شيء ما يشبه الانفجار احدثه الكلام عن المؤتمر الدولي لدى مرجعيات سياسية وروحية. والسبب ان اشارات وردت في وقت سابق الى هذه المرجعيات بأن ثمة جهات خارجية تعمل في هذا الاتجاه.
اما السبب الذي تستند اليه تلك المرجعيات، فهو الرغبة في الالتفاف على سيناريوات حساسة، وبالتالي انقاذ لبنان، وبأي ثمن، من تلك النظرية، وقد لا تكون مجرد نظرية، التي تقول ان لبنان يعيش كل ظروف الحرب الاهلية لان كل الابواب موصدة امام اي حل للازمة.
تقول ايضاً ان البعض في واشنطن، من الفريق الكيسنجري الذي لا بد ان يعود الى حيويته السابقة اذا ما انتخب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، يرى ان تسوية الصراع في سوريا تستلزم تفجير الوضع في لبنان، حتى اذا ما انتقلت النيران، واهلها وزبانيتها اليه، يصبح بالامكان اعادة رسم الخارطة في سوريا وبالشوكة والسكين.
غير ان ما يفهم من الديبلوماسيين الاميركيين، ومن العسكريين الذين يزورون وزارة الدفاع، بعيداً من الضوء، ان ادارة باراك اوباما التي تقرب التقاطع بين التعقيدات المحلية والتعقيدات الاقليمية في الحيلولة دون انجاز الاستحقاق الرئاسي، لا تنصح بالستاتيكو فحسب، بل وتوفر له الحماية اللازمة، وهي التي تعلم ان اي انهيار في الوضع الداخلي ينقل مقاتلي تنظيم «داعش» من سفوح السلسلة الشرقية الى شواطئ شرق البحر الابيض المتوسط.
الكلام عن المؤتمر اعاد الى ذاكرة بعض المرجعيات التي لم تعايش تلك الفترة بطبيعة الحال، لكنها عاشت آثارها وتأثيراتها، سلسلة المؤتمرات الدولية التي اعقبت الحرب العالمية الاولى، من فرساي الى سيفر وسان ريمو ولوزان. المؤثرون كانوا يحملون السكاكين لتقطيع الخرائط او لتقطيع الشعوب، لتبقى المنطقة رهينة منطق القبلية والطائفية.
وكانت قد وردت الى مرجعيات لبنانية معلومات عن اتصالات اجراها قطب لبناني او اكثر مع وكيل الامين العام للامم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان حول امكان تحييد لبنان تحت مظلة الامم المتحدة، وهو المحكوم بقرارات مجلس الامن الدولي 1559 و1701 و1757.
وبحسب ما تسرب من معلومات، فان القطب رأى ان الحل في لبنان لا يمكن ان يكون بتثبيت الصيغة الراهنة، اي بالفديرالية العمودية (توزيع الرئاسات الثلاث طائفياً)، وهي الصيغة التي دأبت على انتاج الازمات.
البديل فيدرالية، او كونفديرالية، افقية، حيث لكل طائفة كانتونها او كانتوناتها الخاصة، وبرعاية دولية دقيقة وفاعلة الى ان يتكيف اللبنانيون، وعلى غرار ما حصل للسويسريين (الذين نشيدهم الوطني يشبه الصلاة) مع الصيغة المستحدثة او المستجلبة.
السفير الفرنسي ايمانويل بون الذي تردد انه اوقظ من نوه صبيحة امس للاستيضاح حول ما ورد على لسانه لجهة المؤتمر الدولي، فكان رده ان «لا مؤتمر تعدّ له فرنسا في شأن لبنانه، وقد حصل سوء فهم في شأن هذا الموضوع». كل ما في الامر انه حصل التباس (ام زلة لسان؟)، اذ ان بون كان يقصد اجتماع مجموعة الدعم الدولية الذي لم يحدد حتى الآن لا مكان ولا موعد انعقاده.
في كل الاحوال، باريس تشهد حراكاً سياسياً وديبلوماسياً في اكثر من اتجاه، ووزير الخارجية جان - مارك ايرولت يزوربيروت في 27 ايار الجاري، دون ان يكون خاوي الوفاض بأي حال، ولكن الى اي مدى يمكن تسويق الافكار التي سيحملها اذا ما اخذت بالاعتبار الحالة البابلية التي يعيشها لبنان، لا سيما مع نتائج الانتخابات البلدية في جبل لبنان والتي اظهرت كيف ان الجميع يلعبون ضد الجميع.
ـ رئيس انقاذي ـ
«الديار» استوضحت ديبلوماسياً اوروبياً حول ما يمكن ان يحمله ايرولت، فكان رده «تبعا لمعلوماتي فان الفرنسيين لا يعتبرون رئيس السنتين رئيساً انتقالياً بل رئيساً انقاذياً».
اضاف: «واذا كان العماد ميشال عون قد اعرب اكثر من مرة عن تأثره بشخصية الجنرال شارل ديغول، فهو يعلم، دون شك، بالدور الانقاذي الذي اضطلع به ودون النظر الى الموقع او الى المدة ما دامت المصلحة العليا لفرنسا تتطلب ذلك».
