استطاع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، امتصاص بعضٍ من "غضب" حزب الله، الناتج عن التعميم رقم 137 الصادر عنه، والذي يشرح فيه آلية تطبيق القانون الصادر في الولايات المتحدة والمعروف بقانون مكافحة تمويل حزب الله دولياً. فقد لاقى بيان أصدره سلامة أول من أمس (الثلاثاء)، ترحيباً من حزب الله، بحسب ما أبلغت مصادر سياسيّة قريبة من الحزب "العربي الجديد". ففي البيان الصادر عن سلامة، حدد شرطين جديدين يسبقان قرار إقفال أي حساب مصرفي تشك إدارة المصرف بارتباطه بحزب الله، والشرطان هما: "على المصارف التي تريد إقفال حسابات مؤسسات أو أشخاص لأنها تعتبرها مخالفة للقانون الأميركي أن تقدّم التبرير لذلك قبل إقفال الحساب، ويجب أن يتضمن التبرير حركة الحساب (الوتيرة/ الحجم)". وهو ما يتعارض مع التعميم السابق الذي نصّ على إبلاغ هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان بأسباب إقفال الحساب لاحقاً. خطوة سلامة جاءت بعد اللهجة العالية التي استخدمتها كتلة حزب الله النيابية، التي وصفت تعميم سلامة وإجراءات المصارف بـ"حرب إلغاء محليّة"، وبعد بيان الكتلة الذي صدر منذ أسبوع، بدأ ينتشر في الأوساط الصحافية القريبة من حزب الله، كلام عن تهديد الحزب بتنفيذ إجراءات تضرب القطاع المصرفي إذا استمرت المصارف بإجراءاتها.
ويرى مصدر سياسي معارض لحزب الله أن خطوة سلامة وضعت المصارف في مواجهة مباشرة مع الحزب، إذ يعتقد هذا المصدر أن المصارف ستكون في حاجة "لإرضاء" حزب الله بشكلٍ دائم، لضمان عدم القيام برد فعلٍ من قبله عند طلب إغلاق أي حساب. كما يُشير المصدر إلى أنه على الحزب الاقتناع بعدم إمكانية تحييد الليرة اللبنانيّة عن هذه الإجراءات، لأن القانون الأميركي تضمّن ذلك بوضوح، وأي اتفاق سابق مع حاكم مصرف لبنان حول هذا الأمر لا قيمة له حالياً، بسبب تضمين المراسيم التطبيقية للقانون الأميركي إشارة واضحة إلى أن كلّ العملات مشمولة بالعقوبات.
في مقابل خطوة حاكم مصرف لبنان، التي رأت فيها مصادر مطّلعة على موقف حزب الله أنها خطوة إيجابية وأنها رمت الكرة في ملعب المصارف، تبدو الأخيرة أكثر تشدداً في التعامل مع الضغوط. يشرح أحد المصرفيين الأمر على طريقته: "يعتقد اللبنانيون أن حجم قطاعهم المصرفي كبير، وهو كذلك إذا قيس بحجم الاقتصاد اللبناني، لكنه ليس كذلك بالمقارنة مع المصارف الكبرى". يقول هذا المصرفي هذه المقدمة، ليُضيف بأن "المصارف المراسلة، أي المصارف الأميركية التي تمرّ عبرها كل التعاملات بالدولار الأميركي، وهي 65 في المائة من حجم الودائع التي تبلغ قيمتها 170 مليار دولار، غير مستعدة لأن تتحمّل نتيجة أي خطأ لبناني، ولذلك فهي قد تلجأ إلى وقف التعامل مع أي من المصارف اللبنانية إذا ما شكّت بعدم التزامه بالقانون الأميركي، حتى لا تكون هذه المصارف عرضة لعقوبات وغرامات أميركية".
ويُذكّر المصرفي بما حصل مع البنك البريطاني "ستاندرد تشارترد" عام 2014 عندما قررت الهيئات المنظمة لعمل المصارف في نيويورك تغريمه مبلغ 300 مليون دولار وفرض قيود على تعامله بالدولار بسبب تخلّفه عن مراقبة تبييض الأموال. واتُهم هذا البنك حينها بأنه فشل في التقصي حول تحويلات تتضمن مخاطر كبرى ومصدرها الإمارات العربية المتحدة، وذلك في سياق مكافحة تبييض الأموال.
وعن التهديدات التي تُنسب لحزب الله، بالطلب من مؤيديه سحب الودائع أو الامتناع عن دفع السندات لمن استدان من المصارف، يرى المصرفي أن الأمر غير منطقي، "فإلى أين سيذهبون بالأموال بعد سحبها، هل سيضعونها في المنازل أم في بنك صادرات إيران الذي لا يملك نافذة على العالم؟".
