علمت “العرب” من مصادر مطلعة، أن توجها في هرم السلطة الجزائرية تبلور من أجل فك الارتباط مع فرنسا، وأن حراكا يجري في صمت لإعادة ترتيب الأوراق بشكل يقلص من حجم النفوذ الفرنسي في الجزائر.
وأضافت أن الحراك الدائر داخل السلطة يهدف إلى إسقاط الوجوه المحسوبة على باريس والتي ظلت تشكل خط الدفاع الأول عن المصالح الفرنسية في الجزائر، بما فيها وجوه بارزة في الحكومة والطبقة السياسية. وعزت المصادر هذا الحراك إلى غضب داخل السلطة بدأ منذ الصور التي نشرها رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس على تويتر عقب لقائه بالرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة ثم تولت نشرها وسائل إعلام فرنسية. وتظهر الصور بوتفليقة في وضع صحي صعب، ما اعتبره الجزائريون محاولة فرنسية للإساءة للرئيس الجزائري. وكردة فعل على خطوة “التشهير” الفرنسية بصحة بوتفليقة، بدأت السلطات الجزائرية في الانفتاح على روسيا والصين وإيران فضلا عن الولايات المتحدة. وكان فالس قد التقى خلال زيارته إلى الجزائر ببوتفليقة والتقط معه صورا بدا فيها الوضع الصحي للرئيس الجزائري متدهورا، وظهر متعبا ونظراته تائهة وشاردة. وأعاد وزير الداخلية الأسبق ورئيس المجلس الدستوري الفرنسي جون لويس ديبري، ملف صحة بوتفليقة إلى الواجهة من خلال الكتاب الذي صدر له حديثا في باريس بعنوان “ما لم أستطع قوله”، تناول فيه تفاصيل اللقاء الذي جمعه به في العام 2015. وتوقع ديبري أن يثير كتابه نقاط استفهام كبرى حول حقيقة الوضع الصحي للرئيس الجزائري، ومدى قدرته على إدارة شؤون البلاد. وقال “إن بوتفليقة يعيش في قصره بضاحية خارج العاصمة، حيث يحظى القصر بحراسة أمنية مشددة، ويحتوي على إمكانيات تطبيب ضخمة، وبوتفليقة مستقر في كرسيه، ويعاني صعوبة في التنفس وصوته خافت، واضطر القائمون على شؤونه الصحية إلى تركيب جهاز ميكروفون صغير لإسماع صوته بشكل أفضل، ورغم ذلك يعاني من صعوبة في الكلام”. وعاد الحديث عن سلسلة من التغييرات التي تمس بعض المؤسسات الرسمية وعلى رأسها الحكومة، من أجل الإطاحة بعدد من الوجوه التي تمثل المصالح الفرنسية في الجزائر، وينتظر أن يطال حتى الجبهة السياسية الموالية للسلطة بعد الارتباط الذي ظهر بينها وبين باريس. وكان وزير الصناعة والمناجم عبدالسلام بوشوارب قد حاول التقليل من حدة الأزمة مع فرنسا حين قال لوسائل الإعلام، إن ” علاقات الجزائر مع فرنسا وليس مع مانويل فالس، وإن علاقات البلدين أعمق من حماقة” رئيس وزراء فرنسا بما أنه المتسبب الأول في إشعال فتيل الأزمة الدبلوماسية. إلا أن مصادر “العرب” أشارت إلى أن عبدالسلام بوشوارب سيكون على رأس المغادرين للحكومة. ولم تثن تصريحات مدير ديوان الرئاسة أحمد أويحيى، بشأن “استحالة فك الارتباط بين البلدين وعدم جدوى إصدار قانون في الجزائر لتجريم الاستعمار، ردا على دعوة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الشعب الفرنسي إلى الافتخار بماضيه”، من حدة الحراك الذي يتحرك لدحرجة المصالح الفرنسية في الجزائر إلى مراتب متدنية رغم موقعه القوي في هرم السلطة. وكانت شركات السيارات الفرنسية أول من دفع فاتورة الأزمة الدبلوماسية، حيث جاءت الحصص التي كشفت عنها وزارة التجارة الجزائرية بخصوص توريدها للسوق المحلية متواضعة، وعكس التوقعات القائلة بأن الشركات المذكورة ستحظى بحصص استيراد معتبرة بالنظر إلى طبيعة العلاقات بين البلدين وللمفاضلة التي يحوزها الفرنسيون من طرف الحكومة الجزائرية. ولم يستبعد مراقبون للشأن السياسي في الجزائر أن يكون التوجه الجديد للسلطة وليد ميلان كفة الصراع بين باريس وواشطن بشأن من يخلف بوتفليقة في قصر المرادية.
|
صابر بليدي: العرب |