المرجح بل والمؤكد ان عون هو رئيس السنتين. العرض يأتي في وقت حساس جداً بالنسبة الى رئيس تكتل التغيير والاصلاح الذي قد يضبط اعصابه كثيراً ليبوح بكل ما في صدره وبخفايا ما جرى في معركة جونية...
وهو لا بد ان يكون قد اضطلع على بعض التعليقات او على بعض الآراء التي صدرت عن قيادات سياسية، ومنها ان مقولة «الزعيم الاول» او «الزعيم الاقوى» لم تعد قابلة للتداول.
وهذه القيادات تصف النتائج بنصف انتصار او بنصف انكسار ما يعني ان الجنرال لا يستحق اكثر من نصف او ثلث ولاية، فيما يرد المناصرون بأن عون تمكن من احباط «مؤامرة» داخلية وخارجية عليه لاخراجه من الحلبة السياسية، مع التأكيد بأنه مثلما الجنرال لا يتجزأ فان ولاية رئيس الجمهورية لا يمكن ان تتجزأ ايضاً.
ـ عون: وراء الستار ـ
وفي مداخلة تلفزيونية مساء، خلا كلام عون من اي لمسة دراماتيكية، مغالباً النفس للحيولة دون تأثير معركة جونية على «اعلان النوايا» مع «القوات اللبنانية». وهو تحدث عن اناس «كانوا وراء الستار وليسوا مرئيين، لكننا كنا نرى كيف تدار اللعبة»، ليشير الى وجود «ممثلين محليين» للفريق الذي كان يخطط للانتخابات».
وقال انه لا يعرف ما اذا كان الدكتور سمير جعجع «يلعب اللعبة ام لا»، مستدركاً «لكنني لا اعتقد، اذا كانت له ارتباطات باحد الذين رشحوا على اللائحة ولا يحب ان يتركه.. ليضيف «انا اخوض المعركة بامكاناتي، وهذا سلوكي قبل معركة جونية. وكان يقال لنا اننا نربح المعارك المستحيلة. يمكن ان هذه المعركة كانت مستحيلة لانها لم تكن ضد قوة واحدة بل ضد مجموعة القوى المعارضة للتيار الوطني الحر في كسروان».
وأكد عون ان معركة جونية لن تؤثر في التفاهم القائم مع «القوات اللبنانية»َ لافتا الى انه لو لم يكن عارفاً بأن المعركة ستأخذ ذلك المنحى لما خاضها.
وفي كلام يعني «ان المجلس النيابي يصبح شرعياً اذا انتخبني» قال «لست بحاجة الى الانتخابات البلدية لأكرس نفسي الاقوى عند المسيحيين»، مضيفاً بأان «هذا المجلس اذا كانت هناك تسوية على مستوى الوطن عليه ان يلتزم بالشرعية الحزبية حتى يبدو وكأنه ينال الشرعية في موضوع رئاسة الجمهورية».
الطبق الرئيسي اليوم على طاولة الحوار الوطني المبادرة التي «يشتغل» عليها الرئيس نبيه بري علها تخرج لبنان من عنق الزجاجة، لا داعي للبحث عن باخرة في عرض البحر، ولا للبحث عن عاصمة تستضيف الاطراف اللبنانية «دوحة لبنانية»، ولوحظ ان مصادر رئيس المجلس النيابي لم تستخدم كلمة «سلة»، مع ان مراسلنا في عين التينة محمد بلوط يتحدث عن بنود المبادرة (لا محتويات السلة) من قانون جديد للانتخابات (اولاً؟!) الى انتخاب رئيس للجمهورية، وربما ايضا حكومة وحدة وطنية جديدة في العهد الجديد.
ـ لبننة المكان ـ
ويخشى بري، بعد دعوته الى 40 جلسة انتخابية، طار فيها النصاب، ان يستمر هذا «الوضع المتردي» من فراغ رئاسي وشبه شلل حكومي وبرلماني الى ايار 2017، موعد الانتخابات النيابية. ولهذا كانت مبادرته لايجاد مخارج لكل عناصر، وربما لكل عوامل الازمة.
من البداية، ورئيس المجلس يسعى للبننة الحل، وفي اطاره «لبننة المكان»، اتفاق في بيروت ومن خلال الحوار القائم، وهو لاقى تجاوباً ودعماً للمبادرة بدأ يلمسه اكان ذلك على الصعيد الداخلي ام على الصعيد الخارجي.
وتبعاً لما ينقل عنه فإن بري يعلم ان انتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد هو الافضل، الا ان تجربة السنتين الماضيتين ليست مشجعة، ولا بد من الدخول الى الحلول والتشريع في ذلك من خلال الاتفاق على قانون جديد للانتخابات واختصار ولاية المجلس النيابي، وبالتالي اجراء انتخابات على اساس القانون الجديد، والارجح ان يأتي بخارطة نيابية مختلفة، وباكثرية مختلفة، مع الاخذ بالاعتبار ان 8 و14 اذار فارقا الحياة.
