فيما تتواصل القراءات السياسية لنتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظة جبل لبنان، وتستعدّ محافظة الجنوب لانتخاباتها الأحد المقبل، لم يحجب هذا الاستحقاق، على أهمّيته، الاهتمام عن ملفّات الداخل، وفي مقدّمها ملفّ الاستحقاق الرئاسي الذي حضَر بقوّة في قصر الإليزيه بين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والرئيس سعد الحريري، وملفّ الحوار الوطني بين أقطاب الكتل النيابية، والذي يَلتئم اليوم بجلسةٍ جديدة في عين التينة، ويُنتظر أن يتناول ما حقّقته الانتخابات البلدية من نجاحات من شأنها أن تشجّع على إجراء الانتخابات النيابية بعد إقرار قانون انتخابي جديد أو حتى على أساس القانون النافذ، وقبل انتخاب رئيس الجمهورية العتيد أو بعده، ويُنتظر أن يضع راعي الحوار ومديرُه رئيس مجلس النواب نبيه برّي المتحاورين أمام مسؤولياتهم في هذا المجال. على رغم الانشغالات المستمرّة في جولات الاستحقاق البلدي والاختياري، ظلّ ملف قانون العقوبات الأميركية ضد «حزب الله» متصدّراً المشهد السياسي والمالي العام في البلاد.

وكان جديده أمس ما شاع من معلومات عن تلويح حاكم مصرف لبنان بالاستقالة على خلفية الضغوط التي يمارسها حزب الله لمنع التزام المصارف اللبنانية تطبيقَ القانون الأميركي. لكنّ مصادر مصرف لبنان سارعت الى نفي هذه الإشاعات مؤكّدةً استمرار سلامة في تحمّلِ مسؤولياته.

وقد سُجّلت في هذا الإطار جملة من التطوّرات في هذا الملف، كان أبرزها البيان ـ الاقتراح الذي أصدرَه حاكم مصرف لبنان، متضمِّناً نوعاً من التفسير لتعميمه السابق، ويقترح فيه إصدار هيئة التحقيق المصرفية تعميماً ينصّ على إلزام المصارف، وقبل إقفال أيّ حساب، بإحالة الطلب إليها للنظر فيه وإصدار رأيها في مهلة 30 يوماً.

وقالت مصادر متابعة للملفّ لـ«الجمهورية» إنّ بيان سلامة «فتَح ثغرةً أساسية لتسوية حول حسابات «حزب الله» لجهةِ معالجة التداعيات الناجمة من إقفال بعض هذه الحسابات.

ورأت «أنّ الحلّ يَكمن في تحرّك عاجل لحاكم مصرف لبنان بعقدِ جلسة عملٍ طارئة وسريعة مع المسؤولين الأميركيين شارحاً حقيقة الوضع في لبنان، وأنّ نوّاب الحزب انتخبَهم اللبنانيون ويمثّلون ثلثَ الشعب اللبناني، وبالتالي لا يمكن إسقاط هذا التعميم عليهم ووضعُ ثلثِ الشعب اللبناني على لائحة الإرهاب، خصوصاً أنّ الولايات المتحدة الاميركية تنادي دائماً بالديموقراطية وتمثيلِ الشعوب في البرلمانات».

«حزب الله»

وقد لاقى اقتراح سلامة استحساناً لدى حزب الله، من دون أن يعني ذلك أنّه يشكّل حلّاً للقضية. وقالت مصادر مطّلعة على موقف «الحزب» لـ«الجمهورية» إنّ «بيان حاكم مصرف لبنان نعتبره خطوةً إيجابية من شأنها إيجاد ثغرة وتساعد على إيجاد علاج للمشكلة الناشئة».

لكنّ هذه المصادر حرصَت على التذكير مجدّداً برفض الحزب عبرَ بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» القانونَ الأميركي «جملةً وتفصيلاً، لأنّه يؤسّس لحرب إلغاء محلّية يساهم في تأجيجها المصرف المركزي وعددٌ مِن المصارف، فضلاً عن كون التزامه مصادرةً للسيادة اللبنانية النقدية».

وعن تصريح عضو «الكتلة» النائب علي فيّاض الذي اعتبَر أنّ محاولة تطبيق القانون الاميركي ستترك تأثيرات سلبية على الاستقرار في لبنان، وتكون لها تداعياتها السلبية على الوضع اللبناني برُمّته، قالت المصادر نفسُها «إنّ مِن الطبيعي أنّ يعلن الحاج علي هذا الموقف، في الوقت الذي تتّخذ جمعية مصارف لبنان علناً موقفاً متطرّفاً تدعو فيه إلى تطبيق العقوبات الأميركية في حقّ جزء كبير من اللبنانيين».

