يُغلظ «حزب الله» القول للمرشحين إلى المجالس البلدية في جنوب لبنان على اللوائح المستقلة والمنافسة للوائحه. يتهمهم اتهامات غير مباشرة بخدمة المشروع «الإسرائيلي– التكفيري» لمطالبتهم بتولي أمور التنمية والإدارة المحليتين في قراهم. ويستثمر في دعايته ضدهم استثماراً مفرطاً في مقاومته الاحتلال السابق والخطر الحالي الآتي من سورية.

 

 

ويكاد ترشح مستقلين، من بينهم علمانيون ويساريون يعلنون أنهم «تحت سقف المقاومة»، يبدو في نظر الحزب شتيمةً مقذعة، هو الذي يخوض حروباً ضروساً على جبهات عدة ولم تمض بعد أيام على اغتيال قائده العسكري مصطفى بدر الدين، فيما يتعرض أنصاره لمضايقات قاسية في المصارف التي أعلنت التزامها بالعقوبات الأميركية على الحزب. هذه العقوبات التي حملت «كتلة الوفاء للمقاومة» النيابية التابعة للحزب على اتهام مصرف لبنان المركزي «بالخضوع للانتداب الأميركي»، ملوحة بأن البلاد قد «تتعرّض لانهيار نقدي خطير ولفوضى عارمة غير قابلة للاحتواء».

 

 

أمام الحرب في سورية والعقوبات المصرفية، تأتي لوائح المستقلين همّاً إضافياً على هموم الحزب الذي لا يبدي ارتياحاً لإصرار هؤلاء المرشحين على نكران جميله الماضي والحاضر. ثمة تفسيرات عدة لتمسك «حزب الله» بالفوز في الدوائر البلدية التي يكثر فيها أنصاره، منها رغبته في إضفاء السمة القانونية للهندسة الاجتماعية والاقتصادية التي يجريها في مناطق سيطرته حيث تشهد الأجواء في مناطق الجنوب خصوصاً (والبقاع بدرجة أقل) ظهور أشكال جديدة من الممارسات الاجتماعية والثقافية وتبدل في العادات والتقاليد التي يكرسها الحضور الطاغي للحزب في نواحي الحياة كافة. هذا إلى جانب تعزيز قبضته المالية على مداخيل البلديات التي سيتعين عليها تخفيف أي آثار مالية قد تنجم عن العقوبات المصرفية أو انحسار الدعم المالي الإيراني.

 

 

لا تُلهي اعتراضات داخلية محلية وضيقة الحزب عن الاهتمام بالساحات الحقيقية التي تشهد رسم مستقبله ودوره العابر للحدود اللبنانية المتهالكة. من يُريد أن يعرف حجم رهانات «حزب الله» وتصوره لنفسه وموقعه، عليه التمعن في صور المراسم العسكرية التي أجراها لقائده بدر الدين في مقام السيدة زينب قرب دمشق (وظهرت واحدة منها على صدر الصفحة الأولى من «الحياة» أمس).

 

 

لعل الصور هذه هي أهم ما أنتجه إعلام الحزب منذ انخراطه في الحرب السورية. هي التعبير «المشهدي» للموقع الذي وصل إليه «حزب الله» في المنطقة. وليست مبالغة القول إن الصور هذه تشكل جزءاً من الرد الذي باشره الحزب على اغتيال بدر الدين. وهي رسالة إلى الجهة أو الجهات التي أمرت بتنفيذ الاغتيال تقول إن الحزب جزء من المعادلة الإقليمية للحرب والسلام في سورية وفي غيرها، وإن اغتيال واحد من مسؤوليه، حتى لو كان على مستوى القيادة، لن يخرجه من الخريطة التي تُرسم للمنطقة، فالحزب خرج من لبنان ومن سياساته الصغيرة والسخيفة وبات يتعامل معه كساحة خلفية ينبغي عليها أن تؤمن إمداده بالمقاتلين الجدد وأن تُسخّر لخدمة مشاريعه الكبيرة والمكلفة.

 

 

من هذه الزاوية، تبدو لوائح المرشحين المنافسين إلى الانتخابات البلدية في الجنوب وإجراءات مصرف لبنان المركزي والأصوات المعترضة على المسار الذي يجذب الحزب لبنان إليه، مجرد مشاغبات ومناكفات لا يدرك أصحابها حجم الخطر الذي يحيط بهم أولاً وبالحزب ثانياً ومعاني الرهانات التي باتوا جميعا، شاؤوا أم أبوا، أحجاراً في لعبتها الغامضة والدموية.