تناقش حركة النهضة في تونس، خلال مؤتمرها العاشر، الذي ينطلق الجمعة، ويتواصل على مدى 3 أيام، قضايا فكرية وسياسية واقتصادية، وستتركز أساسا على قضية التمايز داخل الحركة بين العمل الدعوي والعمل السياسي.
ويرى مراقبون أن هذا المؤتمر سيكون “حاسما ومصيريا”، ليس فقط في بعده المحلي والوطني، وإنما كذلك في منحاه الدولي، خصوصا أن القوى الإقليمية تراقب عن كثب الوضع السياسي في تونس، وكواليس مراكز صنع القرار، والمواقف الدبلوماسية تجاه القضايا الإقليمية.
وجدد عبدالحميد الجلاصي، القيادي في النهضة على أن الحركة “ستتخلى عن الدعوي وأنه سيكون هناك فصل بين الدعوي والسياسي”، وهو ما أكده راشد الغنوشي الخميس في حوار مع “لوموند” الفرنسية حينما قال “نحن نتجه نحو حزب يختص فقط في الأنشطة السياسية”.
وقال الجلاصي الذي كان يتحدث لإذاعة محلية إن “النهضة ستحترم القانون المنظّم للجمعيات وأن من سيتولى مسؤولية قيادة جمعية دينية أو غيرها، لا يمكن أن يكون قياديا بحركة النهضة”.
ويأتي هذا التوجه ليعكس إقرارا ضمنيا من النهضة بأنها فشلت لا فقط في الانفتاح على القوى السياسية والمدنية العلمانية وإنما فشلت أيضا في الانفتاح على العديد من الفئات الاجتماعية وفي مقدمتها الشباب والنخب الفكرية، وهي فئات تتوجّس من الإسلام السياسي.
وشدد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الخميس خلال مؤتمر صحافي بالدوحة، على أنه "لا مستقبل للإسلام السياسي في تونس".
وبدت تصريحات السبسي رسالة مزدوجة أولها موجه إلى دولة قطر التي تدعم جماعات الإسلام السياسي، أما الرسالة الثانية فهي موجهة إلى حركة النهضة عشية انعقاد مؤتمرها العاشر الذي تراهن عليه لإعلان حزب سياسي مدني لتقطع مع مرجعيتها العقائدية وتترك عملها الدعوي للجمعيات.
ووفق تسريبات سياسية يراهن راشد الغنوشي على تموقع الجناح السياسي والجيل الثاني ضمن القيادة التي سيفرزها المؤتمر في مسعى إلى تحقيق هدفين اثنين، أولهما بناء نهضة سياسية من خلال التسلل إلى فضاءات المجتمع واستقطاب أكثر ما يمكن من الأنصار بقطع النظر عن تديّنهم. ويتمثل الهدف الثاني في تمهيد الطريق أمام القيادات السياسية لخلافته بعد أن تم استبعاد عدد من القيادات العقائدية مثل الصادق شورو والحبيب اللوز وخفف من ضغوطها على السياسيين الذين يحظون بدعمه.
ويبدو أن تركيبة القيادة الجديدة والتمهيد لخلافة الغنوشي يستحوذان على اهتمامات الحركة أكثر من أي شيء آخر، وهو ما صرّح به الجلاصي بشأن تجديد القانون الأساسي للنهضة وتحديد رئاسة الحركة في دورتين فقط اعتبارا من المؤتمر التاسع، الأمر الذي يعني أن الدورة المقبلة ستكون آخر دورة للغنوشي.
ووفق التسريبات تكاد تجمع قيادات وكوادر النهضة، رغم وجود خلافات عميقة، على أن الانتقال من مرحلة “النهضة الإسلامية” إلى “النهضة السياسية” لن يتم إلا في ظل رئاسة الغنوشي الذي سيعمل خلال الفترة القادمة على نحت ملامح أكثر من قيادي سياسي من القادرين على التنافس على خلافته.
وبدأت النواة الأولى للحركة تتشكل في العام 1969 ليتم في 1972 تأسيسها “سرّا” بقيادة بعض الإسلاميين في مقدمتهم راشد الغنوشي رئيسها الحالي وعبدالفتاح مورو نائبه. واتخذ المؤسسون من أطروحات جماعة الإخوان المسلمين في مصر مرجعا للحركة.
وفي 6 يونيو 1981، ظهرت الحركة إلى العلن بشكل رسمي، حيث عقدت مؤتمرا صحافيا في العاصمة تونس، واختارت لنفسها اسم الاتجاه الإسلامي. وجاء هذا المؤتمر بعد نحو شهرين من عقد الحركة مؤتمرها الثاني في أبريل من العام ذاته.
وكان الجناح الطلابي للحركة اختار منذ العام 1978 اسم “الاتجاه الإسلامي في الحركة الطلابية”.
والإعلان الرسمي عن الحركة فتح عليها بابا من الملاحقات الأمنية لم تنته إلا بعد ثورة 14 يناير 2011، وإن تخللتها فترة قصيرة من الهدوء.
ومع تغيّر نظام الحكم أي بعد 1987 برزت بوادر مشهد سياسي جديد جمع مكونات مختلفة، حيث وقعت حركة الاتجاه الإسلامي وقوى سياسية أخرى اتفاقا مع الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي حمل اسم “الميثاق الوطني”.
وفي أوائل العام 1989، غيرت الحركة اسمها إلى “حركة النهضة”، وبناء على اتفاق الميثاق الوطني، شاركت في الانتخابات التشريعية التي جرت في أبريل من العام ذاته. ورغم أن هذه الانتخابات كانت إحدى علامات السلام مع السلطات، إلا أن نتائجها شكلت نهاية لهذا السلام وعودة الملاحقات الأمنية لقيادات الحركة.
وخلال مسيرتها السياسية عقدت حركة النهضة الإسلامية 8 مؤتمرات 5 منها سرية داخل تونس قبل العام 1991، وكان أولها في صيف العام 1979 في ضاحية منوبة بالعاصمة.
أما المؤتمر السادس، فعقدته الحركة في هولندا في السادس في ديسمبر 1995، والسابع في هولندا أيضا في أبريل 2001، والثامن في العاصمة البريطانية لندن في مايو 2007.
وخلال فترة عملها السياسي، واجهت النهضة انتقادات متواصلة من خصومها بتوظيف الدين في السياسة والمتاجرة به، وطالبها هؤلاء الخصوم بالفصل بين نشاطها الدعوي والسياسي.
ورغم أن إشارات الاستجابة لهذا المطلب بدأت مع تصريحات إعلامية لراشد الغنوشي قبل نحو شهر من عقد مؤتمرها العاشر، حيث أعلن أن الحركة بصدد التحول إلى حزب يتفرّغ للعمل السياسي ويتخصص في الإصلاح انطلاقا من الدولة، ويترك بقية المجالات للمجتمع المدني ليعالجها، إلا أن متابعين استبعدوا أن تقوم الحركة الإسلامية بمراجعات جذرية خاصة منها فك ارتباطها بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين واعترافها بأعمال العنف التي قام بها أعضاؤها أثناء فترة حكم بن علي ومنها حادثة حرق مقر الحزب الحاكم آنذاك بباب سويقة، والتي كانت امتدادا لعمليات حرق أخرى لمقرات حزب التجمع.
صحيفة العرب