بدا خطاب أمين عام حزب الله حسن نصرالله أمس الجمعة، الذي يفترض أنه مخصص للحديث عن مقتل قيادي الحزب مصطفى بدرالدين، مخصصا للحملة الانتخابية للبلديات التي تجري في جنوب لبنان يوم غد الأحد. فدعوة نصرالله إلى التصويت بكثافة تعكس توقا من الحزب إلى تأكيد حضوره وشعبيته لدى الطائفة الشيعية، لا سيما في جنوب لبنان.

ويعتبر المراقبون أن ارتباك خطاب الحزب منذ اعترافه رسميا بالانخراط في الحرب السورية لصالح نظام دمشق عام 2003، يدفعه إلى التحصّن بالانتخابات البلدية بحثا عن حماية الشارع اللبناني وتخفيف الضغوط التي تمارس عليه.

وترى أوساط دبلوماسية أوروبية أن مقتل قيادي الحزب مصطفى بدرالدين في سوريا مؤخرا يعد ضربة كبيرة توسّعت اهتزازاتها داخل الأجسام القيادية للحزب.

وتوقفت هذه الأوساط على الإرباك الذي صاحب الإعلان عن مقتل بدرالدين، لجهة تفسير ظروف عملية القتل والإعلان عن هوية القتلة.

ولفتت إلى أن تراجع وسائل الإعلام القريبة من حزب الله عن اتهامها الأول لإسرائيل بالوقوف وراء “انفجار استهدف أحد مراكز الحزب قرب مطار دمشق” وفق رواية الحزب، يعود إلى إيعاز رسمي من قيادة الحزب كشفه حديث نائب الأمين للحزب الشيخ نعيم قاسم عن “تحقيق”، انتهى بصدور بيان رسمي يتهم “التكفيريين” بقتل بدرالدين.

واستغربت أوساط مراقبة إبعاد حزب الله لإسرائيل عن مرمى الاستهداف، لـ”عدم وجود دليل” وفق خطاب نصرالله الجمعة، ورأوا في ذلك رغبة من الحزب وإيران في تحييد إسرائيل، مذكّرين بأنها موضوعيا ليست في معسكر معاد للحزب في الميدان السوري، طالما أن هناك تنسيقا إسرائيليا معلنا مع روسيا حليفة إيران والحزب في معركة دعم نظام دمشق.

وبغضّ النظر عن دقّة هذا الرأي وموضوعيته، فإن الثغرات الكبرى التي طالت رواية الحزب حول مقتل بدرالدين، أطلقت العنان لموجة من السيناريوهات التي تعبّر عن مأزق الحزب هذه الأيام.

وتلفت أوساط شيعية معارضة في لبنان إلى أن الانتخابات البلدية الحالية في لبنان أفرجت عن تنامي المعارضة الشيعية ضد “الثنائية الشيعية” التي يهيمن عليها الحزب، وإن كانت هذه المعارضة لم ترتق إلى مستوى إلحاق هزائم انتخابية بالحزب.

وتلفت هذه الأوساط إلى أن حزب الله يستنفر كل قواه ويحشد كل أنصاره من أجل تحقيق إنجازات في بلديات القرى والمدن الشيعية، لحاجته إلى تأكيد شعبيته وشرعيته لدى الجمهور الشيعي، خصوصا بعد ارتفاع منسوب التململ داخل الطائفة جراء ضريبة الدم التي تدفعها في سوريا، بحيث تشير التقديرات إلى وصول خسائر الحزب البشرية إلى 1500 قتيل.

ويشير المراقبون إلى التذبذب الحاد في خطاب حزب الله وزعيمه، لجهة استخدام موضوع المواجهة مع إسرائيل ظرفيا، مقابل تركيز نصرالله هجماته ضد الخليجيين في ميادين اليمن والسعودية والبحرين والكويت، على نحو جعل من تبعية الحزب لإيران وخضوعه لها لا يأخذان في الاعتبار مصالح لبنان كما مصالح مواطنيه، لا سيما الشيعة منهم.

وكانت أوساط مصرفية قد أشارت خلال الأيام الماضية إلى غضب حزب الله من المراسيم الأميركية التي صدرت بشأن العقوبات ضده، والتي اعتبرت أكثر الإجراءات الدولية إيلاما.

ورغم الحديث عن حلّ وسط تمّ نقاشه مع نائب الحزب علي فياض ووزيره حسين الحاج حسن، فإن هذه الأوساط ترى أن حزب الله يدرك أن فائض السلاح الذي يمتلكه لم ينجح، في تليين موقف المصرف المركزي اللبناني كما النظام المصرفي للبلد. لا سيما بإعلان محافظ مصرف لبنان التزام البلد ومصارفه بالمراسيم الأميركية، خصوصا أن إجراءات مشابهة كانت أدت في السابق إلى إغلاق المصرف اللبناني الكندي بسبب شبهات لحسابات كانت تعمل لصالح الحزب.

ويقول متابعون لشؤون الحزب، إن التوتر في الصفوف القيادية في الآونة الأخيرة يعود إلى نجاح السعودية وحلفائها في فرض حصار عليه وصل إلى حدّ العزل، ابتداء من قرار الرياض وقف الهبة التي كانت ممنوحة للجيش اللبناني بسبب “خضوعه لقرار الحزب”، مرورا بسلسلة المواقف الخليجية العربية الإسلامية التي اعتبرت حزب الله منظمة إرهابية، مع ما رافق ذلك من حالات إبعاد لرعايا لبنانيين من دول خليجية بداعي دعمهم لحزب الله.

وترى أوساط لبنانية أن ضغوطا شعبية تمارس على حزب الله للانسحاب من سوريا، رغم أن هذا القرار تعود الكلمة الأخيرة فيه إلى طهران.

 

العرب