خلال حرب تموز/ يوليو عام 2006، عانى حزب الله بشكل جسيم ومؤلم مادياً ومعنوياً، نتيجة استهداف بنيته العسكرية وكذلك الاقتصادية والاجتماعية بقوة وعنف، وكذلك شعر جمهور حزب الله ومؤيدي حزب الله بالمعاناة والالم بسبب استهداف البيئة الحاضنة لحزب الله، في القرى والمدن والضواحي المؤيدة لحزب الله ومشروعه، خلال العدوان الإسرائيلي حينذاك...

في الفترة اللاحقة على العدوان، اجرى حزب الله دراسة تقييمة لهذا العدوان وآثاره ونتائجه وتداعياته، وتبين له حينها، ان العدوان والتدمير المتعمد والجسيم والخسائر البشرية والمادية الهائلة التي اصابت بيئة حزب الله وجمهوره كان هدفها التأثير سلباً على جمهور حزب الله، ودفعه للضغط على قيادة حزب الله بحيث لا تخوض حرباً جديدة ضد اسرائيل مهما كانت الظروف والاسباب، نتيجة مشهد التدمير المؤلم الذي اصاب لبنان وبيئة حزب الله الاجتماعية والاقتصادية على وجه الخصوص.. وخرج حزب الله من هذا التقييم بخلاصة مفادها ان اية حربٍ مقبلة مع إسرائيل او مع سواها سواء كانت عسكرية او سياسية وحتى اعلامية واقتصادية يجب ان يشعر بآثرها وتأثيرها كل لبنان والشعب اللبناني برمته وليس بيئة وجمهور حزب الله فقط...لذلك عمد حزب الله وكخطوة اولى الى التمدد في بيئات لبنانية خارج بيئته وبعيدة عن حواضنه بقوة السلاح ليفرض وجوده وليجعلها هدفاً محتملاً لأي عدوان مقبل...في حال وقوعه...  

لذلك نحن نعيش في لبنان اليوم حالة الهيمنة الكاملة لحزب الله على كافة مفاصل الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والاعلامية..تعطيل الحياة السياسية المستمر منذ اكثر من سنتين بمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، هو رسالة لمن يعنيه الأمر بان الحل في لبنان يمر عبر طهران اولاً وارضاء او تحقيق طموحات حزب الله في الساحة اللبنانية ثانياً... وتورط حزب الله في صراعات إقليمية، وتحديداً في الصراع السوري المعلن والمفتوح على كافة الاحتمالات، الى جانب تغطيه الاجهزة الأمنية اللبنانية لهذا التدخل التي لا تحاول منعه من عبور الحدود أو الحد من تورطه.. مع تجاهل سياسي كامل لهذا التورط من قبل القادة اللبنانيين العاجزين عن وقفه، يضاف الى ذلك غض طرف دولي كامل لهذا التورط والانغماس في الساحة السورية من قبل حزب الله، على امل ان يخسر حزب الله تاييد جمهوره ودعمه له، بسبب الخسارة البشرية المتصاعدة لعناصرة وعدم قدرته على حسم الصراع لصالح ايران ونظام بشار الاسد..ويوازي هذا التورط ضغط امني لبناني ودولي كبير على كل من يحاول عبور لبنان لمساندة الثورة السورية اعتقالاً وسجناً واتهاماً بالارهاب والتطرف..

وضع حزب الله يده على بعض المعابر الحدودية اللبنانية مع سوريا ويستخدمها بالطريقة التي تناسبه وتخدم مصالحه.. حتى ان احاديث كثيرة وتقارير متعددة تشير الى هيمنة حزب الله على المطار الدولي في لبنان وعلى بعض اقسام مرفأ بيروت وخير دليل على ذلك هو مرور آليات ايرانية لصالح حزب الله عبر المرفأ نحو جرود منطقة الهرمل وبعلبك..منذ فترة.. والذي تم عبر عملية استعراضية علنية، دون اي تدخل من الاجهزة الامنية اللبنانية والسياسية او حتى مجرد تسجيل اعتراض...؟؟

ماذا بقي للبنان والسلطات الرسمية فيه والاجهزة الأمنية الحاكمة بقوة القضاء العسكري، من سلطة حقيقية سوى مساعدة حزب الله، على تنفيذ قراراته وتحقيق طموحاته وتسهيل تطبيق استراتيجيته...حتى ان بعض قادة حزب الله بدأ يطالب ويشير الى ضرورة ان تتبنى الحكومة اللبنانية عائلات وجرحى ومفقودي حزب الله في سوريا (رعايةً وعنايةً وطبابةً).. لأنهم يدافعون عن لبنان واستقراره..؟؟؟؟؟؟؟

منذ فترة فتح ملف العاملين اللبنانيين في الخارج وتحديداً في دول الخليج ودورهم في تزويد حزب الله بالدعم المالي، والمعلومات الأمنية، خاصةً بعدما تورط حزب الله بشكل مباشر وعلني في حرب اليمن، وفي ازمة دولة البحرين الداخلية، وعلى الساحة العراقية، واتخذ حزب الله موقفاً معادياً للمملكة العربية السعودية حتى فيما يتعلق باجراءاتها الامنية التي اتخذتها لحماية استقرارها الداخلي، وكان نتيجتها اعدام الشيخ الشيعي نمر النمر...؟؟ وموقف حزب الله هذا وسياسته المعادية للجسم العربي جعلت من كل لبنان والمواطنين اللبنانيين المغتربين والعاملين في دول الخليج كما في دول العالم موضع مراقبة، وشك، وحذر، وخاصةً الشيعي منهم..ولا يخفى على احد تورط بعض اللبنانيين من اصحاب الجنسيات المزدوجة في عمليات تخدم ايران وحزب الله في دول عدة منها اميركا الجنوبية وتايلندا وقبرص وبلغاريا..واستراليا والمانيا.. من تفجير وتبييض اموال وتشكيل مجموعات تابعة لايران وحزب الله...؟