وتلحظ المبادرة تعهد الاطراف خطياً بحصول انتخابات رئاسية بعد ذلك، فتنعقد الجلسة ولينتخب من ينتخب. وهكذا يكون البدء بقانون الانتخاب للوصول الى قصر بعبدا وليس العكس.
الى ذلك، كانت قد ترددت معلومات أن باريس استقبلت البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لاقناعه قبول الطرح الخاص بولاية لسنتين التي يعارضها لأسباب مبدئية، وانه بات معلوما ان ابواب الاليزيه فتحت امام الرئيس سعد الحريري، حيث كان لقاء مع الرئيس فرنسوا هولاند من اجل البحث في امكانية تخلي رئيس تيار المستقبل عن «مبادرته» الخاصة بترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية.
ومن امام الاليزيه تصريح لا يختلف عن اي تصريح من بيت الوسط. تجاهل كلياً الرد على سؤال حول ما اذا كان هولاند قد وعده بأي تحرك لحلحلة الازمة الرئاسية، وما اذا كانت هناك اتصالات تجريها باريس مع طهران والرياض. وقال «موضوع الفراغ الرئاسي واضح، هناك تعطيل حاصل وسببه من «حزب الله» والعماد ميشال عون».
اضاف «هذا امر مؤسف لان البلد وكل اللبنانيين يدفعون ثمنه».
بحسب التصريح لم يكن الرئيس الفرنسي هو من شرح لضيفه المفترض ان يكون معنياً بملء الشغور الرئاسي، بل قال انه هو من شرح «الخطوات التي نقوم بها من اجل وضع حد لهذا الفراغ».
تحدثا في ما يحصل في المنطقة واتفقا ان يبقيا على تواصل «في ما يخص لبنان» ولكن هل كان اللقاء فقط لكي يسمع الحريري من هولاند انه حريص جداً على انهاء الفراغ لان الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان وصل الى مرحلة خطرة جداً؟
وقال رئيس تيار المستقبل الا مشكلة لديه في اللقاء مع عون «ولكن يجب ان نحدد هدف اللقاء في النهاية نحن لدينا مرشح رئاسي هو النائب سليمان فرنجية، ولكن في المقابل للعماد عون كل الاحترام والمحبة».
وسأل «ما الهدف من اللقاء مع العماد عون؟ هل ان تقتنع به كمرشح رئاسي؟ هناك حلفاء له في 8 آذار ويجب ان يتباحثوا فيما بينهم للتوصل الى الحل ان يتحدثوا مع سعد الحريري لاقناعه بهذا الحل».
وان يتحدث الفرنسيون عن «ديبلوماسيات طواحين الهواء» التي تمارسها بلادهم، رأى اكثر من مرجع سياسي ان ما يفهم من كلام الحريري ان الازمة باقية وان الحل في مكان آخر...
ـ جنبلاط يغادر؟ ـ
الوسط السياسي توقف عند كلام النائب وليد جنبلاط الذي قال ان «من نعم القدر ان توضع عباءة آل جنبلاط وبطبيعة الحال، على اكتاف تيمور، ابني، ومعه تبدأ مرحلة جديدة وصفحة جديدة من تاريخ الجبل والدروز ولبنان، لعلها تؤمن الاستمرارية والبقاء، ولم لا السلام ايضا».
العباءة من كتفي الاب الى كتفي الابن «دون عنف». هل يغادر جنبلاط المسرح؟ الاجابة في الايام (ام العقود) المقبلة.
المسألة الخطيرة التي تشغل بال اللبنانيين هي السيف المصلت من وزارة الخزانة الاميركية، وكيفية تطبيق قانون العقوبات على تحويل «حزب الله» مع الخشية من ان يبدأ الضرب العشوائي للمؤسسات والاشخاص.
رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه قال «ان المصارف ستطبق كل القوانين بوعي لحماية المودعين اللبنانيين والشعب اللبناني»، وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة في الخارج للبحث في كل التفاصيل، ولدرء اي خطر او اي تعامل تعسفي، مع فئات لبنانية محددة، ومع اعتبار ان الدورة الاقتصادية والمالية في لبنان عابرة للطوائف وللاحزاب.
وعندما يعود سيدعو رئيس الحكومة تمام سلام الذي اوكل اليه مجلس الوزراء معالجة الملف الى اجتماع تشارك فيه جمعية المصارف لاتخاذ القرارات المناسبة.
وفي هذا السياق، اكد سلامة ان المصارف التي تريد اقفال حسابات مؤسسات او اشخاص لانها تعتبرها مخالفة للقانون الاميركي عليها ان تقدم التبرير لذلك، وعليها ان تنتظر رد هيئة التحقيق الخاصة قبل الاقفال، وان لم يبلغها الرد خلال 30 يوماً تتصرف عندها المصارف على مسؤوليتها.