هل قال الاخضر الابراهيمي لوليد جنبلاط في باريس «لبنان انتهى، تدبروا اموركم...؟» كيف تتدبر امورنا؟
الذين يلتقون الديبلوماسي الجزائري العتيق، والمعتق، يسمعون منه تذكيره لهم بما قاله، لدى قيامه بمهمته في سوريا، من ان الحرائق السورية ستنتقل الى دول الجوار وتفعل بها ما تفعل النار بالهشيم...
امامهم يستعرض ما يحدث في تركيا التي تتزعزع اتنياً وطائفياً، مع توقعات بانقلاب عسكري لاعادة ترميم ما يمكن ترميمه، وفي العراق لا يعرف احد اين هي الدولة واين هي اللادولة، وفي الاردن «مملكة على صفيح ساخن». ماذا عن لبنان؟ انتهت دولة لبنان الكبير او تكاد، يستدرك، لكن امام اللبنانيين فرصة...
ما ينقل عن الاخضر الابراهيمي ان اللبنانيين اعتادوا على الغرق في القضايا الصغيرة، دون الالتفات الى القضايا الكبيرة، وسواء كانت على ارضهم أم في المحيط. هكذا كانوا عشية الحرب الاهلية في عام 1975، وهم الآن في وضع أشد تعقيداً، وأشد خطورة، بكثير...
الابراهيمي ليس من القائلين بتسوية وشيكة للأزمة في سوريا. لا أفق زمنياً للأزمة. لبنان يستضيف اكثر من مليون ونصف مليون، ونحو نصف مليون فلسطيني. بعد عشر سنوات سيكون هناك نصف مليون اضافي، ما النتيجة؟
الخراب في سوريا هائل، اكثر من هيروشيما هناك، والابراهيمي الخائف على لبنان يرى ان ما يعني الاوروبيين ان يبقى النازحون حيث هم، اوان يتم نقلهم الى مناطق في الخليج العربي والعراق دون اي اعتبار للمخاطر التي يمكن ان تتعرض لها الدول المعنية المجاورة لسوريا، لا سيما الاردن، ولا سيما لبنان الذي قام أساساً على توازنات ديموغرافية وطائفية محددة، حتى اذا ما تزعزعت او انهارت هذه التوازنات، قامت دولة جديدة في لبنان...
دولة فيديرالية لبنانية - سورية ـ فلسطينية، اما الامم المتحدة، في نظر الابراهيمي فتنظر الى الامور عن بعد، والمنظمة الدولية غالباً ما تعكس مصالح الدول الكبرى التي لا يعرف الى اي مدى تبدو معنية بزوال بعض الدول او ببقائها، بعدما بدأت تسمع في اوروبا عبارات من قبيل «مائة عام لسايكس - بيكو تكفي». في هذه الحال، لا بد من انتاج أو «فبركة» دول جديدة وحتى مجتمعات جديدة...
وبعيداً عن الأسلوب اللبناني إياه في الخلط بين مقاربة المخاطر، والحساسيات الشخصية أو السياسة، علمت «الديار» ان مراجع لبنانية عليا بدأت باستيضاح عواصم كبرى ما اذا كان تقرير الامين العام للامم المتحدة بان كي مون والذي ينتهي فيه الى الطلب من الدول المضيفة للنازحين ان تمنحهم «وضعاً قانونياً، وان تدرس أين ومتى وكيف تتيح لهم الفرصة ليصبحوا مواطنين بالتجنيس»، يعكس تقييماً شخصياً للمشكلة أم أنه يعكس وجهة نظر القوى الكبرى...
في كل الاحوال، ماذا يستطيع لبنان أن يفعل؟ التصدع الدراماتيكي في الداخل، وضغوط الأزمات الاقليمية فوق التصور، وفراغ أو شلل كارثي في المؤسسات، فيما الاهتمام الاميركي بلبنان، وان قيل لابقائه كغرفة عمليات في المرحلة المقبلة، يرتبط بالحيلولة دون تنظيم الدولة الاسلامية من اختراق الداخل اللبناني، والوصول الى شاطئ البحر الابيض المتوسط..
