يتوقع، بل يفترض، ان يزور وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك ايرولت الرابية اثناء وجوده في لبنان يوم 27 ايار الجاري. قبل ان يبدأ الزائر الفرنسي، المتزن والمتمسك بالقيم الكلاسيكية الفرنسية، الحديث، سيسأله العماد ميشال عون «هل اطلعت على تصريح الرئيس سعد الحريري على باب الاليزيه».
في صدر الجنرال كلام كثير لم يقل منه سوى النزر اليسير في مداخلته التلفزيونية مساء الثلثاء، لعل السؤال الابرز هو: لماذا تمنع عني رئاسة الجمهورية؟
لن يقتنع ابداً بأن ورقة التفاهم التي ابرمها داخل كنيسة مار مخايل في الشياح (ولهذه الكنيسة رمزيتها المتزامية ابان الحرب الاهلية) يوم 6 شباط 2006، هي التي قطعت عليه الطريق الى القصر، منذ عام 2005، والطبقة السياسية وبايحاءات خارجية ايضاً، تلاحقه حتى على المقاعد النيابية، وتشاكسه حول المقاعد الوزارية، وتحاصره حتى في الانتخابات البلدية.
لا تدري ما اذا كان العماد عون سيسأل «هل انا مخلوق اخر من كوكب آخر ليتعاملوا معي هكذا؟».
مصدر ديبلوماسي قال لـ«الديار» لا مؤشر على ان حلحلة حدثت في ملف الاستحقاق الرئاسي». اذا كان السعوديون من يضعون الفيتو على رئيس تكتل التغيير والاصلاح، فليس باستطاعة الديبلوماسية الفرنسية اقناعهم بتغيير موقفم، باريس تتحرك من باب «اللياقة» وتجاوباً مع الدعوات والتمنيات باخراج رئاسة الجمهورية من عنق الزجاجة...
المصدر اضاف «لو كان هناك شيء جدي في الحراك الفرنسي لكان الرئيس نبيه بري اول من علم به، وحتى بتفاصيله، ولما كان وضع مبادرته على طاولة الحوار في محاولة للبننة الاستحقاق بالكامل». هناك، بطبيعة الحال، من يتلقى التعليمات من الخارج عبر هاتفه الخلوي، ولا يستطيع ان يتخذ اي موقف بمعزل عن هذه التعليمات».
المتابعون لما يقال في باريس، لا سيما في الكي دورسيه (وزارة الخارجية) يلاحظون ان كل حديث عن لبنان يبدأ من البوابة، او من الازمة السورية. الفرنسيون يعتبرون ان جهوداً هائلة يبذلها الاميركيون والروس من اجل التوصل الى تسوية قبل نهاية الصيف المقبل. في المقابل هناك جهود هائلة ايضا تبذل من اجل ارجاء التسوية الى ما بعد ولاية الرئيس باراك اوباما، وعلى اساس ان دونالد ترامب اعلن امام الملأ انه سيلغي الاتفاق النووي مع ايران، وبالتالي احداث تغيير دراماتيكي في المشهد الاستراتيجي في المنطقة، فيما تأخذ هيلاري كلينتون على من كانت وزيرة للخارجية لديه انه تخاذل في استعمال القوة في سوريا.
وعلى هذا الاساس، فالازمة الرئاسية ستظل ضيفة الشرف على اليوميات السياسية اللبنانية الى ان تحصل المعجزة وتقفل الازمة في سوريا التي باتت الاساس في ازمات المنطقة. ومع التذكير بما نقله الديبلوماسي الاميركي العتيق جورج بوش الى دمشق في الثمانينات من القرن الفائت من ان ازمة الشرق الاوسط ولدت مع الله وتموت مع الله».
والخوف ان «يموت» لبنان قبل ان تنتهي الازمة في سوريا، لوران فابيوس لم يكن معنياً بذلك، لان نظراته كلها كانت باتجاه المصالح الاستراتيجية والايديولوجية لاسرائيل، جان - مارك ايرولت اكثر تناغماً مع الارث الديبلوماسي الفرنسي داخل الكي دورسيه.