إلّا أنّ هذه المصادر أكّدت في الوقت نفسه استمرارَ المفاوضات مع وزير المال وجمعية المصارف ومع حاكم مصرف لبنان.

وكان عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله قال «إنّ التعاميمَ التي تصدرُ باسمِ حاكميةِ مصرفِ لبنان تتلاقى مع تعاميم وقراراتٍ أميركية، وإنّ هناك من يحاولُ أن يفرضَ أكثرَ ممّا يريده الأميركيون».

من جهته، نبَّه النائب حسين الموسوي «المؤسّسات المصرفية التي بدأت تستجيب لهذه الإملاءات (القانون الأميركي) إلى مخاطر هذا السلوك»، مُذكّراً «الحكومة اللبنانية بمسؤوليتها عن شعبها وعدم التفرّج على استهداف المقاومة التي حفظت سيادة الدولة ومؤسّساتها بدماء شهدائها وتضحيات أهلها بما ملكوا من الأموال والأنفس».

موقف أميركي

وعلى رغم أنّه لم يصدر حتى الآن أيّ موقف رسمي أميركي حيال ردّةِ فِعل «حزب الله» على القانون، لفتَ أمس موقف للسفارة الأميركية في بيروت، نسَبته وكالة «رويترز» إلى مصادر السفارة، قالت فيه إنّه «بينما لا نزال نتوخّى الحذر في محاولاتنا لعزلِ «حزب الله» عن النظام المصرفي العالمي، فإنّنا سنفعل ذلك بطريقة تحمي الاقتصاد اللبناني والنظام المصرفي قدرَ الإمكان. هذا الأمر لن يستهدف الأبرياء».

كتلة «المستقبل»

في سياق متّصل، استنكرَت كتلة «المستقبل» بعد اجتماعها الأسبوعي أمس، «الموقف الذي صدر عن الكتلة النيابية لـ»حزب الله» والداعي إلى عدم التزام المصارف اللبنانية قواعدَ عملِ النظام المالي العالمي التي تلتزمها جميع دوَل العالم المشاركة في هذا النظام».

واعتبرَت أنّ هذا الموقف «يُعرّض الأمن الاقتصادي والمالي للبنان والمواطنين اللبنانيين، وكذلك أمنَ الاقتصاد اللبناني ونظامه المصرفي ومدّخَرات اللبنانيين للخطر الشديد».

الفراغ في باريس

مِن جهةٍ ثانية، حضرَت أزمة الشغور الرئاسي في اللقاء بين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والرئيس سعد الحريري في قصر الإليزيه أمس.
وأوضَح الحريري بعد اللقاء «أنّ البحث تناول الأمور التي تهمّ لبنان والمنطقة، خصوصاً موضوع الفراغ الرئاسي وموضوع اللاجئين السوريين». وأكّد حِرص هولاند الشديد على إنهاء هذا الفراغ «لأنّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان وصلَ إلى مراحل خطرة جداً».

وإذ أكّد الحريري أن لا مشكلة لديه في لقاء رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، شدّد على وجوب «أن نحدّد هدف اللقاء»، وقال: «في النهاية، نحن لدينا مرشّح رئاسي هو النائب سليمان فرنجية، وفي المقابل نكِنّ للعماد عون كلَّ الاحترام والمحبّة، ولا بدّ من التوصّل إلى انتخاب رئيس للجمهورية.

وأنا كرئيس حزب سياسي هو تيار «المستقبل»، قلتُ أنْ لا مانع لدينا أن يكون للفريق الآخر الأكثرية وينزل إلى مجلس النواب وينتخب العماد عون، فنحن لن نعطّل ولا نعتبر أنّ التعطيل حقّ دستوري. وعليه، فما هو الهدف من اللقاء مع العماد عون؟ هل أن نقتنعَ به كمرشّح رئاسي؟ هناك حلفاء له في الثامن من آذار يجب أن يَبحثوا في ما بينهم للتوصّل إلى الحلّ، وليس أن يتحدّثوا مع سعد الحريري لإقناعه بهذا الحل».

نفيٌ فرنسيّ

وكان السفيرالفرنسي إيمانويل بون قد نفى وجود مشروع لعقدِ مؤتمر دولي حول لبنان. وأوضَح بعد زيارته وزيرَ المال علي حسن خليل «أنّ ما نريد العمل عليه هو ما أعلنَه الرئيس هولاند لدى زيارته لبيروت، وهو عقدُ اجتماع لمجموعة الدعم الدولية للبنان». وأشار إلى أنّ وزير الخارجية جان مارك إيرولت سيزور لبنان للتشاور مع السلطات اللبنانية في الوسائل الفضلى لدعمِه.

