فيما نشَطت في محافظة الجنوب الاستعدادات والماكينات الانتخابية عشيّة الانتخابات البلدية وتوالى إعلان اللوائح، توزَّع المشهد السياسي مع نهاية الأسبوع على اليرزة حيث أقام السفير السعودي علي عواض عسيري في دارته عشاءً جمعَ كافّة التلاوين السياسية في البلاد، وعلى الضاحية الجنوبية لبيروت التي أطلقَ منها الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله جملة مواقف ناريّة في أسبوع القيادي في الحزب مصطفى بدر الدين، والسراي الحكومي ووزارتَي الخارجية والعمل، التي شهدت لقاءات ديبلوماسية تناولت ملفّ تجنيس النازحين السوريين وتوطينهم في ضوء تفاعل تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الأخير عن تجنيس النازحين السوريين وتوطينهم. كان الحدث السياسي البارز أمس العشاء الذي أقامه عسيري ووجّه خلاله الى الحاضرين نداءً صادقاً بـ«أن يقوم كل واحد منكم بخطوة نحو الآخر من دون انتظار من سيكون البادئ، وأن تبادر القيادات الى حوار يختلف عن كل الحوارات السابقة، عنوانُه «إنقاذ لبنان» لأنّ الوقت يمرّ والأخطار تزداد، والحرائق لا تزال تندلع وتتمدّد، ولبنان لم يعُد قادراً على الاحتمال، لا بل يتطلّع الى همّتِكم وقراراتكم الشجاعة بعدما عانى ولا يزال من ضَرر سياسي واقتصادي كبير بسبب شغور موقع رئاسة الجمهورية وغياب «حامي الدستور» الذي يُعتبر انتخابه المدخل الأساسي الى كافة الحلول».

وناشَد الحاضرين «أن توجِدوا الإرادة السياسية والحلول التوافقية لهذا الملف، بحيث يحلّ عيد الفطر المبارك ويكون للبنان رئيس عتيد».

وقال: «تعرفون أنّ أشقّاءَكم العرب وفي طليعتهم أبناء المملكة العربية السعودية يواكبونكم بقلوبهم ويتطلّعون الى اللحظة التي يتم فيها التوصّل الى الحلول السياسية التي تريح الوضعَ العام في لبنان، فحبّذا أن يشكّل هذا اللقاء فاتحة هذا الأمر، بحيث تتّخذ الحكومة اللبنانية مزيداً من الخطوات السياسية والأمنية التي تطَمئن السيّاح العرب والأجانب وتؤكّد أنّ السلطات اللبنانية لا تألو جهداً في اتخاذ كافة الإجراءات التي تشجّع كلّ محبّي لبنان على المجيء إليه، الأمر الذي سيُنشّط الدورة الاقتصادية».

واعتبَر «أنّ بعض الأصوات التي تستعمل أساليب التجييش وارتفاع النبرة لا تخدم مصلحة لبنان ولا يريدها أصلاً، وجلُّ ما فعلته أنّها استجلبَت الانعكاسات السلبية على الاقتصاد وعلى الوضع اللبناني عموماً، بعدما ربَطت نفسَها بشؤون إقليمية ومحاور لا تقيم اعتباراً إلّا لمصالحها الخاصة».

وأكّد عسيري أنّ بلاده «كانت وستبقى الداعمَ الأساسي للوفاق الوطني والاستقرار السياسي والأمني في لبنان ولصيغةِ العيش المشترك الإسلامي ـ المسيحي، وغير صحيح ما يشاع أنّها تخلّت عن لبنان، فهذه ربّما أمنيةُ البعض التي لن تتحقّق، لأنّ العلاقات السعودية ـ اللبنانية متجذّرة في التاريخ وفي البعد الإنساني الذي يجمع الدول والشعوب».

وتمنّى «أن يشهد هذا المساء الحدّ الفاصل في القرارات»، آملاً «أن تكون الانتخابات البلدية التي تجري بكلّ رقيّ وديموقراطية فألَ خيرٍ وخطوةً في اتّجاه إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية».