ـ اسألوا عباس ابراهيم ـ

في الكواليس «اسألوا اللواء عباس ابراهيم عما سمعه من مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون رنيان حول لبنان؟ لا تغيير في الخارطة، ولا تغيير في الستاتيكو، كما كان يردد القائم بالاعمال الاميركي السفير ريتشارد جونز، ونصيحة من اكثر من جهة خارجية «لا تراهنوا كثيراً على الكرنفال الفرنسي».
اما السبب فهو هشاشة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في «لعبة الكبار» ديبلوماسي روسي ينقل عن سيرغي لافروف ان جون كيري الذي لم يكن ليتحمل فابيوس كان يردد امامه ان وزير الخارجية الذي انتقل الى رئاسة المجلس الدستوري كان يجر وراءه الرئيس الفرنسي كما الظل.
الستاتيكو الى اشعار آخر ما دام اللبنانيون ايرانيين اكثر من الايرانيين، وسعوديين اكثر من السعوديين، ودائما ملكيين اكثر من الملك، وكان هناك سفير فرنسي يقول «ان القادة المسيحيين في لبنان يحاولون ان يظهروا انهم مسيحيون اكثر من السيد المسيح».

ـ الجنرال والقانون الارثوذكسي ـ

الى حد ما كان هذا تعليق احد الوزراء على المقالة التي نشرها عون امس بعنوان «لماذا قانون اللقاء الارثوذكسي». الوزير محايد، وعقلاني، وضليع في قراءة ما بين السطور قال لـ«الديار» انا مع الجنرال كليا حين يتحدث عن قوانين الانتخاب التي لم تكن في اي يوم لا على قياس لبنان ولا على قياس اللبنانيين، بل هي المسؤولة عن اكثر مصائبنا.
الوزير اضاف انه ضد ذلك القانون بالمطلق، فالمسيحيون «يشكلون قيمة مضافة ودورهم اساسي في اعطاء ذلك الوجه الحضاري للبنان، وحين يختارون الصومعة، او الكانتون، يصبحون مثل غيرهم قبيلة من القبائل التي تتقاتل في ما بينها.
لاحظ كيف كانت معركة زحلة، وكيف كانت معركة جونية، حروب الغاء وبما تعنيه الكلمة، وفي الكثير من وجوهها افتقدت المعارك الانتخابية البعد الديموقراطي يسأل ما اذا كانت المشكلة الحقيقية بين المسيحيين والمسلمين ام بين المسيحيين والمسيحيين.
عبر «الديار» قال الوزير للجنرال «من يطرح نفسه لرئاسة الجمهورية لا ينظر الى لبنان من زاوية مسيحية او من زاوية اسلامية».
ماذا داخل تيار المستقبل، عون قال انه بامكانياته يربح المعارك المستحيلة. الكلام الرائج حالياً ان معركة رئاسة الجمهورية هي المعركة الوحيدة المستحيلة، يا جنرال والربح فيها اكثر من مستحيل.
نواب في التيار ووصفوا كلام عون حول شرعية المجلس بالهرطقة السياسية والدستورية، ليتوقفوا عند عبارة وردت في مقالة الجنرال «ومع استمرار هذا الخلل وعدم القيام باي خطوة لتصحيحه فان اي لبناني اصبح له الحق في ان يطالب باعادة النظر بمضمون العلاقات الداخلية بين مكونات المجتمع اللبناني.
واذ افضى ذلك، وعلى الفور، الى التساؤل ما اذا كان عون يعني بذلك التهديد بالفيدرالية او الكونفدرالية لاحظت مصادر سياسية ان المقال نشر في اليوم الذي يطرح فيه الرئيس بري مبادرته امام طاولة الحوار.
ويشير مصدر سياسي مقرب من عين التينة الى ان رئيس المجلس قرأ بدقة المناخ السيكولوجي الذي احدثته الانتخابات البلدية، وحيث انتفى اي مبرر لبقاء المجلس النيابي حتى نفاد فترة التمديد في حزيران 2017، فما حدث في بيروت اظهر ان هناك تفاعلات شعبية حقيقية وليست وهمية هذه المرة.

ـ لا... لاستراتيجية الانتظار ـ

وتبعا لما يقول المصدر فان الرئيس بري لا يرى ان بالامكان الرهان بعد الان، على استراتيجية الانتظار، وهو الذي يرصد احاسيس الناس ويعرف ان الاجواء قد تتلبد في اي لحظة. الافضل ان يغادر النواب مقاعدهم بصورة ديموقراطية ومشرفة.
رئيس المجلس قال في جلسة الحوار الـ18 ان الوضع لم يعد يحتمل، والناس ينتظرون اجراء الانتخابات. واجواؤه ابعد من ذلك، فهو اذ يسعى ليكون موعد الانتخابات في الخريف المقبل، يحذر من ردة الفعل الشعبية اذا ما ظلت بعض القوى تراوح مكانها عند معادلة البيضة والدجاجة.
وكانت «الديار» قد نشرت أمس بنود المبادرة، وبعدما بدا ان الاستحقاق الرئاسي محكوم بالمراوحة بين رفض للعماد ميشال عون من هنا ورفض للنائب سليمان فرنجية من هناك.