إلى جانب توقف المساعدات العربية والدولية عن لبنان ومنها الهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني، فقد وصل الأمر الى قطاع المصارف في لبنان، حيث اصدرت الولايات المتحدة قراراً بتنفيذ عقوبات مصرفية على رموز وقادة من حزب الله ومن يتعامل معه..ولا يملك لبنان وقطاع المصارف فيه سوى الالتزام بالقانون الأميركي، وتنفيذ مندرجاته نظراً لهيمنة الولايات المتحدة ونظامها المالي على هذا القطاع عالمياً وليس محلياً او على لبنان فقط.. واول من يعرف حجم الضغط الأميركي وتاثيرة وفعالية عقوباتها.. هي ايران التي سعت لسنوات للتخلص من هذه العقوبات، وكل دولة أخرى تعرضت لعقوبات مماثلة..؟؟ ولا يملك لبنان الرسمي كما القطاع الخاص وخاصةً المصرفي منها اية قدرة على المواجهة او الرفض او الامتناع عن تطبيق بنود القانون الأميركي..؟؟...ورفض حزب الله الذي اعلنه للعقوبات المالية الأميركية وتجاوب القطاع المصرفي معه جاء ملمحاً وملوحاً بعدم استقرار لبنان برمته، وليس فريق حزب الله ومن معه.. والاعلان جاء من خلال تصريح ادلى به النائب علي فياض الذي اعتبَر: ( أنّ محاولة تطبيق القانون الاميركي ستترك تأثيرات سلبية على الاستقرار في لبنان، وتكون لها تداعياتها السلبية على الوضع اللبناني برُمّته، ومنها تصريحات للنائب حسن فضل الله الذي اشار الى أنّ التعاميمَ التي تصدرُ باسمِ حاكميةِ مصرفِ لبنان تتلاقى مع تعاميم وقراراتٍ أميركية، وإنّ هناك من يحاولُ أن يفرضَ أكثرَ ممّا يريده الأميركيون”.. والنائب حسين الموسوي الذي اعتبر أن المؤسّسات المصرفية التي بدأت تستجيب لهذه الإملاءات (القانون الأميركي) إلى مخاطر هذا السلوك، مُذكّراً “الحكومة اللبنانية بمسؤوليتها عن شعبها وعدم التفرّج على استهداف المقاومة التي حفظت سيادة الدولة ومؤسّساتها بدماء شهدائها وتضحيات أهلها بما ملكوا من الأموال والأنفس”...).. (وذكرت أوساط سياسية مطلعة على موقف “حزب الله” لـ”السفير“، أن الحزب يعتبر ان الكرة اصبحت في ملعب المصارف بعد البيان الصادر عن سلامة، والذي يشدد فيه على وجوب مراجعة هيئة التحقيق الخاصة في المصرف المركزي قبل ان يبادر أي مصرف الى اقفال أي حساب... واشارت الاوساط نفسها الى ان المصارف تبدو في هذه اللحظة امام خيارين، فإما ان تتقيد بما صدر عن سلامة البارحة، وإما ان تواصل الاجتهاد في تفسير القانون الاميركي ومراسيمه التطبيقية وبالتالي تتعاطى باستنسابية ومزاجية مع شريحة واسعة من اللبنانيين، وعندها تصبح في مواجهة مباشرة مع “حزب الله” من جهة ومع المصرف المركزي من جهة أخرى....)

يبدو ان رسالة حزب الله التهديدية والتي تفيد بعدم استقرار النظام المالي اللبناني، برمته، والقطاع المصرفي فيه، قد ادركتها الولايات المتحدة فكان جواب السفارة الأميركية في موقفٍ، نسَبته وكالة “رويترز” إلى مصادر السفارة، ورد فيه: ( إنّه “بينما لا نزال نتوخّى الحذر في محاولاتنا لعزلِ “حزب الله” عن النظام المصرفي العالمي، فإنّنا سنفعل ذلك بطريقة تحمي الاقتصاد اللبناني والنظام المصرفي قدرَ الإمكان. هذا الأمر لن يستهدف الأبرياء”...)

في بداية انطلاقة حزب الله كانت استراتيجيته تفيد بعزل الداخل اللبناني عن تأثير قرارات حزب الله ومواقفه السياسية وحتى معاركة العسكرية بحيث لا يتأثر الداخل اللبناني بمسار حزب الله....؟؟ ولكن يبدو من الواضح الان ان استراتيجية حزب الله المعتمدة حالياً ومنذ فترة ما بعد حرب تموز /يوليو 2006، هي في جعل لبنان ساحة بيد حزب الله، يتأثر ويعاني مع حزب الله في اي قطاع يتم استهدافه من خلاله سواء كان عسكرياً او مالياً او حتى اعلامياً...؟؟ ونحن المواطنون امام خيارين، اما الاستسلام لهذا المشروع الذي لا نؤمن به، او مواجهته ونحن لا نملك من ادوات المواجهة شيء مع استسلام المؤسسات وضعفها وتعطيلها....؟؟  

  حسان  القطب