نصرالله

في هذا الوقت، أوضَح السيّد نصر الله في موضوع اغتيال بدرالدين أن «ليس لدينا مؤشّر ولا معطى ولا دليل يأخذنا إلى الإسرائيلي... نحن لا نُبرّئه، نحن نقول: لا نتّهم لأن ليس لدينا دليل اتّهامي».

وكرّر أنّ «المعطيات عند الحزب أخذته إلى الجماعات الإرهابية المسلّحة الموجودة في المنطقة». وكرّر التأكيد أنّه «عندما تكون لدينا معطيات على اتّهام إسرائيل نتّهمها، وتكفينا المعطيات الظنّية لنتّهمَ، يعني ليس شرط اليقين». وحذّر الإسرائيليين قائلاً: «إذا امتدّت يدُكم إلى أيّ مجاهد من مجاهدينا سيكون ردّنا مباشراً وقاسياً وخارجَ مزارع شبعا، وبكلّ وضوح، وأيّاً تكن التبعات».

وإذ وصَف نصرالله المحكمة الدولية بـ«التافهة»، أكّد أنّ «كلّ شيء عندنا يتعلق بالمحكمة الدولية قلناه منذ سنوات. ملفّ المحكمة بالنسبة إلينا غير موجود أصلاً، هو في دائرة النسيان... وتحدّثنا بما يكفي عن بطلانِها وتزويرها وتسييسها واستخدامها سلاحاً من أسلحة استهداف هذه المقاومة وقادتِها واغتيالهم المعنويّ والجسدي، فلذلك كلّ ما يقال في هذا الشأن وكلّ ما يُطلب منها أو يُطلب لها في هذا الشأن لا يعنينا على الإطلاق ولا يستحق منّا أيّ تعليق على الإطلاق».

وأكّد نصرالله أنّ «حزب الله» أصبح منذ سنوات طويلة «تنظيماً كاملاً ومؤسّسة حقيقية في كلّ الأبعاد، ومنها وفي مقدمها البعد الجهادي»، وإنّ هذه المؤسسة «في حالة تطوّر ونموّ كمّي وكيفي، وقادتُها كذلك».

وجدّد نصرالله حملته على السعودية، وانتقدَ تدخّلها في سوريا، وإذ نفى نيّة الحزب الانسحابَ من سوريا، تحدّث عن حضور أكبر وأقوى فيها، وقال: «نحن باقون في سوريا، سيذهب قادةٌ إلى سوريا أكثر من العدد الذي كان موجوداً في السابق، سنحضر بأشكال مختلفة أيضاً، وسنكمِل هذه المعركة». وأعلن «أنّ الإنجازات ستكبر وتتكامل عندما نحضر بشكل قوي وكبير».

تقرير بان

إلى ذلك، تفاعلَ لليوم الثاني الكلام الأخير للأمين العام للأمم المتحدة في شأن التعامل مع التحرّكات الكبيرة للّاجئين والمهاجرين، وحول قضية التوطين في لبنان وبقيّة الدول.

وقد جاء في البند 86 من تقريره، التالي: «وفي الحالات التي لا تكون فيها الظروف مؤاتية لعودة اللاجئين، يحتاج اللاجئون في الدول المستقبلة إلى التمتّع بوضعٍ يَسمح لهم بإعادة بناء حياتهم والتخطيط لمستقبلهم. وينبغي أن تمنَح الدول المستقبلة للّاجئين وضعاً قانونياً وأن تدرس أين ومتى وكيف تتيح لهم الفرصة ليصبحوا مواطنين بالتجنّس».

سلام إلى اسطنبول

ووسط هذه الأجواء يستعدّ رئيس الحكومة تمام سلام للتوجّه إلى تركيا على رأس وفد يضمّ الوزيرَين رشيد درباس والياس بوصعب وعدداً مِن المستشارين الإقتصاديين للمشاركة في «القمّة الإنسانية العالمية» التي ستستضيفها اسطنبول غداً. وسيشدّد سلام في كلمته أمام المؤتمر على مضاعفات أزمة اللاجئين السوريين والنتائج المترتّبة عليها وحجم الأضرار التي لحقت بلبنان على أكثر من مستوى.