وفي هذا السياق، يأتي كلام وزير الاقتصاد اللبناني آلان حكيم، وهو مصرفي أيضاً، إذ يُشير حكيم في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن القضية لا تتعلق بحزب الله والموقف منه أو بالعلاقة مع الأميركيين، بل ترتبط بالعلاقة بين القطاع المصرفي اللبناني والعالمي. ويرى حكيم أن على الحكومة وحاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف حماية هذه العلاقة، لأنها "حماية للمودع اللبناني وللاقتصاد اللبناني، وحماية للمودعين الشيعة أيضاً". ويُشير حكيم إلى أن المصارف المراسلة قد توقف عملها مع أي مصرف في حال شكّت بحساب بنكي بقيمة 100 دولار، وفي "حال عُزل هذا المصرف عن المنظومة العالميّة من الذي يحميه أو يُعوض عليه؟".
يرفض حكيم التهجّم على حاكم مصرف لبنان، ويعتبر أن البيان الأخير للحاكم ليس تغييراً جوهرياً، بل تعديل تقني. ويُشير حكيم إلى أن انزعاج حزب الله، لا علاقة له بحسابات تابعة للحزب بل بتأثيره على البيئة الحاضنة. يختصر حكيم الأمر بالقول إن وظيفة المؤسسات المالية الأساسيّة هي "إدارة المخاطر، وعندما يكون هناك خطر قريب، عليها أن تأخذ كل الاحتياطات تجنباً لأي كارثة، خصوصاً في حالة القطاع المصرفي الذي يُعتبر الدائن الأكبر للدولة، ويُلبي حاجات الدولة عندما تطلب منه".
يتقاطع كلام حكيم مع إشارة المصرفي اللبناني الذي امتنع عن ذكر اسمه، إلى أن هدف القانون الأميركي خلق مشكلة وبلبلة في أوساط بيئة حزب الله، "وهو ما حصل". ويُضيف المصرفي بأن للحزب أساليبه وطرقه المالية التي يعتمدها منذ سنين وهي لا تمرّ بالمصارف، وهو لا يتأثر مباشرة بهذه الإجراءات. وعند سؤاله عمّا إذا كان القانون الأميركي يهدف بالدرجة الأولى لمكافحة تبييض الأموال والتهرب الضريبي، قبل "معاقبة" حزب الله، يردّ المصرفي بالإشارة إلى أن أحد أهم الاجتماعات التي حصلت في لبنان منذ نحو سنة، بين جمعية المصارف وأحد كبار المسؤولين في وزارة الخزينة امتدت لساعة ونصف، "وأمضى المسؤول الأميركي ساعة وربع الساعة بالحديث عن تجفيف تمويل المنظمات الإرهابية، مثل داعش وجبهة النصرة"، وهو ركّز بشكلٍ رئيسي حول داعش، وفي ربع الساعة الأخير من الاجتماع تحدث عن تمويل حزب الله". ويُضيف المصدر أن الأميركيين يخوضون حملة كبيرة ضد تبييض الأموال والتهرب الضريبي ومكافحة الإرهاب، ومن يُراقب ما يجري حول العالم يُدرك ذلك، برأيه.
من جهته، يرفض حزب الله التصريح العلني حول الموضوع. لكن مصادر سياسية قريبة من الحزب تتحدث عن "حرص الحزب على القطاع المصرفي، والدليل على ذلك العمل الكبير الذي قام به الحزب بهدف إقرار القوانين المالية الثلاثة في آخر جلسة تشريعيّة". وتُضيف هذه المصادر أن الحزب لم يعترض يوماً على إقفال حسابات الشخصيات الـ95 التي طاولتها العقوبات الأميركية، لمعرفته بأن الأمر غير ممكن، "لكن أن تقوم المصارف بخطوات استباقيّة واستنسابية وتُقرر أنها ستعامل فلاناً أو علاناً كالأشخاص الـ95 الذين طاولتهم العقوبات، فهذا ظلم، وهذا يعني إقفال حسابات ثلث الشعب اللبناني".
وتعتبر هذه المصادر أن المصارف تضع نفسها في مواجهة مع ثلث الشعب اللبناني، وتسأل: "كيف ستتعامل المصارف مع رئيس بلدية انتُخب على لوائح حزب الله، أو عضو نقابة المهندسين أو الأطباء أو غيرها من النقابات، الذي انتخب ممثلاً لحزب الله؟ هل ستقفل حساباتهم المصرفية؟". وترى هذه المصادر أنه إذا أرادت المصارف المسّ بالميثاقيّة المصرفية فعليها "تحمّل المسؤوليّة، ولا يُمكنها شراء بوليصة تأمين لدى الأميركيين على حساب البيئة الشيعيّة، ومن غير المقبول أن تكون أدوات تنفيذيّة أميركية".
وتُشير هذه المصادر إلى أن بعض المصارف أبلغت مؤسسات صحية وتربوية يعمل فيها آلاف الموظفين، "وهي موجودة منذ السبعينات، أي قبل تأسيس حزب الله"، أنها ستقفل حساباتها وحسابات العاملين فيها قريباً. وتعتبر المصادر أن "حرص حزب الله على المصارف يظهر أيضاً من خلال عدم ذكر أي مصرف يقوم بإغلاق الحسابات حتى اللحظة، فهل يُمكن تخيّل النتائج التي يُمكن أن تحصل إذا ما سُمي مصرف، وجميعها لديها فروع في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب؟".