التي لا تخلو من اللبس. قالت اثر لقائها وزير العمل سجعان قزي الذي لا شك انه ينقب كثيرا بين الكلمات: ان «لا يخطط ولا نية لتوطين النازحين السوريين في لبنان».
لم نقل ما اذا كان التوطين في بلد او بلدان اخرى مضيفة، اضافت «يوجد حاليا خيار العودة الطوعية الى سوريا والترحيل الطوعي الى دول اخرى»، لتقول «ان الحل (اي حل؟) يكمن في التواصل بين الرئيس تمام سلام مع الجماعة الدولية والمانحة وايصال مخاوفهم (اللبنانيين) في هذا الصدد خلال انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة التي ستناقش تقرير الامين العام بان كي مون والارتدادات على لبنان في حال لم يتم التوصل الى حل سياسي للازمة في سوريا. واللبيب من الاشارة اما ان يفهم او لا يفهم.