بعد الأسئلة الكثيرة التي رافقت عملية اغتيال القائد مصطفى بدرالدين (ذو الفقار)، وضع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله النقاط على الحروف، مطلقاً مجموعة رسائل للحليف والعدو. وحذر في الوقت نفسه العدو الإسرائيلي من تبعات استهداف المقاومة وقادتها، مكرساً معادلة جديدة تكسر «قواعد الاشتباك» مع العدو، تفيد بأن «الرد على أي استهداف (من قبل العدو الإسرائيلي) سيكون كبيراً وخارج حدود مزارع شبعا». وأكّد مجدداً قرار المقاومة القتال في سوريا لأن «العدو واحد»، حيث إن «الجماعات التكفيرية التي اغتالت السيد مصطفى، بحسب ما أكدت المعطيات، تعمل لخدمة الإسرائيلي والأميركي في المنطقة». وتوجه إلى جمهور المقاومة لطمأنته بأن الحزب لديه «جيل من القادة من أعمار متفاوتة»... أما بعض خصومنا في السياسة فهم «أسوأ من العصابات ولا يستأهلون الردّ»
استفاض الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أمس، في الحديث عن الشهيد مصطفى بدرالدين وظروف استشهاده ومرحلة ما بعد الاستشهاد بالنسبة للمقاومة.
عاد إلى البدايات، ليعلن رسمياً الكثير ممّا جرى التداول به عن سيرة «ذو الفقار» الذي كان «من أوائل رجالات المقاومة، وفي مقدمة المجاهدين في معركة خلدة (1982) مع مجموعة من المجاهدين الذين شكلوا نواة المجموعة الأولى فيها... وقد أصيب يومها وبقيت آثار الإصابة معه الى يوم الشهادة». وفي كلمته، خلال الحفل التأبيني في مجمّع سيد الشهداء بعد مرور أسبوع على اغتيال السيد ذو الفقار، أشار إلى أنّ الشهيد «شارك مع القادة في التدريب والتسليح والتجهيز، وفي عام 1995 تولّى المسؤولية العسكرية المركزية في حزب الله الى منتصف عام 1999، وقد عمل خلالها على تطوير بنية المقاومة، وصولاً إلى الانتصار الكبير عام 2000». ولفت الى أن «أهم أدواره كان في قيادة قوات المقاومة في عدوان عناقيد الغضب عام 1996، وعملية أنصارية التي تقاسم فيها المسؤولية مع الشهيد عماد مغنية».
وتحدّث عن رؤيته لدور الإعلام الحربي، وعن كونه «واحداً من قادة المواجهة في عدوان تموز 2006». كما تولى مسؤوليات عديدة، أبرزها «تفكيك شبكات العملاء الإسرائيليين بالتعاون بين أمن المقاومة والأجهزة الأمنية الرسمية».
أما عن أوائل مراحل القتال في سوريا، فقال: «أوكلت الى الشهيد مهمة إدارة الوحدات القتالية فيها، وكان يديرها من لبنان حيث كنت أمنعه من الذهاب الى سوريا حرصاً عليه، ولكنه أصرّ على الذهاب فقضى أغلب وقته هناك، وساهم إلى جانب الجيش السوري وكل الحلفاء والأصدقاء، في تحقيق الإنجازات وأبرزها منع سقوط سوريا في يد التكفيريين، وفي يد أميركا وحلفائها في المنطقة».