ـ الديكتاتورية الثنائية ـ

وفي اجواء عين التينة ان «الخلفية الفلسفية» للمبادرة ان الاصطفاف الثنائي (8 و14 آذار) الذي كان حديدياً في عام 2009 وانتج اكثرية واقلية في حالة صراع على كل شيء تقريباً قد تبدلت، واذا كان الفريقان في حالة موت سريري، فان ما جرى في الانتخابات البلدية، وما يمكن (او يفترض) ان يجري في الانتخابات النيابية سينقل الفريقين الى مثواهما الاخير، وبعدما عانت البلاد على مدى 11 عاماً تلك الديكتاتورية الثنائية التي طالما هددت الجمهورية بالانهيار.
المبادرة واجهت اعتراضات، بعضها تكتيكي وبعضها مبدئي، وكان ان حدد الموعد المقبل لجلسة الحوار المقبلة في 21 حزيران، اي بعد اكثر من شهر وهي مدة اكثر من ان تكون كافية لاتخاذ المواقف النهائية، بل ان تعقد اجتماعات مكثفة ومتتالية على مدى ثلاثة أيام لبلورة مشروع قانون الانتخاب، والآليات والأطر الخاصة، باعداد كل حلقات السيناريو الذي يبدأ بتقصير ولاية المجلس واقرار قانون للانتخاب، واجراء الانتخابات، على ان يعقب ذلك انتخاب رئيس الجمهورية.
هنا الملفات مدروسة ومعدة بدقة، لن يكون هناك قانون للانتخاب، حتى ولو اعتمد قانون عام 1960، الا بعد التعهد الخطي بتأمين النصاب في جلسة المجلس النيابي وانتخاب رئيس للجمهورية اياً يكن هذا الرئيس.

ـ المواقف ـ

تيار المستقبل لا يزال عند موقفه القائل بالانتخابات الرئاسية اولاً، وكذلك حزب الكتائب، «القوات اللبنانية» لا تشارك في جلسات الحوار، لكنها تبدو متلهفة للانتخابات النيابية لاقتناعها انها تستطيع ان ترفع عدد نوابها الى ما بين 12 و15 نائباً من خلال التحالف مع التيار الوطني الحر، وان اظهرت الانتخابات البلدية ان أحداً لا يدري ماذا تقول صناديق الاقتراع المقفلة منذ 7 سنوات، وفي ظل تململ شعبي لم يعد بالامكان التعاطي معه بلا مبالاة.
وان رفض رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة الطرح الخاص بالانتخابات النيابية قبل الانتخابات الرئاسية، اشار النائب غازي العريضي الى «اننا اعتبرنا الامر واقعياً جداً بعدما فشلنا جميعا، ونعترف بذلك، وبالنسبة الينا كنا مع مناقشة السلة المتكاملة وما زلنا، ونحاول الوصول الى قانون انتخاب، ولكن لم ننجح، وخلال الأشهر المقبلة قد لا نتمكن من حل كل هذه الامور العالقة».

ـ 3 خيارات ـ

وقال وزير السياحة ميشال فرعون «ان الموضوع الاساسي هو انتخاب رئيس الجمهورية، ولكن، كما يقول الرئيس بري، لا بد من الانفتاح على الافكار المطروحة، ولا بد من تعديل قانون الستين».
واوضح النائب علي فياض ان المبادرة تقوم على ثلاثة خيارات طلب من القوى ان تعود بأجوبة عنها. الخيار الأول الاتفاق على قانون انتخاب جديد تحدد أسسه وطبيعته، وعلى هذا الاساس يتم تقصير الولاية الحالية للمجلس، على ان تلتزم القوى كافة، وبصورة مسبقة، تعهد بالتوجه الى جلسة انتخاب الرئيس في اول يوم بعد انتخاب هيئة مكتب المجلس.
الخيار الثاني، الذهاب الى الانتخابات النيابية وفق القانون النافذ حالياً، وهو قانون 1960، على ان يتم تقصير الولاية، وتعتمد الآلية نفسها بتصور مسبق لانتخاب رئيس الجمهورية.
ولفت فياض الى ان الخيار الثالث هو دوحة جديدة، وتستحضر على الطاولة كل الملفات العالقة، من الرئاسة الى قانون الانتخاب الى الحكومة الى الحوار.