عاشت العاصمة العراقية بغداد، الثلاثاء، يوما جديدا من أيامها الدامية، سقط خلاله العشرات من الضحايا بين قتلى وجرحى في سلسلة تفجيرات تبناها تنظيم داعش، معلنا تحدّيه للإجراءات الأمنية المشدّدة داخل المدينة، ومؤكّدا قدرته على اختراقها.
وجاءت تفجيرات الثلاثاء ضمن إحدى أسوأ موجات العنف التي تشهدها العاصمة العراقية ومحيطها، بالتزامن مع أزمة سياسية طاحنة وصراع شرس بين الكتل والشخصيات السياسية التي لم تتوان عن توظيف الوضع الأمني لمهاجمة بعضها بعضا وتبادل الاتهامات بشأن المسؤولية عن ترديه.
وبحسب مراقبين فإن العجز عن حماية عاصمة البلاد رغم ضخامة المقدّرات المادية والبشرية المرصودة لذلك، يمثّل مظهرا من مظاهر الفشل الحكومي المزمن وتغلغل الفساد والاعتبارات الطائفية في مختلف مفاصل الدولة بما في ذلك أجهزتها الأمنية.
وعزا رانج علاء الدين الباحث السياسي في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، تصاعد التفجيرات في المدن العراقية إلى عدم وجود مؤسسات عراقية فاعلة في دولة ضعيفة وفاشلة.
وقال “إن ازدهار داعش في العراق يعود إلى ضعف الحكومة وليس إلى قوّته هو، إضافة إلى التوترات الطائفية والاستقطاب الإقليمي”.
وتوقع ألّا تكون البلاد خالية من داعش في وقت قريب، من دون وجود حكومة عراقية رشيدة تحقق المصالحة بين مكونات المجتمع المنقسم على نفسه.
واعتبر أن إعادة تأهيل المدن العراقية أكثر كلفة وصعوبة من هزيمة داعش نفسه، مؤكدا أن التفجيرات الدامية خلال الأيام الماضية تؤكد أن التنظيم قادر على الاستمرار في ارتكاب الفظائع بالعراق.
ويلتقي كلام علاء الدين مع تحليلات خبراء أمنيين يؤكدون استحالة القضاء على داعش بحرب نظامية، مؤكّدين قدرته على التحوّل بسرعة من قوّة كبيرة مسيطرة على الأرض إلى مجرّد مجموعات صغيرة تنفّذ حرب عصابات وتعمل باستمرار على استنزاف القوات النظامية بهجمات خاطفة، ومواصلة إرهاق الدولة بزعزعة الأمن عبر زرع العبوات وتفخيخ السيارات وخصوصا داخل المدن الكبرى.
وتتخذ الكتل السياسية المتناحرة من مآسي المدنيين العراقيين ورقة في صراعها من أجل المناصب والمكاسب السياسية والمادية. ولم يتوان التيار الصدري، وهو أحد مكونات التحالف الشيعي الحاكم، في اتهام كتلة بدر التي ينتمي إليها وزير الداخلية محمد سالم الغبان، بتسييس العمل الأمني واختيار كوادره وفق اعتبارات حزبية لا باعتماد مقياس الكفاءة.
ومثّل صراع مكونات البيت السياسي الشيعي القائد للعملية السياسية في العراق، والممسك بمقاليد الحكم، فرصة لتنظيم داعش، لتعميق الأزمة القائمة في البلاد على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية، لنقل معركته من الجبهات المشتعلة في الأراضي التي يحتلها بغرب البلاد وشمالها إلى داخل العاصمة بغداد وتخومها، معوضا بذلك خسارته لمساحات من الأراضي العراقية التي كان أقام عليها ما يسميه “خلافة إسلامية”.
وبحسب خبراء الشؤون الأمنية فإن سلسلة التفجيرات التي تضرب بغداد، والتي لم تستثن في وقت سابق محافظات الجنوب المستقرة أمنيا، هي بمثابة “الخطة ب” لتنظيم داعش، والتي تقوم على تحوّله من السيطرة على الأرض على نطاق واسع إلى حرب العصابات الخاطفة والهجمات الانتحارية الرامية لإسقاط أكبر قدر من الضحايا لزعزعة الأمن وشل الاقتصاد المرهق أصلا ونشر الفوضى.
ويفسّر هؤلاء نجاح داعش في اختراق كل الإجراءات الأمنية في مدن يفترض أنها حصينة بما يرصد لتأمينها من وسائل مادية وبشرية مثل بغداد، بأنّ للتنظيم “جيشا” من الخلايا النائمة داخل المدن ذاتها تمكّن من تجنيد أفراده من بين صفوف المظلومين والمهمّشين على أسس طائفية، بمن في ذلك أفراد من الجيش العراقي السابق الذي تمّ حلّه بيد الاحتلال الأميركي، ووجد كثير من منتسبيه أنفسهم في حالة بطالة وموضع اتهام بالتبعية للنظام السابق ولحزب البعث المحظور.
وضربت مدينة بغداد الثلاثاء سلسلة من التفجيرات تسببت في مقتل وإصابة العشرات. وأعلنت مصادر أمنية وطبية وشهود عيان مقتل أكثـر مـن 80 عراقيـا وإصابـة أكثر من 190 آخرين في يـوم دام جديـد بالعـاصمة بغداد.
واستهدفت انفجارات بسيارات مفخخة وأحزمة وعبوات ناسفة أحياء الصدر والشعب والأمين والرشيد والحبيبية واليوسفية ذات الغالبية الشيعية في بغداد، فيما أعلنت القوات الأمنية، وميليشيا سرايا السلام التابعتان للتيار الصدري، تفادي الأسوأ بإحباطها محاولة تفجير انتحاري بحزام ناسف في منطقة الكيارة بحي الصدر وتفكيك سيارة مفخخة مركونة في سوق المصطفى بنفس الحي.
كما اشتعلت الحرائق في مبنى البنك المركزي العراقي ومستشفى اليرموك واستطاعت فرق الدفاع المدني إخمادها دون وقوع ضحايا.
وقالت الحكومة العراقية إن تنظيم داعش “صعّد من جرائمه ضد المواطنين الأبرياء كلما تعرض لهزائم على أرض المواجهة مع القوات العراقية”. أما المجلس الأعلى الإسلامي بقيادة عمار الحكيم، فقد طالب في بيان بإعـادة النظـر في الخطـط الأمنيـة بمنـاطق بغـداد.
وتحسّبا لموجة غضب جماهيري احتجاجا على الفشل الأمني والعجز عن حماية الأرواح، بادر رئيس الوزراء حيدر العبادي، الثلاثاء، بتوقيف المسؤول الأمني المباشر عن المنطقة التي شهدت التفجيرات.
وقال المكتب الإعلامي للعبادي في بيان إن “رئيس الوزراء أمر بتوقيف المسؤول الأمني المباشر عن منطقة التفجير الإرهابي في مدينة الشعب”.
صحيفة العرب