تولى بدرالدين تفكيك
شبكات عملاء إسرائيل
بعد عام 2008
وفي معرض حديثه عن الشهيد الذي وصفه بأنه «واحد من العقول الكبيرة في المقاومة»، تحدّث نصرالله عن «شجاعته وذكائه الحاد واحترافيته العالية ونشاطه الدؤوب وعاطفته الجياشة». وأضاف «لقد وافقت على ذهابه الى الحدود للمتابعة وليس الى سوريا، وقلت له أنت مختلف وإذا ذهبت إلى سوريا واستشهدت فسنصبح أمام الكلام الكثير عند الأعداء والخصوم وفاقدي القيم والمتربصين بالمقاومة، لكنه أصرّ وذهب». وتابع: «شهداؤنا هم شهداء في أي أرض سقطوا، لأن المعركة واحدة والعدو واحد». وأسف لأن «عدونا الإسرائيلي الحاقد أنصفنا، ولكن المستعربين خدموا الإسرائيليين أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، وهم الذين حرّضوا على جمهورنا عندما قالوا إن حزب الله لم يتهم إسرائيل بقتل مصطفى بدرالدين لأنه خاف أن يلزمه اتهامها بالرد عليها وهو منشغل بحروب أخرى». كما أسف نصرالله لأن من يقول هذا الكلام هم «إعلاميون عرب، في حين أن العدو الإسرائيلي يعرف أننا صادقون، ولم نتكتّم على أي عملية وعندما نعد بالرد نردّ».
وعن ظروف الاغتيال، قال «تجاوزنا مسألة من قام بالاغتيال لأن العدو واحد، وقد أجرينا تحقيقاً في موقع الانفجار، ولم يظهر لنا أي دليل يأخذنا إلى اتهام الإسرائيلي، مع أننا لا نبرّئه، لكننا حتى في الحرب النفسية لا نكذب ولا نتهم سياسياً». وكشف أن المعطيات المتوافرة «وجّهتنا نحو الجماعات التكفيرية في منطقة الاغتيال، وأنا أتحمل تبعات هذا الاستنتاج».
مع ذلك، هددّ العدو الإسرائيلي وحذّره من تبعات التعرض للمقاومة وقادتها ومجاهديها، قائلاً «إذا امتدت يدكم على أي مجاهد من مجاهدينا، فسيكون ردّنا قاسياً ومباشراً وخارج مزارع شبعا أيّاً تكن التبعات». وأكد أن «حزب الله أصبح تنظيماً كاملاً ومؤسسة حقيقية بكل الأبعاد وفي مقدمها البعد الجهادي، وهذه المؤسسة لم تعد تتوقف على وجود شخص أو أشخاص مهما كانوا كباراً»... وأن الحزب «مؤسسة في حال تطور ونمو كمّاً وكيفاً في مواقع التدريب، تنتقل من جيل الى جيل. كما أنه في العمل الجهادي في المقاومة ليس لدينا قائد واحد بل جيل من القادة من أعمار متفاوتة. لذا سرعان ما يملأ فراغ استشهاد أي قائد». ولفت إلى أن السيد مصطفى «لن يكون الشهيد القائد الأول ولن يكون الشهيد القائد الأخير طالما أن قادتنا يُصرون على التواجد في الميدان».
أما عن الحرب السورية، فقد أصر نصرالله على صوابية الحرب التي تخوضها المقاومة. وفي هذا الإطار تحدث عن «انكشاف أدوار الأميركيين وحلفائهم في هذه المعركة ومن عمل على تمويل الجماعات التكفيرية وتدريبها ونقلها الى سوريا».