وحين تسأل «الديار» وزيراً بارزاً حول الاحتمالات التي تحيط بلبنان يكاد يسلم بـ «اننا لا نملك سوى سياسة النعامة»، ازمات المنطقة الهائلة، والاخضر الابراهيمي نفسه يرى في ملايين النازحين الذين توزعوا بين تركيا ولبنان والاردن، عاملاً مؤثراً او ربما كان حتمياً، في تغيير البنى السياسية وحتى «القومية» لبعض الدول.
هذا فيما تنقل مراجع روحية اجواء سوداوية من الفاتيكان الذي يراهن على توافق اميركي - روسي «جدي» لتسوية الازمة السورية، وان كانت كل المؤشرات تؤكد ان الازمة ستنتقل، بكل حمولتها الى العهد الجديد في الولايات المتحدة، لانه هو من يصنع او يشارك في صياغة قواعد اللعبة في نظام اقليمي محتمل كما في النظام العالمي الجديد...
ـ مبادرة أم محاولة؟ ـ
الانظار الآن الى «مبادرة» الرئيس نبيه بري. الاوساط السياسية تسأل ما اذا كانت هذه مبادرة ام محاولة لفك ارتباط الازمة الداخلية بالازمات الاقليمية. رئيس المجلس هو من تحدث طويلاً عن معارك «س - س» اي سوريا والسعودية، قبل ان يراهن على انقشاع في العلاقات بين الرياض وطهران ينعكس على الساحة اللبنانية. اي انفراج بعيد جداً...
الآن، وقت العصا السحرية، ولكن هل يمكن لهذه العصا ان تصل الى السعودية وايران اللتين الصراع بينهما الى تصاعد، وبطبيعة الحال الترددات الاقليمية لهذا الصراع الى تصاعد؟ لبنان عالق في الوسط، لكن الرئيس بري الذي يحفظ عن ظهر قلب ما قال قرار المجلس الدستوري حول حتمية الذهاب «فوراً» الى الانتخابات النيابية ما ان تزول الظروف الامنية لا يستطيع ان يبتعد، ولو قيد انملة، عن النص وعن روح النص.
مصادر عين التينة تؤكد ان هناك دعماً داخلياً وخارجياً للمبادرة، اي داخل، وحيث يختلط الحابل بالنابل في مزايدات سياسية وحزبية تفتقد الحد الادنى من المسؤولية، واي خارج حين ينقل مصدر ديبلوماسي لبناني عن جيفري فيلتمان قوله «عندما نعلم من هو رئيسنا المقبل نعرف من هو رئيسكم المقبل».
وفي الوسط السياسي كلام من قبيل ان رئيس المجلس يعتبر ان كل القادة السياسيين، وعلى رأسهم القادة الموارنة، في ازمة، وهذا ما قد يدفعهم الى مساندة اي محاولة لحل الازمة الكبرى.
هل هذا يكفي لاحداث ديناميكية سياسية (وحتى سيكولوجية) تدفع باتجاه حل للازمة بعيداً عن الاوضاع الاقليمية التي تلقي بثقلها على الداخل اللبناني؟
ـ فزاعة الستين ـ
رئيس المجلس مناور بارع، اطلق «فزاعة الستين» في وجه من دأبوا عى اعتباره «القانون القاتل». سامي الجميل وصفه بـ «المجزرة للتمثيل الصحيح»، وان كانت اكثر من جهة سياسية تعتبر ان ما جرى في الانتخابات البلدية قد هز التحالفات الجامدة الى حد بعيد، اي ان لبنان مقبل على مرحلة جديدة من خارطة القوى.