وسيحذّر من تقلّص حجم المساعدات الدولية الى لبنان، طالباً الدعمَ الدولي لعودة النازحين إلى بلادهم وإلى المناطق الآمنة للتخفيف من حجم الأضرار التي لحقَت بلبنان والتي قدّرَها البنك الدولي بما يناهز 17 مليار دولار، بما فيها الأضرار غير المنظورة وتلك التي ستكون لها انعكاسات بعيدة المدى.

جونز

وكان ملفّ التجنيس حضَر في الاجتماع أمس بين سلام والقائم بالأعمال الأميركي ريتشار جونز الذي أكّد أنّ بلاده «تتفهّم حساسية مسألة اللاجئين بالنسبة للبنان». واعتبَر «أنّ الحلّ الأفضل للّاجئين هو العودة إلى ديارهم بمجرّد أن تسمح الظروف بذلك»، لكنّه استدرك قائلاً: «إذا أصبح هذا الأمر مستحيلاً فيجب توطينهم في بلدان أخرى».

كاغ

وفي إطار التحرّك الذي قادته لتوضيح مواقف بان، زارت المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ وزيرَ الخارجية جبران باسيل باحثةً معه في تقرير بان حول طريقة التعاطي الدولي مع التحرّكات الكبيرة للّاجئين والمهاجرين في العالم، والسوريون مجموعة منهم، والذي أعِدّ بناءً على طلب الجمعية العامة للاجتماع الرفيع المستوى الذي سينعقد في 19 أيلول المقبل حول التعامل مع التحرّكات الكبيرة للّاجئين والمهاجرين.

وقالت كاغ في بيان إنّها استعرضَت مع باسيل التقريرَ ونطاق توصياته العالمي، مؤكّدةً أنّه «لم يذكر أيّ بلد محدّد، ويسعى في المقام الأول إلى تشجيع مزيد من النشاط الجماعي وتقاسُم المسؤولية بنحو أفضل من الدول الأعضاء للتعامل مع التحرّكات الكبيرة للّاجئين والمهاجرين. ولفتَت إلى «أنّ التقرير يعالج التحدّيات التي تواجه البلدان المضيفة للّاجئين لفترات طويلة، ويدعو إلى اتّخاذ إجراءات لدعم المجتمعات المضيفة بنحو أفضل.

ولا يشجّع التقرير في أيّ حال محدّدة على تجنيس اللاجئين أو منحِهم حقّ المواطنة، لأنّ ذلك من شأن السياسات والقوانين الوطنية والمحلية في كلّ بلد». وأكّدت «أنّ موقف الأمم المتحدة لم يتغيّر تجاه لبنان، وأنّ احتمال الإدماج هو موضوع سيادي يعود إلى الحكومة اللبنانية لتقرّره، وأنّ الأمين العام للأمم المتحدة لم يدعُ في أيّ وقت إلى توطين اللاجئين السوريين في لبنان».

وأكّدت مصادر الأمم المتحدة في بيروت لـ»الجمهورية» أنّ «المعلومات التي عمَّمتها وزارة الخارجية عن استدعاء باسيل للسيّدة كاغ ليس دقيقاً، والحقيقة أنّها هي من طلبَت الموعد لتقديم توضيحات ونفيِ ما نشِر وعُمّم على لسان الأمين العام للأمم المتحدة حول دعوته إلى توطين السوريين في لبنان».

لازاريني

وحضَر تقرير بان وملفّ النازحين في لقاء وزير العمل سجعان قزي مع الممثّل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان فيليب لازاريني الذي أكّد وقوفَ المنظمة الدولية الى جانب لبنان في قرار رفض التوطين.

أمّا قزّي فشدّد على وجوب «أن تنتقل الأمم المتحدة والدول المؤثرة، وخصوصاً الدول الكبرى، من منطق طريقة إدارة ملف النزوح السوري في لبنان، الى منطق طريقة وضعِ برنامج تدريجي لإعادتهم الى بلادهم ولو لم تنتهِ الحرب».