وذكّرَ بما قاله هولاند عندما زار لبنان من «أننا نأمل في أن تتمكّن مجموعة الدعم الدولية من أن تجتمع في لبنان، وهذا ما نتمنّاه، وهذه المجموعة هي التي تعمل على الاستقرار والأمن والحلول السياسية للبنان، وليس لدينا طموحات أخرى سوى العمل مع جميع الأفرقاء الدوليين لمساعدته على تثبيت استقراره في مواجهة تداعيات الأزمة السورية، وليتمكّنَ من معالجة مشكلاته الخاصة».

رسالة أميركية

في غضون ذلك تسلّمَ رئيس الحكومة تمّام سلام رسالةً مِن وزير الخارجية الأميركية جون كيري، نَقلها إليه القائم بأعمال السفارة الأميركية في لبنان داني هول لوجود السفير ريتشارد جونز خارج لبنان، وهي تؤكّد التزام الولايات المتحدة مساعدةَ لبنان على التعامل مع وجود أكثر من مليون نازح سوري على أراضيه.

وقال هول: «إلى المساعدات الإنسانية الطارئة، تلتزم الولايات المتحدة دعمَ التنمية في لبنان على المدى الطويل أيضاً». ولفتَ إلى «أنّ الولايات المتحدة تحيّي الجهود التي يبذلها لبنان حتى الآن بالتجاوب مع الأزمة السورية». وأكّد استمرار واشنطن «في «دعم المؤسسات اللبنانية والشعب اللبناني في كلّ خطوةٍ على هذا الطريق».

الإنترنت غير الشرعي

وفي ملفّ الإنترنت غير الشرعي، ومع عودة المدير العام لمؤسّسة «أوجيرو» عبد المنعم يوسف أمس الأوّل إلى بيروت، تبدّلَ كثير من السيناريوهات المتداوَلة، خصوصاً تلك التي رجّحت عدمَ عودته.

حمّود

وأوضَح المدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود أنّه عَلم بعودة يوسف من وسائل الإعلام، وقال لـ»الجمهورية»: «أعتقد أنّ عودته أمرٌ إيجابيّ ينهي الإشاعات والمحاكمات على صفحات الصُحف وشاشات التلفزة التي يبدو أنّ بعضَها لا ينتظر الإجراءات القضائية الواجب اتّخاذُها».

وعن الخطوات المقبلة، أكّد حمود «أنّ هناك إجراءات قضائية لا بدّ منها، لأنّ الملفات المتّصلة بالإنترنت غير الشرعي موزّعة على عدد من المراجع القضائية، والعملُ جارٍ على كلّ المسارات».

ولفتَ إلى أنّه «وفي الوقت الذي تواصِل فيه المباحث الجنائية المركزية عملَها في البحث عن مصدر ووسيلة إدخال المعدّات التي استُخدمت في محطات البثّ والتوزيع الخاصة بشبكة الإنترنت بصورةٍ غير شرعية وبمستندات مزوّرة، يَعمل القضاة في النيابة العامة المالية وقضاة التحقيق في بيروت وجبل لبنان، كلٌّ في ما أحيلَ إليه مِن ملفّات».

وأشار إلى أنّ بعض الموقوفين المدّعى عليهم من غير الموظفين في «أوجيرو»، تَقدّموا عبر محاميهم بدفوعات شكلية إلى قضاة التحقيق في بيروت وجبل لبنان، وهي طلبات تَفتح المجال أمام مهَلٍ قضائية للبتّ بها، رفضاً أو قبولاً، قبل أن تصدر القرارات الإعدادية، وهي مهَلٌ قانونية لا بدّ منها، ويستفيد منها وكلاء الدفاع لبعض الوقت، ولا بدّ مِن استنفادها قبل التقرير في الخطوات المقبلة».

وعن الخطوات المتوقَّعة، قال حمود: «من الطبيعي، وبعد أن تنتهي المهَل القضائية التي تحدّثت عنها، أن يستأنف المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم الذي أحيلَ إليه ملفّ الموظفين في «أوجيرو» بعد نيلِ الإذن بالملاحقة من وزير الاتّصالات بطرس حرب، استجوابَ المدّعى عليهم، وتحديد مواعيد لذلك، للبناء على نتيجتها في القرارات والخطوات التالية، وهذه المواعيد رهنٌ بتجاوز المهَل القضائية التي أشرتُ إليها لتأتي كلّ الخطوات المقبلة في الإطار القانوني والقضائي الصحيح».