تعتبر الإنتخابات أفضل وسيلة ديمقراطية يعبر من خلالها المواطنين عن مطالبهم وحاجاتهم للذين ينتخبونهم، فالمرشح للمجلس البلدي يمثل صوت المطالبين بالتنمية والإنماء.
نهار الأحد تجرى الإنتخابات في محافظتي الجنوب والنبطية وطرحت جميع اللوائح المتنافسة برامجها الإنتخابية وجميعها تجمع كعادتها على النهوض بالقرى والمدن ووضعها على سكة التنمية والإنماء. ويعيش المواطن في الجنوب بحيرة أمام كثرة المرشحين وتنوع البرامج والشعارات لا إختلافها. فلو قارنا بين البرامج الإنتخابية لوجدناها متشابهة في معظمها.
فالجنوبي جل ما يريده من المرشحين الذين يفوزون ويحالفهم الحظ أن يقوموا بتغيير جذري في السياسات المعتمدة للتنمية والإنماء. فهو بحاجة إلى أعضاء مجالس بلدية يتمتعون بكفاءة ونزاهة وشفافية وذات رؤية للقيام بأدوارهم على أحسن وجه. والكفاءة والشفافية تعكس طبيعة ونوعية البرامج المطروحة والمشاريع المزمع تنفيذها. ولعل الهم الأكبر للجنوبي اليوم هو تحسين البنية التحتية للقرى والمدن من طرق وأرصفة ومشاريع صرف صحي منظمة ذات معايير قانونية ونظامية عالية وتنظيم شبكات الكهرباء والمياه بطرق فنية متطورة بحيث لا تسبب تلوث بصري للسكان. أضف أن أزمة النفايات لا تزال بارزة بشكل جلي وهنا ضرورة إنشاء مصانع لإعادة التدوير والإستفادة من هذه المواد بطرق عديدة. وتستطيع المجالس البلدية تحويل أزمة النفايات إلى فرصة بحيث تحقق أهداف عديدة في نفس الوقت منها تخفيض نسبة البطالة بين الشباب الجنوبي من خلال توظيفهم في هذه المصانع وإزالة التلوث والضرر البيئي التي أحدثته هذه الأزمة والإستفادة من إعادة التدوير لتأمين طاقة كهربائية. ومن جهة أخرى، على المرشحين طرح حلول لمشكلة تقلص المساحة الخضراء في الجنوب وإزدياد عدد الكسارات والمرامل من خلال التشجيع على إعادة زراعة الأحراش بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة والدفاع المدني اللبناني والحفاظ على المشاعات .ولعل مشكلة البطالة التي تلقي بثقلها على كاهل الشباب الجنوبي وخصوصا خريجي الجامعات تبقى العبء الأكبر ويجب تقديم حلول سريعة ومبرمجة لها فقرى الجنوب بدأت تخلو من سكانها وبدأت تسجل موجات هجرة بينية إلى بيروت وهجرة إلى الخارج. وإن كانت الهجرة تشكل حلا للشباب فعلى المجالس البلدية الإستفادة منها من خلال دمج قدرات المغتربين وإستغلالها للنهوض بالجنوب. واقع الجنوبي اليوم أنه شبع شعارات رنانة لا تقدم ولا تؤخر وهو بحاجة إلى أفعال تساهم في رقيه ورقي بلده. وهذا الرقي إحدى مقوماته الشق الديني والثقافي، فلا يمكن النهوض بالجنوب في ظل هذه العبثية الدينية والخرافات المنتشرة. فالمجالس البلدية لها دور في هذا الشق لأن معظمها هي من تؤمن قراء عزاء في عاشوراء وغيرها من المناسبات. فالمطلوب من هذه المجالس وبالتنسيق مع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى حسن إختيار رجل الدين الذي يواكب عقول الشباب ويفتح لهم الآفاق ويحررهم من هذه الخرافات الدينية المنتشرة. فالمكان الذي تجتمع فيه الخرافة مع الفقر يولد تطرفا وتخلفا. ولا بد من أن تهتم المجالس البلدية بالشق الفني من خلال بناء المسارح والأكاديميات الفنية المحترمة والسينما القليلة جدا في الجنوب. وهناك مواهب غير مستثمرة وبحاجة إلى دعم معنوي ومادي لا بد من الإلتفات إليها وحضنها وإستثمارها لأنها تساهم في نهوض نوعي للجنوب. كذلك المهرجانات الشعبية والموسمية ولو مهرجان موسمي واحد على مستوى إتحاد بلدي ضروري وجيد للتعلق بالفلكلور والثقافة الجنوبية والتراث اللبناني لتعزيز روح المواطنة والوطنية في نفوس الجنوبيين أكثر.
