تلوح في الأفق معركة استعادة مدينة الرقة السورية، معقل تنظيم داعش في شمال شرق البلاد، بينما تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون خلق بيئة حاضنة في المدينة لقوات كردية ستتولى على الأرجح استعادتها بدعم دولي.
وأعلن مصدر عسكري أميركي أن قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوي فوتيل قام بزيارة قصيرة لسوريا السبت حيث التقى قوات أميركية خاصة منتشرة في سوريا ومقاتلين محليين
. وقال بريت ماكغورك المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لدى التحالف ضد تنظيم داعش في تغريدة على تويتر إن فوتيل زار سوريا السبت “للتحضير للهجوم على الرقة”.
وتواكبت المؤشرات الأخيرة مع تصريحات صدرت عن “قوات سوريا الديمقراطية” تعلن عن حشود تعدّها تمهيدا لمعركة الرقة، لا سيما بعد أن انتزعت هذه القوات من يد داعش بلدة الشدادي الاستراتيجية في شمال شرق سوريا في فبراير الماضي. وقالت مصادر ميدانية إن القوات الكردية بدأت تتجمع في بلدة عين عيسى بريف الرقة الشمالي، تحضيرا لإطلاق المعركة التي وصفتها بأنها ستكون سريعة وحاسمة بدعم مباشر من طيران التحالف الدولي.
وكانت طائرات التحالف قد ألقت منشورات على المدينة تطالب فيها المدنيين بالمغادرة تحسبا لعملية جوية محتملة ستسبق الاقتحام البري للمدينة. و”قوات سوريا الديمقراطية” هي فصيل يضم قوات من الأكراد والعرب السوريين ويحظى بدعم أميركي.
لكن الهيمنة على القيادة تظل للأكراد، لا سيما “قوات حماية الشعب” الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي القريب من حزب العمال الكردستاني في تركيا، الذي تصنفه واشنطن وأنقره تنظيما إرهابيا.
وقال مصدر كردي لـ”العرب” إن التحالف الدولي لمحاربة داعش يثق بقواتنا في الحرب على الإرهاب وتحديدا في طرد داعش من عاصمته. وأضاف أن الاتصالات مع أطراف دولية “لم تتوقف سواء مع الجانب الأميركي أو غيره من الدول الأوروبية، وتأتي هذه الزيارة الأميركية لتتويج التفاهم بيننا في محاربة داعش”.
وتعتبر مصادر في دمشق أن قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة تحاول من خلال تحرير الرقة بواسطة “قوات كردية” التمهيد للاعتراف بحكم ذاتي للأكراد بالتحالف مع العشائر العربية.
وقالت إن الجنرال فوتيل يحاول التوصل إلى هذه الصيغة العشائرية العربية مع الأكراد، لكنها توقعت عدم نجاح مسعاه. وبحسب المصادر فقد جرى لقاء جمع خلال الأيام الماضية صالح مسلم رئيس الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، بوفد عسكري من “التحالف الدولي” في قرية خراب عشق جنوب شرق بلدة عين العرب (كوباني) للتحضير لمعركة ضد تنظيم “داعش” في محافظة الرقة. ويعتقد نائب منسق حركة “شباب الكرد” السورية يلماز سعيد أن نجاح المعركة في الرقة يحتاج قرارا دوليا بالقضاء على أذرع تنظيم داعش في كافة أنحاء المنطقة.
وقال سعيد لـ”العرب” إنه لا يعتقد “أن المعركة ستبدأ في الفترة الحالية، لأنه إذا كان التحالف يريد إنهاء داعش فإنه يجب أن يفتح معركة الموصل في العراق بالتزامن مع معركة الرقة في سوريا”.
وكانت معركة الرقة قد تأجلت مرارا في السابق نتيجة رفض الأكراد القتال داخل بيئة معادية، وبسبب إدراك الولايات المتحدة لحساسية الرقة التي يجب للمكوّن العربي أن يكون أساسيا في تحريرها.
وكان تفضيل واشنطن أن تطلق المعركة في منطقة الحسكة المتاخمة للحدود العراقية، بحيث تكون المعركة السورية ضد داعش مكمّلة لتلك في العراق، أحد أسباب تأجيلها أيضا.
لكن تقارير صدرت مؤخرا تحدثت عن أن معركة الرقة ستعتمد على المكوّن الكردي، بما أثار أسئلة عما يخطط للرقة بعد تحريرها، لا سيما أن الأطراف الكردية تجاهر باعتبار الرقة جزءا من المنطقة الكردية التي يسعى الأكراد لانتزاع اعتراف دولي بها.
وتساءلت صحيفة التلغراف البريطانية عن الجهة التي قد تتولى السيطرة على الرقة بعد تحريرها من داعش، ناقلة عن مصدر كردي أنه بمجرد تحرير المدينة فإنها ستكون جزءا من فيدرالية مستقبلية في شمال سوريا، أو قد تصبح ذات إدارة محلية مستقلة كباقي الأقاليم في المناطق الكردية بسوريا.
وكانت المداولات قبل أشهر تعد المعركة بحيث تكون القوات متعددة الأعراق. فقد نقل وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان قبل أشهر عن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني قوله إنه مستعد للتدخل على الأرض في الرقة السورية.
وكشف كفاح محمود المستشار الإعلامي للبارزاني حينها عن وجود مفاوضات بين واشنطن وحكومة الإقليم لإشراك قوات البيشمركة في معركة تحرير الرقة المرتقبة.
وكان هدف واشنطن وأنقرة من هذه الخطوة هو عدم حصر الوجود العسكري الكردي بـ”وحدات حماية الشعب”، إذ تفضل أن تكون السيطرة في الشمال والشمال الشرقي من سوريا بأياد متنوعة تضم عربا وأكرادا.
ورحبت عدة أطراف في المعارضة السورية بالهجوم على الرقة رغم خلافات سابقة مع الميليشيات الكردية. واعتبرت مصادر في المعارضة أن تحرير الرقة “أقل الخيارات ضررا”، إذ ستكون استعادة المدينة بواسطة قوات كردية ودعم دولي أفضل من أن يفرض نظام الرئيس بشار الأسد سطوته عليها.
صحيفة العرب