يشهد الجنوب اللبناني بعد أيام المرحلة الثالثة من الإنتخابات البلدية، وكما هو معلوم فإنّ سيد الموقف الإنتخابي هو ذلك التحالف المسقط على رؤوس أهل الجنوب بدون وجه حق والذي يشكل نوعًا آخرًا من أنواع التعطيل للحياة الديمقراطية وللعملية الإنتخابية برمتها ولو من خلال وسيلة ديمقراطية بظاهرها.
صحيح أنّ التحالفات بين الأحزاب والقوى السياسية وكذلك بين اللوائح والشخصيات هو أمر مباح ومعتمد في اللعبة الإنتخابية، بل ويعتبر من صميم الآليات المتبعة في العملية الديمقراطية، ولا يستطيعن أحد استنكار او إدانة أيّ نوع من أنواع التحالفات التي تنشأ بين أيّ من الأفرقاء وبغض النظر عن الخلفيات أو المحفزات التحالفية ومهما كانت الجهة المستهدفة.
إلاّ أنّه يبقى القول بأنّ مقدمات وشروط منطقية يجب أن تتحكم في ظروف ولادة أيّ تحالف كما وأنّه من المفترض أن تساهم طبيعة المعركة الانتخابية في رسم ملامح وحدود ونوعية هذا التحالف او ذاك ( انتخابي - سياسي - مصلحي - استراتيجي - وطني - ... ) بالخصوص إذا ما كان الحديث عن تحالف أحزاب وقوى سياسية.
وبالعودة الى المولود المسخ المسمى زورًا "تحالف " أمل - حزب الله، فإنّ لمحة سريعة على ظروف ولادته لكفيلة بتصنيفه أنّه مخلوق هجين هو أقرب ما يكون إلى تحالف خارج النمط الطبيعي وخارج السياقات المنطقية فلا وجود لأحزاب أو قوى سياسية حقيقية على امتداد مناطق نفوذ الثنائية الشيعية من خارج الإطار السياسي العام لهذه الثنائية، تُنافسها على المقاعد البلدية ( حتى الشيوعي فهو من أهل البيت ) وبالتالي فلا وجود لضرورة تحالف سياسي، كما أنّه وفي نفس السياق يمكن الإشارة إلى عدم وجود حاجة فعلية لإبراز الأحجام الحقيقية من أجل رسم خارطة توزيع المقاعد النيابية في الإستحقاقات القادمة لأنّها موزعة سلفًا بعيدًا عن الأرقام ولا وجود نيّة عند أحدهما للعب بحصة الأخر على المدى المنظور.
يبقى الإدعاء المضحك في هذا الموضوع هو اعتبار المدافعين عن هذا التحالف بكونه استجابة لرغبة موجودة أصلًا عند قواعد الطرفين في القرى والمدن الشيعية وما تقوم به القيادة ما هو إلاّ استجابة طبيعية لهذه الرغبة، في حين أنّ الوقائع بالجنوب هي على النقيض تمامًا، فتجربة البلديات المشتركة والمقسمة مناصفة بين الحزب والحركة أثبتت وطوال المدة السابقة وبما لا يبقى معه مجال للشك الفشل الذريع لهذه التجربة.
هذا فضلاً عن الخلافات العميقة جدًا بين قواعد الطرفين والمعروفة عند جميع أهالي الجنوب، فجمهور حركة أمل لا يخفون امتعاضهم الشديد على سياسات حزب الله العامة ( القتال في سوريا ) أو داخل القرى والمدن من خلال اتهامها بالعنصرية مرة وبمحاولات فرض سلوكيات معينة لا تتوافق مع ثقافة أمل، فضلاً عن المزايدات المذهبية ووصولا للتحالفات السياسية مع التيار العوني على وجه الخصوص، مع ذكر سياسة الخصومة مع الدول العربية والضرر العميق الذي تسببه التبعية لايران على الشيعة اللبنانيين، مع تركيز قواعد الحركة لامتعاضهم من أسلوب الاستعلاء والفوقية التي تمارس عليهم من قبل مسؤولي الحزب في القرى.
في مقابل هذه الوقائع فإنّ قواعد الحزب أيضًا لا يكادون يخفون نظرتهم الإشمئزازية لأداء وسلوكيات عناصر حركة أمل ومسؤوليهم ومن كانوا معهم بنفس البلديات والإدعاء بوسمهم بالفساد والسرقة وسوء الادارة فضلاً عن الصفقات والتعدي على المشاعات العامة وما إلى هنالك من سلوكيات مشبوهة لا تشكل برأيهم أيّ إمكانية للتعاون أو المشاركة الحقيقية باعتبار أنّهم هم الأوادم وأبناء الحركة مجموعة من الزعران.
هذه الأجواء بين الطرفين تبقى تشغل أحاديث الصالونات والسهرات طيلة ست سنوات وتتوقف فجأة بقدرة قادر قبيل الإنتخابات كما هو الحال هذه الايام، وتحل بينهما "بساعة ما فيها ضو قمر" حالة من الوئام والسلام والمحبة والتنسيق والتعاون.
هذه الحالة المستجدة والرحمة النازلة بقرار تنظيمي، فهي إنّما تدلل على أمر من أمرين، أو أنّ كل ما كان يساق من اتهامات وأحاديث عن بعضهما البعض هو محض أكاذيب وتلفيقات من الطرفين كل ضد الآخر، أو أنّ الاتهامات والشبهات هي واقع وحقيقة ولكن كل طرف منهما هو شريك فعلي بالتعاون والتعاضد بما يقوم به الطرف الاخر وما كان يعبر عنه بالمدة السابقة ما هو الا اكاذيب وافتراء وخداع .
وعلى كلا التقديرين فإنّ ما يسمى هذه الأيام من "تحالف" أمل - حزب الله، ما هو بالحقيقة إلاّ "تكاذب " أمل - حزب الله.