فزاعة الستين جعلت النواب «ينشطون» داخل اللجان المشتركة في اتجاه «القانون المختلط»، قد تستقر المعادلة على 64 نائباً على النظام الاكثري و64 نائباً على النظام النسبي. الوزير السابق زياد بارود لو يرى ان لبنان مؤهل للأخذ بديموقراطية افلاطون، لا بأس بالنصف ديموقراطية، وان كان رسم معمارية عملانية للقانون المختلط يستلزم الكثير من الدقة والجهد.
والطريف ان تقول بعض الاوساط السياسية ان الرئىس بري الذي اعتبر ان الاصطفاف الثنائي (8 و14 آذار) في موت سريري، يراهن على المناصفة في النتائج، لا اكثرية ولا اقلية، حصانان لجر الجمهورية، او جناحان للتحليق بهما بعدما ادت 11 عاماً من التناحر الى دفع البلاد الى حافة الهاوية.
العمليات الحسابية التي يجريها الخبراء تستبعد المناصفة، ولكن دون ان تكون هناك اكثرية موصوفة.
ـ الحلقات المفقودة ـ
تبعاً لمنطوق المبادرة، فان المبادرة هي عبارة عن سيناريو من حلقات، الذين اعترضوا عليها قالوا ان ثمة حلقات مفقودة فيها، كيف يمكن للقوى التي عجزت على مدى عامين او اكثر عن انتخاب رئيس للجمهورية ان تتمكن من ذلك الآن؟
الثابت ان العماد ميشال عون لن يتزحزح عن موقعه مهما قال الخصوم ان معركة جونية هزت عرش الجنرال، المدينة التي علقت فيها لافتة «عاصمة المسيحية المشرقية» كانت اختباراً صعباً وعاصفاً للجنرال. البعض يرى ان ثمة خللاً في «غرفة العمليات» او ان هناك من نصب كميناً لرئيس تكتل التغيير والاصلاح، والى حد التأكيد ان جهات خارجية فاعلة عملت على محاصرته، وحتى على محاولة دفعه الى خارج الحلبة الرئاسية.
بطبيعة الحال، الرئيس سعد الحريري لن يتخلى عن النائب سليمان فرنجية، وهناك في الكواليس من يسأل من هو «المرشح الخفي» في مبادرة رئيس المجلس...؟
ـ الخروج من الدوامة الاقليمية ـ
اوساط عين التينة تتكتم حول «الخلفيات الاستراتيجية» للمبادرة، ومراجع سياسية تقول ان الرئيس بري اذكى بكثير من ان يطلق المبادرة الا اذا كان مدعوماً من جهات خارجية تعتبر ان لبنان ينبغي ان يخرج من الدوامة الاقليمية لأن الوضع فيه لم يعد يحتمل. رئيس المجلس قال بالحرف الواحد ان الوضع لم يعد يحتمل.
المبادرة تقول بجلسة لانتخاب الرئيس المتفق عليه في اليوم نفسه الذي تنتخب فيه هيئة مكتب المجلس، جهات سياسية. وتسأل ماذا كان الرئيس بري ينتظر ان تهبط اعجوبة ما من المدخنة...
التيار الوطني الحر يذكّر بأن الطرح الخاص بانتخاب مجلس نيابي قبل رئيس الجمهورية هو «طرحنا». ولكن ماذا اذا تراجع عدد نواب التيار؟ وماذا اذا حدث تبدل دراماتيكي في خارطة القوى؟
الجنرال واثق من ان تحالفه مع رئىس حزب «القوات اللبنانية» سيجعله يرفع عدد مقاعده. أين؟ في البترون ام في الكورة ام في بيروت ام في زحلة؟ الرهان معقد، وما جرى في الانتخابات البلدية يثبت ان «كمية» كبيرة من الناخبين لم تعد تدار بالخيوط من الابراج العالية.
بالتأكيد، يقول رئيس حكومة سابق لـ«الديار» ان الرئيس بري يراهن على «انقلاب» في الخارطة الجديدة للمجلس النيابي الجديد.