عبر مصدر دبلوماسي سعودي عن ثقته بقدرة بلاده على تفنيد الصفحات الـ28 المزمع نشرها حول اعتداءات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة.

ووافق مجلس الشيوخ الأميركي الثلاثاء على تشريع يسمح للناجين من هجمات 11 سبتمبر وذوي الضحايا بإقامة دعاوى قضائية ضد السعودية للمطالبة بتعويضات.

ويحتاج التشريع إلى موافقة مجلس النواب ثم توقيع الرئيس الأميركي باراك أوباما ليصبح نافذا. وسبق لأوباما أن لوح باستعمال الفيتو لمنع مرور مثل هذا القرار في مسعى لطمأنة السعوديين.

وقال المصدر في تصريح لـ”العرب” إن بلاده غير متخوفة من نشر الصفحات وإنها سبق وأن دعت في أكثر من مناسبة إلى نشرها لإبطال الشائعات عن علاقة المملكة بالهجمات.

وذكّر بتصريحات سابقة لوزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل الذي عبر عن غضب بلاده “في أي معنى للعدالة أن تكون الـ28 صفحة تعبر عن إدانة السعودية التي كانت صديقا وشريكا للولايات المتحدة لأكثر من ستين عاما؟”.

وحث السفير السعودي في بريطانيا، الأمير محمد بن نواف، على الكشف عن الصفحات الـ28 السرية في تحقيقات هجمات 11 سبتمبر في العام 2001، قائلا إن بلاده لم تقم بأي أمر خاطئ.

ويرى دبلوماسيون أميركيون أن أحجية الصفحات السرية بدت منذ الأيام الأولى مغرضة وهدفها ابتزاز المملكة بملف لا تملك مضمونه ولا حيثياته. وتؤكد هذه الأوساط أن تيارا أيديولوجيا داخليا نشط منذ عهد الرئيس جورج بوش الابن للدفع إلى الضغط على الرياض وما تملكه لدى العالم الإسلامي السني مقابل الترويج للاقتراب من طهران والخيار الشيعي في العالم العربي والذي قاد إلى التوقيع على الاتفاق النووي.

وتذكر أوساط أكاديمية متخصصة، أنه بعد اعتداءات 11 سبتمبر راج توجّه استراتيجي في الولايات المتحدة يعتبر أن الهجوم الذي نفذه إرهابيون سنة يغذي نظرية تعتبر أن السنية السياسية (بقيادة السعودية) هي العدو الحقيقي للولايات المتحدة، فيما بالإمكان التفاهم وحتى التحالف مع الشيعية السياسية (بقيادة إيران)، وأن هذا التوجه هو الذي قاد منذ غزو العراق إلى انخراط واشنطن في تخبط مذهبي بالشرق الأوسط.

ويقول مراقبون أميركيون إن إثارة موضوع الصفحات الـ28 بعد 15 عاما من الحدث تعبّر عن التوتر الحاصل في علاقة الرياض بإدارة أوباما، وأن سلوك الابتزاز الممارس في هذا الملف لا يليق بأداء دولة عظمى، لا سيما مع دولة صديقة.

وكانت واشنطن قد نشرت في يوليو 2004 نص التقرير النهائي للجنة الوطنية حول الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة، وفي تلك الوثيقة تأكيد نهائي بأنه “ليس هناك أي دليل على ضلوع الحكومة السعودية، مؤسسة أو مسؤولين، في تلك الأحداث”.

وكان الرئيسان المشاركان في “لجنة سبتمبر”، حاكم ولاية نيوجيرسي السابق توماس كين وعضو مجلس النواب السابق لي هاميلتون، أعلنا الشهر الماضي أن المحققين انتهوا من العمل على المقدمات الرئيسية لتلك الصفحات ولم يعثروا على أي دليل يورط الرياض، وأن الأمر لا يعدو كونه “مادة أولية لم يتم التحقق منها، وصلت إلى المباحث الفيدرالية، وليست نتائج جازمة مؤكدة”.

ويسخر دبلوماسيون أوروبيون من التلميحات الأميركية القديمة الجديدة بشأن دور ما للرياض في تلك الهجمات، ويعتبرون أن السعودية عانت من ضربات تنظيم القاعدة داخل مدنها إلى حدّ محاولة اغتيال ولي العهد الحالي الأمير محمد بن نايف عندما كان مساعدا لوزير الداخلية عام 2009، وأن السعودية تقود في الداخل والخارج حربا لا هوادة فيها ضد الإرهاب.

وأشاروا إلى أن المملكة لم تنخرط في تاريخها في أي سلوك معاد للغرب، لا سيما ضد الولايات المتحدة، وأن الإشارات الأميركية تكشف عن ارتفاع منسوب التوتر مع الرياض للتغطية على مناخ التقارب الملتبس مع إيران.

ومن الواضح أن توقيت إخراج صفحات 11 سبتمبر مرتبط بشكل أساسي بتغير أسلوب السعودية في إدارة العلاقة مع واشنطن وإخراجها من دائرة التحالف الوحيد إلى تحالف ضمن تحالفات أخرى قوامها تبادل متكافئ للمصالح.

وقال الدبلوماسيون إن هناك قلقا في واشنطن من هذا التوجه السعودي خاصة التقارب مع روسيا ليس فقط من خلال توقيع وعود صفقات اقتصادية وعسكرية، ولكن الرهان عليها كقوة ذات وزن لحل قضايا المنطقة، وهو ما يعني التخلي تدريجيا عن الالتجاء للولايات المتحدة التي تشهد حالة عامة من التراجع في القضايا الدولية.

وبدل تحميل السعودية مسؤولية تراجع دور واشنطن في المنطقة، كان على دوائر التأثير الأميركية المختلفة أن تحمل سياسات أوباما مسؤولية هذا التراجع وتطالب بإصلاح الأخطاء التي أفضت إليها استراتيجيته القائمة على تقريب إيران دون مراعاة تأثير ذلك على العلاقة مع السعودية.

 

العرب