تحمل المرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية والتي ستجرى غداً في محافظتي الجنوب والنبطية "قيمة مضافة" تميزها عن المحافظات الاخرى وتتمثل في معركة الانتخاب الفرعي في جزين لملء احد مقاعدها النيابية الشاغر. واذا كانت كل من المراحل البلدية تثبت أكثر فاكثر الاختلاط الواسع المعقد بين العوامل السياسية والعائلية والاهلية في هذا الاستحقاق تبعاً لخصوصيات كل منطقة، فان واقع المنافسات واللوائح والتحالفات الانتخابية في الجنوب يرسم عشية المرحلة الثالثة ملامح حماوة متفاوتة بين اقضيته يمكن معها التوقف عند رسم بياني عريض لمعارك أساسية ثلاث.
اولى هذه المعارك ستجري في صيدا حيث تحتدم المبارزة بين ثلاث لوائح، الاولى برئاسة محمد السعودي المدعومة من "تيار المستقبل" و"الجماعة الاسلامية" وعبد الرحمن البزري، والثانية برئاسة بلال شعبان المدعومة من "التنظيم الشعبي الناصري"، والثالثة برئاسة علي الشيخ عمار. وتتخذ المواجهة بعدها الداخلي التقليدي بين "المستقبل" و"التنظيم الشعبي الناصري" بما يعد اختباراً جديداً للائحة المدعومة من الرئيس فؤاد السنيورة والنائبة بهية الحريري اللذين أدارا مباشرة المعركة مع تحرك قوي للامين العام لتيار "المستقبل" احمد الحريري وسط تصاعد الاستعدادات المنافسة لاحداث تغيير يأمل معه خصوم "المستقبل" في تسديد ضربة الى التيار مع ان المعطيات الواقعية لا تزال تميل بمجملها الى مصلحة "المستقبل" ما لم تحدث مفاجآت. ولذا ستكون صيدا أيضاً أمام اختبار نسبة الاقبال على الاقتراع التي يرجح المعنيون في كل اللوائح ان تكون مرتفعة.
المعركة الثانية في جزين حيث تكتسب طابعاً أشد حماوة نظراً الى ارتباطها بالمنافسات المسيحية – المسيحية على غرار ما سبقها في زحلة ومناطق جبل لبنان ذات الغالبيات المسيحية، علماً ان جزين تشهد معركتين حادتين لانتخاب مجلس بلديتها الجديد ولانتخاب نائب جديد سيكون النائب المنتخب الوحيد في مجلس النواب الممدد له مرتين في ما تبقى من ولايته التي تنتهي قانوناً في حزيران 2017 . ويتنافس في المعركة النيابية ثلاثة مرشحين هم أمل ابو زيد المدعوم من "التيار الوطني الحر" وحزبي "القوات اللبنانية" والكتائب، وابرهيم عازار ابن النائب السابق سمير عازار، وباتريك رزق الله الناشط سابقاً في صفوف "التيار الوطني الحر".
ووجه العماد ميشال عون رسالة إلى جزين "بأن تعمل على تثبيت خطّها السياسي الذي انتهجته في العام 2009، عندما انتخبت للمرّة الأولى بأصواتٍ حرة. والمطلوب اليوم هو أن تكرّر التجربة الأولى كي تبقى ثابتة وتتطوّر وفقاً للنهج السياسي العام في لبنان، لأنها إذا غيّرت وسمحت "للحزازات" الفردية أن تفعل فعلها بين الناس، سينعكس هذا الأمر سلباً؛ فأهمية جزين تكمن في كونها موحّدة وتنتهج خطاً سياسياً سليماً". وآمل أنه "بعد 48 ساعة سيكون لدينا النائب الشرعي الوحيد في البرلمان اللبناني".
أما بالنسبة الى المناطق ذات الغالبية الشيعية حيث النفوذ الاقوى للثنائي "أمل" و"حزب الله"، فيبدو واضحاً، استناداً الى مصادر سياسية مواكبة للاستحقاق البلدي في الجنوب ان المنافسات هذه المرّة تتم داخل كل من فريقيّ الثنائي الشيعي. ففي داخل حركة "أمل" وأيضاً داخل "حزب الله" إنقسامات ذات طابع محلي، علماً ان الحزب أصرّ على ترشيح أعضاء منتسبين اليه أكثر من ألاصدقاء. وعزا ذلك الى ان إمساك "حزب الله" بالبلديات مباشرة في مرحلة العقوبات الاميركية يمثل حماية إضافية له في مواجهة هذه العقوبات. لكن الحزب الشيوعي خصوصاً يخوض معارك في عشرات البلدات والقرى.
وعشية الانتخابات في الجنوب توجه رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الجنوبيين قائلاً: "هذه الانتخابات للانماء والوفاء، ومن هنا أتوجه الى أهلنا في كل بلدات الجنوب مؤكداً التزام اللوائح التي تم التفاهم عليها بين حركة أمل وحزب الله والتي لم تراع سوى مصلحة الجنوب وابنائه. ولجميع الجنوبيين أقول لنجعل هذا اليوم يوم عرس وطني ديموقراطي عبر المشاركة الكثيفة في هذا الاستحقاق وتقديم أعلى مستوى حضاري وديموقراطي وآمل ان تكون الانتخابات البلدية والاختيارية فاتحة نحو الانتخابات الرئاسية والنيابية وفق قانون عصري يلبي تطلعات اللبنانيين".
نصرالله
ولم يغب الاستحقاق الانتخابي عن الكلمة التي القاها الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في ذكرى أسبوع مقتل القائد العسكري الابرز في الحزب مصطفى بدر الدين أمس، اذ دعا الى الاقتراع بكثافة غداً في الجنوب والتزام لوائح التفاهم بين الحزب و"أمل" لان "من نتائج ذلك تمتين التحالف في مواجهة كل الاعاصير". أما في ما يتصل بموقف الحزب من مقتل بدر الدين، فأعلن نصرالله "اننا باقون في سوريا وسيذهب قادة الى سوريا اكثر من العدد الذي كان موجودا وسنحضر بأشكال مختلفة وسنكمل المعركة". كما جدّد موقفه من اعتبار المحكمة الدولية "غير موجودة وملفها غير موجود أصلاً عندنا" في رد مباشر على مطالبة المحكمة بإثبات مقتل بدر الدين المتهم الرئيسي في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
مأدبة عسيري
في غضون ذلك، اتخذت مأدبة العشاء التي أقامها السفير السعودي علي عواض عسيري مساء أمس في دارته باليرزة بعداً سياسياً وديبلوماسياً بارزاً نظراً الى اتساع المشاركة السياسية في المأدبة التي ضمت أركاناً سياسيين من أبرزهم الرؤساء السابقين للجمهورية والحكومة بمن فيهم العماد ميشال عون الى حشد من الشخصيات. وبرز في الكلمة التي ألقاها السفير عسيري نداء وجهه الى القيادات اللبنانية "للمبادرة الى حوار يختلف عن كل الحوارات السابقة عنوانه إنقاذ لبنان لان الوقت يمر والاخطار تزداد ولبنان لم يعد قادراً على الاحتمال بسبب شغور موقع رئاسة الجمهورية وغياب حامي الدستور الذي يعتبر انتخابه المدخل الاساسي الى كل الحلول". واذ شدّد على أن المملكة العربية السعودية "كانت وستبقى الداعم الاساسي للوفاق الوطني والاستقرار السياسي والامني في لبنان"، نفى نفياً قاطعاً "ما يُشاع عن انها تخلت عن لبنان".