أن تعزز الولايات المتحدة التعاون مع الغرب فذلك “ليس هو الحل، بل سيوفّر خدمة للدولة الأولى المصدرة للإرهاب في العالم. تحتاج أميركا إلى أن تتعلم من أخطائها لا أن تكررها”. الكلام هنا ليس لجهة معارضة لإيران في العالم العربي، بل لويسلي مارتن، وهو كولونيل متقاعد في الجيش الأميركي، شغل منصب ضابط كبير لمكافحة الإرهاب في العراق (2003-2004) وضابط قيادي في عمليات الاعتقال (2005-2006).
ويدعو الجنرال الأميركي الميداني الذي خبر إيران على مسرح العمليات وليس في أروقة الدبلوماسية، إلى التخلي عن الخيار الإيراني و”التعاون مع المعتدلين في المنطقة لإقامة حكومات قوية تسخّر قواها لخدمة مواطنيها كما للاستقرار الإقليمي العام”.
وتمثّل تصريحات مارتن التي أوردها في مقال نشرته الواشنطن تايمز تيارا متنامياً داخل الولايات المتحدة يشكك في سياسة البيت الأبيض الحالية التي ترجح اعتماد الخيار الإيراني، على ما أفصح التوقيع على الاتفاق النووي مع طهران.
ويأتي نشر رؤية ويسلي في رد فعل على مقال للسفير الأميركي السابق في الأمم المتحدة زلمان خليل زاده، يشرح فيه أسباب “حاجة” بلاده إلى إيران.
وكتب خليل زادة، الذي عمل أيضا سفيرا لبلاده في بغداد، في صحيفة نيويورك تايمز، “من الأرجح أن تعمل واشنطن وطهران معا بالتوازي للوصول إلى تسوية بين الأحزاب السياسية ورئيس الوزراء العراقي”.
ويتأسس موقف “الجنرال” في رده على “الدبلوماسي” الأميركي على معلومات وشهادات حصدها من خلال عمله المباشر في العراق.
ويعتبر مارتن أن إيران استدرجت بلاده إلى المستنقع العراقي من خلال المتموّل العراقي أحمد جلبي، الذي يصفه مارتن بأنه كان عميلا لإيران ضخّ معلومات مغلوطة كان هدفها خدمة طهران لإزالة نظام الرئيس الراحل صدام حسين.
ويذكّر بتصريح الخميني الشهير “طريق القدس تمر بكربلاء”، وأن إزالة الحكم في بغداد كانت ضرورة لـ”فتح تلك الطريق”.
لكن الجنرال الأميركي يتحدث عن السيطرة التي حظيت بها إيران على العراق من خلال غزو عام 2003، في وقت عملت فيه طهران على دعم أي جماعات تقتل جنودا من التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
ويتحدث عن اعترافات لناشطين في تنظيم القاعدة عن الدعم العسكري والمالي الذي كان يتلقاه تنظيم أسامة بن لادن من طهران وفق شعار “عدو عدوي هو صديقي”. ويستغرب مارتن ازدواجية المعايير في التعامل مع إيران، بحيث تُكافَأ بالنزوع نحو التعاون معها، وفق دعوات خليل زاده.
كما يستغرب، في معرض حديثه عن ازدواجية المعايير، خلو لوائح الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية من اسم مقتدى الصدر و”جيش المهدي” الذي يقوده رغم مسؤوليته عن قتل المئات من الأميركيين في العراق، في حين أن داعش ليس إلا وليد خطايا إيران وحليفها نوري المالكي في ارتكاب ما أسماه “إبادة” ضد السنّة في العراق.
هكذا وبشكل جلي يرى مارتن الأمور، داعش ناتج عن سياسة إيران، وطهران “تستغل داعش لإضعاف السنّة في العراق”.
لكن ما يراه مارتن وتيار يتنامى في الولايات المتحدة وداخل المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية والإعلامية، يتطابق مع رؤى المنطقة، لا سيما رؤى الدول الخليجية، التي تعتبر أن معضلة داعش كما وسائل إزالته تعتمد على فهم الدور الإيراني والموقف منه.
وطالما رددت العواصم في المنطقة أن ضرب التوازن العراقي الذي ارتكبه هذا “التواطؤ” العلني والضمني بين واشنطن وطهران هو الذي يقف وراء تعملق ظاهرة داعش، وأن مكافحة الإرهاب الممارس من قبل إيران “وفق توصيف مارتن” والجماعات التابعة لها، هو حتمية لا بد منها لضرب الإرهاب الذي يمثله داعش.
ويصبح التساؤل مشروعا عما إذا كان ضرب داعش هو مصلحة إيرانية حقيقية، طالما أنها مستفيدة من دور تنظيم أبوبكر البغدادي في إضعاف السنّة في المنطقة من خلال سياسة ممنهجة تفرغ مدنهم و”تسوقهم نحو المنافي في بلدان الغرب”، والكلام دائما للجنرال الأميركي القلق على بلاده وخياراتها في منطقتنا.
العرب