حزب الله أصبح تنظيماً
كاملاً ومؤسسة حقيقية
بكل الأبعاد
كذلك تحدّث عن «كل المعطيات التي تؤكّد التدخلات في سوريا، وخاصة من السعودية التي اعترفت بذلك، ومثلها (نائب الرئيس الأميركي) جو بايدن الذي اعترف بإرسال آلاف أطنان الأسلحة الى سوريا، كما أن السعودية تدير العمليات العسكرية وتعطل في السياسة، فهي تريد دستوراً جديداً في سوريا، وليس لديها دستور. تريد انتخابات نيابية ورئاسية مبكرة، وليس عندها انتخابات. تريد إصلاحات وحريات، ومن يفتح فمه عندها يعاقب بالجلد». واعتبر مطالب الرياض ومن معها «كلام فارغ وكاذب»، وأن «سبب استهداف سوريا هو أنها دولة مستقلة وليست خاضعة للهيمنة الأميركية والإسرائيلية، ومتمسكة بموقفها العربي وحقها بالجولان». ووعد بالكشف لاحقاً عن الأسرار والعروض التي قدموها للرئيس السوري بشار الأسد بإنهاء الحرب، شرط أن يكون حاضراً لخدمة الأميركي والإسرائيلي». وأضاف: «ذهبنا الى سوريا كي ندافع عن لبنان مع أننا نعرف التبعات، وواجهنا حملات شنيعة، لكن دماء شهدائنا هي وقود في صنع الانتصار وفي الدفاع عن قضايا الأمة». واعتبر «استشهاد أي قائد من قادتنا لن يخرجنا من المعركة، بل سيدفعنا إلى حضور أكبر في سوريا إيماناً منّا بصدقية هذه المعركة ويقيناً بأن الآتي هو الانتصار. نحن باقون في سوريا وسنحضر بأشكال مختلفة». وعن معركة الغوطة التي جرت قبل أيام، كشف أن «الشهيد بدرالدين كان من المخططين لها واستطاع الجيش العربي السوري إبعاد خطر المسلحين عن المكان الذي استشهد فيه السيد مصطفى قرب مطار دمشق». وأعلن أن «ثأرنا الكبير يكون في مواصلة حضورنا في سوريا وفي إلحاق الهزيمة بهذه الجماعات التكفيرية الإرهابية».
من جهة أخرى، تناول السيد حسن نصرالله الانتخابات البلدية والاختيارية، داعياً أهل الجنوب الى «المشاركة الكثيفة»، مشدداً على أن المشاركة فيها هي «لمنع إعطاء حجج لمن يتربص بجمهور المقاومة»، مطالباً بـ«الالتزام بلوائح التحالف والائتلاف».
(الأخبار)
تجاهلوا ما سمعتموه من «أسوأ العصابات»
تناول السيد حسن نصرالله التعاطي «اللاإنساني» الذي مارسه فريق من اللبنانيين مع خبر اغتيال القائد مصطفى بدرالدين، والذي تُرجم على لسان شخصيات في فريق الرابع عشر من آذار، فاعتبر أن «ما صدَر من كلام وتصرفات من بعض الشخصيات السياسية ووسائل الإعلام، يُعبّر عن مستوى الانحطاط الأخلاقي لدى الذين لا يتصرّفون إلا على أساس الأحقاد والضغائن». ووصف ما صدر عنهم بأنه «كلام سخيف صادر عن أشخاص لا يُقيمون للمشاعر الإنسانية لدى الآخرين أي أهمية، ويُقدّمون أنفسهم على أنهم حضاريون ورجال دولة». ولم يتردد في وصفهم بأنهم «أسوأ من العصابات». وقال: «المحكمة الدولية التافهة لم تحكُم بعد على أحد، في حين أنّكم تحاكمونه وتدّعون أنكم حقوقيون. لكن الإناء ينضح بما فيه، والذي فيه خسة ينضح خسة، والذي فيه عار ينضح عاراً»، داعياً جمهور المقاومة إلى «تجاهل ما سمعوه».
لا ملفّ اسمه المحكمة الدولية لدينا
جددّ السيد حسن نصرالله، أمس، موقف حزب الله من المحكمة الدولية التي اتهمت الشهيد مصطفى بدرالدين باغتيال الرئيس رفيق الحريري، مؤكداً موقف الحزب الرافض لها. وتعليقاً على التسريبات التي أشارت إلى أن «المحكمة ستُوقف محاكمة بدرالدين فور حصولها على تأكيد رسمي من الجمهورية اللبنانية حول وفاته، كإصدار وثيقة الوفاة وتسجيلها»، قال «سمعنا كلاماً ومُطالبات من المحكمة الدولية. نحن كل ما لدينا حولها قلناه منذ سنوات، وملفها غير موجود أصلاً عندنا، يعني إذا بتعمل كشف على دماغنا لا تجد محل اسمه المحكمة الدولية، وتحدثنا عن بطلانها وتسييسها واستعمالها كسلاح لاستهداف المقاومة ومع الاغتيال المعنوي لقادتها. ولذلك، فإن كل ما تطلبه أو يُطلب منها لا يعنينا ولا تستحق منا أي تعليق».