الغموض الذي يحيط بأسباب الحرائق المتكررة في مناطق حيوية من مصر خلال الأيام الأخيرة، دفع الكثيرين إلى صب غضبهم وأحيانا السخرية من النظام، خاصة في ظل صمت الحكومة والجهات المعنية عن تفسير أسباب تلك الحرائق.
عبارة “مصر تحترق” أصبحت عنوان الساعة، فلا يكاد يمر يوم دون أن يستيقظ الرأي العام على حريق جديد، تتنوع خسائره حسب المنطقة التي اندلع فيها وتتفاقم إذا شب في واحدة من المناطق التي تقول وزارة الداخلية إنها عصيّة على الإطفاء بسهولة.
غابت نظرية المؤامرة عن بيانات وتصريحات وزارة الداخلية للمرة الأولى منذ ثورة 30 يونيو 2013، حيث لم تتهم أطرافا محلية أو دولية بالمسؤولية عما يحدث، ما ضاعف من علامات الاستفهام التي بدأت تتزايد مع كل حريق ينشب في مناطق صناعية وتجارية كبرى، خاصة مع تصريح أبوبكر عبدالكريم الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية الذي أكد أن جماعة الإخوان المسلمين ليست وراء تلك الحرائق المتتالية. وما يزيد من الغموض أن الحرائق تنشب في أكثر من مكان في توقيت واحد، مثلما حدث في منطقة العتبة وسط القاهرة، عندما اشتعلت النيران في 245 متجرا في نفس اللحظة، ما دفع إلى الاعتقاد أنه كانت بفعل فاعل.
وألقت أجهزة الأمن القبض على موظفين اتهما بالضلوع في حريق مبنى محافظة القاهرة، وكشفت تقارير أمنية تورط موظفين آخرين في إشعال حريق مبنى مديرية أمن الجيزة مطلع الشهر الجاري، ما قد يفنّد وجود مؤامرة.
حريق القاهرة
تكرار الحوادث وغموض أسبابها دفعا البعض إلى الربط بينها وحريق القاهرة في يناير عام 1952، الذي يعتبر من أبشع ما تعرضت له العاصمة المصرية في القرن العشرين، وأكثر صفحات تاريخها غموضا، وأشدها تأثيرا في مجريات الأحداث. فقد تسببت سلسلة الحرائق التي اندلعت في يناير من ذلك العام على أيدي مجهولين والتهمت نحو 700 محل وسينما وكازينو وفندق ومكتب وناد في شوارع وميادين وسط المدينة بالقاهرة في استقالة حكومة حزب الوفد، كما مهدت لثورة 23 يوليو من نفس العام.
وظل الفاعل مجهولا حتى الآن، لكن هناك من وجّه الاتهام إلى اليهود والإنكليز، وهناك آخرون ألقوا التهمة على سياسيين منهم أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة الاشتراكي وجماعة الإخوان المسلمين.
محمد مصطفى، مالك أحد المحال التي احترقت بمنطقة العتبة، اتهم في تصريحات لـ”العرب” أيادي خفية بتعمد إشعال الحرائق بمنطقة وسط القاهرة لنقل الباعة إلى مكان آخر، تمهيدا لبيع منطقة العتبة إلى أحد المستثمرين، وقال إن غالبية أصحاب المحال يعرفون ذلك جيدا. وأضاف مصطفى أنه شاهد بعض الأشخاص يلقون بمواد شديدة الاشتعال حتى يزيدوا المهمة صعوبة على رجال الإطفاء، الأمر الذي تسبب في استمرار الحرائق لمدة يومين على التوالي، ما يعزز فرضية المؤامرة، خاصة مع تصريح مسؤولين بمحافظة القاهرة عن خطة لإخلاء المنطقة من الباعة. وفي سياق متصل عزز الفحص المبدئي لمعاينة النيابة العامة حريق محال الأقمشة بمنطقة الغورية، في حي الحسين بالقاهرة، شكوك أصحاب المحال التجارية بالمنطقة، حيث أكد الفحص أن الحريق وقع “بفعل فاعل”.
|