تشكّل إطلالة الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله اليوم حدَثاً بالغ "الحساسية" بالنسبة الى مناصريه وخصومه على حدّ سواء، فهي الأولى بعد "الاغتيال الملتبس" للقائد التاريخي في الحزب الذي كان بمثابة "وزير الأمن" فيه مصطفى بدر الدين، ومخصّصة في مجملها لـ "رثاء" هذه الشخصية التي حيكت حولها الكثير من الروايات المثيرة، في صعودها كما في سقوطها، ولإعادة تثبيت الرواية "الرسمية" لـ "حزب الله" حول الجهة التي اصطادت بدر الدين وملابسات مقتله و"الحجج" التي دفعت الحزب الى اتهام "التكفيريين".
وتفوق إطلالة نصرالله اليوم في أهميتها إطلالاته المعهودة، وهي تخضع لمعاينةٍ دقيقة في ضوء مجموعة من الوقائع غير المسبوقة التي قفزت الى دائرة الضوء واستمرّت بالتفاعل على نطاقٍ واسع منذ لحظة "البيان المقتضب" الذي أصدره الحزب عن مقتله وصولاً الى اعتلاء أمينه العام الشاشة اليوم، مروراً بالـ 24 ساعة التي احتاجها الحزب للقول إن "قَصْفاً تكفيرياً أودى بحياة رجله "الاسطوري" في أحد المباني في نطاق مطار دمشق الدولي".
وسط هذا المناخ والتباساته، سيقول نصرالله اليوم كلمته في وجه حملات التشكيك، وللردّ على الدعاية التي تحاول الإيحاء بأن حزبه ليس في أحسن أحواله، والتصدي للبروباغندا التي طالت اغتيال بدر الدين... فماذا سيقول؟
مَن يفهم عقل "حزب الله" وسلوكه وكيفية تعاطيه مع أحداثٍ تخصه، يجزم بأن نصرالله، سيشيد بأعمال بدر الدين ودوره في القيادة الجهادية منذ العام 1982، كواحدٍ من أعمدة المقاومة في لحظاتها الأولى وعلى مدى مسيرتها، فهو كان رفيق الدرب لمغنية ولنصرالله نفسه، وصاحب إنجازاتٍ في جميع مواقع المسؤولية التي تولاها.
وعلمت "الراي" أن الأمين العام لـ "حزب الله" سيتولى دحْض "نظريات المؤامرة" التي تحدّثت تارةً عن مقتل بدر الدين بصاروخٍ اسرائيلي متطوّر وطورا عن عملٍ داخلي. وسيجزم تالياً بأن كل ما قيل في هذا السياق لا يمتّ للحقيقة.
والأهمّ الذي سيكشف عنه نصرالله هو أن بدر الدين قُتل بـ "صاروخ أعمى" في منطقةٍ في محيط مطار دمشق كانت تتعرّض دائماً للقصف، وأن مَن أطلق الصاروخ ينتمي الى معسكر اسرائيل بغضّ النظر عن هويته التنظيمية، وتالياً فإن الأمين العام لـ "حزب الله" يستطيع القول إن قائداً بحجم بدر الدين قُتل بسبب صاروخٍ أطلقه المسلحون الذين يجهلون اين ذهب أصلاً، وانه لم يكن موجّهاً الى جهةٍ يراد عبرها استهداف إصابة معينة.
ومن غير المستبعد أن يذكّر نصرالله بما كان يجري إبان الحرب الأهلية في لبنان حين يتفق عنصران من ميليشيا على إطلاق صاروخ ضدّ الجهة المقابلة من دون تحديد أي هدف بعيْنه وعلى طريقة "يا رب تجي بعينو"، وخصوصاً أن ثمة أوجه شبه كثيرة الآن بين ما يجري في سورية وما كان يجري في لبنان.
وجرياً على عادته، سيتولى نصرالله تقديم إحاطة سياسية ولوجستية لتأكيد رواية "حزب الله" عن مقتل بدر الدين والردّ على "المخيلات الخصبة" التي ذهبت الى تأويلات عدة، لكنه لن يتطرّق بالتأكيد الى ما أثير حول مَن سيخلف بدر الدين.
وفُهم في هذا السياق أن التقارير التي تحدّثت عن أن شخصاً من ال مغنية سيُعيّن خلَفاً لبدر الدين هي مجرّد تكهّنات بعيدة عن الواقع، فما من شخص معيّن سيتولى المهمة التي كان يضطلع بها بدر الدين في "حزب الله" الذي يتمتع بديناميكية القيادة التي لا تعمل أبداً من خلال التوارث، بل عبر اختيار نصرالله للأشخاص، وليس لشخصٍ واحد لتولي الملف الأمني الذي ستتعدّد ملفاته وتُوزَّع المسؤوليات في إطاره على أكثر من شخص، كما آلت إليه الأمور بعد اغتيال مغنية في العام 2008، على ان يبقى للأمين العام للحزب، صاحب الصلاحيات المميّزة المستمَدّة من السيد علي خامنئي، اختيار معاونيه خلَفاً لبدر الدين، تماماً كما اختار معاونيه بعد اغتيال مغنية.
ويترافق هذا التطور الناجم عن اغتيال بدر الدين مع قراراتٍ استراتيجية اتخذها "حزب الله" تتعلّق بالحدّ من مشاركته في الحرب السورية في مواقع مختلفة ما دامت العملية السياسية الروسية - الاميركية - السورية قائمة، مع الإشارة الى أن بدر الدين كان أحد الذين شاركوا في صناعة هذا القرار مع قيادة الحزب وبالتفاهم مع إيران بما يخص الجبهة السورية.