وكان قزي انتقدَ التوضيحات الصادرة عن الأمم المتحدة في شأن كلام أمينها العام، قائلاً: «إنّها أتت على قاعدة «أراد أن يكحّلها فأعماها». واعتبَر «أنّ الكلام الصادر عن الناطق الرسمي باسم الأمم المتحدة ستيفان دو جاريك يؤكّد ولا ينفي صحّة التقرير الصادر عن بان كي مون وصحّة المعلومات في شأن التزام الأمم المتحدة بالتفاهم مع الدول المؤثرة لتثبيت اللاجئين عموماً والسوريين منهم خصوصاً في البلدان المضيفة. واستغربَ بشدّة «ادّعاءَ البعض بأنّ وزارة الخارجية حوّرَت التقرير وحاولت إثارةَ موضوع غير موجود».

وقال إنّ «الأطراف التي تواطأت من أجل توطين الفلسطينيين هي نفسُها تحاول تكرار مشروع توطين السوريين». ورأى أنّه «مهما صدرَت توضيحات من الأمم المتحدة، فإنّها لا تستطيع أن تنفيَ ما ذكِر من دعوة الدول التي تستضيف نازحين إلى توطينهم على أراضيها».

وأضاف قزي: «صحيح أنّ تقرير الأمين العام لم يسَمِّ لبنان بالإسم لتجنيس السوريين، لكنّه قال: «إنّ كلّ الدول التي استضافت النازحين يجب أن تؤمّن لهم الإيواءَ والعمل والتعليم والمسكن حتى إيجاد طريقة لتجنيسهم. وبما أنّه يوجد على أرض لبنان نحو مليون وسبعمة ألف سوري، فهذا يعني أنّه معنيّ مباشرةً بالتقرير.

جنبلاط

في هذا الوقت، قال رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط من الكويت إنّ «واجبنا الأخلاقي والسياسي استضافة النازح السوري، خصوصاً أنّه عندما تكون هناك نافذة لحلّ في سوريا سيعود السوريون إلى سوريا». وجزمَ بأن «لا خطر توطين في لبنان، ونستطيع تنظيم الأمور في انتظار الحلّ السياسي، ولا داعي لمواقف عنصرية ضد الشعب السوري».

وأكّد «أنّ «حزب الله» جزء من النسيج اللبناني. ولم يرَ خطراً على النظام المصرفي، لكنّه أبدى خشيته «من تراكُمِ الدين العام، بالإضافة إلى أنّ تحويلات اللبنانيين تتراجع بسبب انخفاض سعر النفط».

العقوبات الأميركية

إلى ذلك، وفي الوقت الذي تَجدّد الحديث عن تردّدات قانون العقوبات الأميركية على «حزب الله»، كشفَت مصادر ديبلوماسية وماليّة واسعة الاطّلاع لـ «الجمهورية» أنّ من سيزور لبنان مطلعَ الأسبوع المقبل هو مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والإستخبارات المالية ديفيد كوهين وليس مساعده دانييل غلايزر، تعبيراً عن اهتمام الإدارة الأميركية بتطبيق القانون في لبنان كما في بلدان العالم.

وقالت المصادر إنّ غلايزير قد يرافق كوهين في زيارته لبيروت، والتي هدفُها الاطّلاع على الإجراءات اللبنانية المتّخَذة لمواجهة نقلِ الأموال بطرُق غير شرعية ومكافحة تمويل «حزب الله» و»داعش» والمنظّمات الإرهابية التي تخضع للتدابير القانونية والمالية الأميركية والتي تطبَّق في مختلف دول العالم، بالإضافة الى شرحِ القانون الأميركي وأهدافه.

وأضافت هذه المصادر أنّ رفعَ مستوى الزائر الأميركي الذي سيلتقي وزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف والمسؤولين الكبار يدلّ إلى أهمّية ما تريده الإدارة الأميركية من لبنان، علماً أنّها على اطّلاع تامّ على ما يقوم به القطاع المصرفي في لبنان، ولا سيّما مصرف لبنان المركزي، من خلال تعاميمه التي تطبّق بدقّة وحرفية في مختلف المصارف العاملة على الأراضي اللبنانية منذ سنوات عدة في مواجهة الأموال المغسولة بهدف التهرّب الضريبي.