كاد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في خطابه الاخير، يضع الانتخابات البلدية في الجنوب بمنزلة الحرب في سوريا، عندما إعتبر ان القرار بتعزيز الانخراط في المواجهة على هاتين "الجبهتين"، هو بمثابة الرد العملي على مصرع المسؤول العسكري للحزب مصطفى بدر الدين.
لم يصنف نصر الله الخصوم الافتراضيين في المعركة البلدية الجنوبية في مرتبة الاعداء، المتواطئين مع التكفيريين، او المساهمين في "الحرب الكونية"المزعومة على محور المقاومة والممانعة، لكن الايحاء لم يكن بعيداً عن هذا التصنيف، وهذا على الاقل ما يمكن ان يلتقطه جمهور الحزب من النداء المزدوج الذي اطلقه الامين العام ودعا فيه، في وقت واحد، الى الزحف على مراكز الاقتراع في الجنوب، والاستعداد للمزيد من الحشد على مختلف محاور القتال في سوريا.
ليست المعركة واحدة، لكن التعبئة كذلك. حاجة الحزب في هذه اللحظة الى طلب الدعم من جمهوره لا جدال فيها. ثمة "مطحنة" في سوريا حسب التعبير المرعب الذي إستخدمه نصرالله للمرة الاولى، والذي يتنافى مع العرض المكرر للانجازات العسكرية على تلك الجبهة، او يفرغه من مضمونه، والذي يقر، للمرة الاولى ايضا، بالكلفة البشرية الباهظة التي تحد من قيمة النصر الحتمي الموعود.
ثمة قرار جازم بالمضي قدما بالحرب حتى النهاية، بغض النظر عن الثمن. هذا ما خرج نصرالله ليعلنه، رداً على إغتيال بدر الدين، ولعل هذا ما يمكن ان يلمّح بشكل او بآخر الى الجهة التي نفذت العملية، والتي تريد إستدراج الحزب الى جميع الجبهات السورية، بعيداً عن جبهة المواجهة القديمة والمتنائية مع العدو الاسرائيلي، الذي تلقى ما يشبه البراءة من دم المسؤول العسكري الاول للحزب.. مع ان وقائع الميدان السوري ومعطياته وأدلته ما زالت تؤكد العكس تماماً.
ربما كان إعلان قرار الانخراط الاضافي في الحرب السورية مجرد موقف إنفعالي من الحزب وأمينه العام حفّزه المُصاب الجلل، وهو يندرج في السياق الامني الذي يحد آلاف المقاتلين اللبنانيين الموجودين في سوريا، العالقين حالياً في معارك "تبادل مواقع" مع المعارضة السورية، بناء على رؤية سريالية كررها نصرالله عن تلك "الحرب الكونية"على نظام يحميه الروس والايرانيون ولا يريد الاميركيون والاسرائيليون إسقاطه ولا ينشد الاوروبيون رحيله ولا يتمنى نصف العرب غيابه.. وهو أمر يجعل صدام حسين يتلوى في قبره، الذي حفرته له أكثر من تسعين دولة في العالم، أرسلت نحو أربعين دولة منها قوات برية او جوية او بحرية للقتال في العراق.
لم تكن تلك الرؤية الخيالية هي التي قللت من شأن خطاب نصرالله، بل تفاديه مرة أخرى الدخول في نقاش سياسي، او على الاقل تقديم عرض سياسي لما بلغته الازمة السورية في طورها الراهن. وهذا، بالحد الادنى، حق جمهور الحزب الذي ربما يسأل قيادته مثلاً عن مآلات الدور الروسي والغطاء الاميركي والثمن الايراني للانتصار المفترض في سوريا، وما يمكن ان يعنيه هذا النصر اذا ثبت بالفعل ان موسكو شطبت الخط الاحمر المرسوم حول بشار الاسد.
لا يمكن ان تستقيم قيادة سياسية من دون هذا العرض، حتى ولو كان سوريالياً، لانه يساهم في تجميل الصفة الامنية لقتال الحزب في سوريا وفي إكسابه بعداً إضافياً، لن يصل الى رتبة الشراكة في البحث عن مستقبل سوريا، لكنه على الاقل يمد جمهور الحزب بجرعة سياسية ضرورية، يمكن ان تكون مفيدة في معاركه الداخلية اللبنانية، التي لا يبدو ان النصر في معظمها حتمي.
لم يكن الهبوط الفوري من جانب نصر الله من الحرب السورية ذات الصفة الكونية الى المعركة البلدية ذات المغزى الريفي، مؤثراً، ليس فقط لان نتائج الانتخابات محسومة ومعروفة سلفاً، بل لان المعارضة الجنوبية المتواضعة للحزب، لا يمكن ان تشبّه او أن تقارن بالمعارضة السورية المتصاعدة التي يقاتلها الحزب داخل سوريا.
f