ومشكلة المياه والكهرباء والهاتف والإنترنت ينتظر الجنوبي من هذه المجالس البلدية إيجاد حلول لها وتأمين وصولها إلى معظم مناطق الجنوب لرفع الحرمان بشكل جذري.
ويمتلك الجنوب مقومات للسياحة على مختلف أنواعها الدينية والأثرية والموسمية.ومن هنا ضرورة الإهتمام بالأماكن الأثرية والمحافظة عليها والتسويق لها وإكتشاف المزيد منها وضرورة الإهتمام والحفاظ على الشاطىء وتشجيع المبادرات لزيادة الوعي حول أهمية الحفاظ على الثروة السمكية والشاطىء وتنظيم الصيد البري والبحري.
والمبادرات بحاجة إلى خطوات جريئة نحو التشجيع على القراءة من خلال إنشاء المكتبات والحدائق العامة وتأمين إنترنت مجاني فيها لترغيب الشباب وجذبهم نحو القراءة وزيادة وعيهم.
ولا ينسينا هذا الموضوع الرياضي، فإقامة منشآت رياضية وفرق وأندية من مختلف الرياضات مهمة لملىء أوقات فراغ الشباب وجعلهم يبتعدون عن آفة المخدرات التي تنتشر بكثرة في أوساطهم ومن هنا ضرورة محاربتها من خلال إقامة ندوات دورية ومحاضرات تظهر لهؤلاء الشباب خطورة هذه الآفة وملىء أوقات فراغهم بالرياضة وغيرها. ومشكلة أخرى خطيرة تهدد نسيج المجتمع اللبناني بشكل عام ولا يخلو منها الجنوب وهي شبكات الدعارة وأهمية الكشف عنها ومحاربتها وفضحها.
وبالتاكيد يعرف الجنوبي ان ما يطلبهليس مستحيل فهو من حقه ونعرف أن المجالس البلدية ليس بإستطاعتها القيام بما تقدم إلا من خلال العمل على تقديم رؤية بعيدة الأمد لا تقل عن 6 سنوات تحدد فيها الأهداف والآليات والموارد والإمكانيات والميزانية المطلوبة وبرامج تسويق لها وخطط تمويل وهي بحاجة إلى دعم حكومي ودعم من كافة الأجهزة والقطاعات في الدولة اللبنانية. لذلك على المرشحين أن يبدأوا بالتفكير بأسلوب مغاير ومعاصر بناءا على نظرية " الرؤية". فالتفكير بطريقة إستراتيجية يزيل الكثير من المصاعب والعراقيل ويسهل عملية تحقيق الأهداف.وهي أيضا بحاجة إلى كادر بشري فني ومتخصص ذات مؤهلات عالية وإلى تعاون مع جميع السكان والجهات السياسية والحزبية وعدم التهميش لزرع روح الحرية وتقبل الآخر وتحقيق النهوض الحقيقي والإنماء الصحيح.
وهذه المطالب ما هي إلا بعض من كل ما يتمناه إبن الجنوب وهو من حقه وقليل أمام ما قدمه من تضحيات على مذبح الوطن. فالمجالس البلدية يجب أن تحترم من تمثل وتعمل على تحقيق رغباتهم ومطالبهم وحفظ مصالحهم لأن الجنوب وصوت الجنوبيين أمانة يجب الحفاظ عليها وتطويرها.
وداخل كل شاب في الجنوب اليوم تدور أفكار ورغبات، لكن تبقى لقمة العيش والحياة الهنيئة الهم الأول والأخير، وعندما تتأمنان، حينها فقط تكون كرامة الجنوب والجنوبيين قد حفظت.