شكلت زيارة الرئيس سعد الحريري لقصر الاليزيه أمس، بعد أسبوع من زيارة مماثلة للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، مؤشراً بارزاً لتحريك الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مبادرة بلاده في شأن الأزمة الرئاسية في لبنان قبل أسبوع واحد من مرور سنتين على الفراغ الرئاسي. ومع أن معظم الانطباعات والمعطيات السياسية اللبنانية المتصلة بالتحرك الفرنسي يميل الى التشكيك في امكان تحقيقه راهناً ما عجز عنه سابقاً في هذا السياق نظراً الى ضعف الرهانات على أي تبديل محتمل في الموانع الاقليمية التي حالت دوما دون انتخاب رئيس للجمهورية، فان اللقاءين المتعاقبين اللذين عقدهما الرئيس هولاند مع البطريرك الراعي والرئيس الحريري شكلا علامة فارقة بدأت تتعامل معها القوى اللبنانية بجدية على سبيل تقصي الجديد الذي يقف وراء تجديد باريس مساعيها من أجل كسر الازمة. واذا كانت هذه الحركة تسبق الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك ايرولت لبيروت في 27 أيار الجاري لعقد لقاءات مع المسؤولين الرسميين والقيادات السياسية والحزبية فان العامل الأبرز الآخر الذي ارتبط بالمسعى الفرنسي يتمثل في تحرك جديد تجاه ايران والمملكة العربية السعودية.
وأفاد مراسل "النهار" في باريس سمير تويني ان الرئيس هولاند يسعى الى تكوين صورة واضحة عن الوضع الداخلي في لبنان للقيام بتحرك ديبلوماسي من أجل سد الفراغ الرئاسي، وقد يشكل اللقاء الذي سيعقده مع ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الذي سيقوم بزيارة لباريس في نهاية أيار وكذلك محادثاته منتصف حزيران المقبل مع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، محطتين اساسيتين لتكوين تصور واضح عن العقبات التي يجب تجاوزها لانتخاب رئيس للبنان. وأوضحت مصادر ديبلوماسية في باريس لـ"النهار" ان محادثات هولاند والحريري أمس تناولت آخر التطورات المتصلة بملف الانتخابات الرئاسية والسبل الممكنة لوضع حد للفراغ، كما تناولت الاقتراحات التي قدمها البطريرك الماروني الى الرئيس الفرنسي لانجاز هذه الانتخابات في ظل العوائق الداخلية والاقليمية التي تعترضها. لكن المصادر نفسها اعترفت بان الطريق لا تزال غير معبدة الى قصر بعبدا في القريب العاجل وان الامر يحتاج الى مزيد من الجهود والمشاورات.
وبدا لافتاً في كلام الحريري عقب لقائه الرئيس الفرنسي اشارته الى حرص الاخير على انهاء هذا الفراغ "لأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان وصل الى مراحل خطرة للغاية". وأعرب عن اعتقاده أن الانتخابات البلدية والاختيارية "ستشجع كل الافرقاء السياسيين على التفكير جدياً في اجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية". وسئل عن موقفه من اصرار البطريرك الراعي على لقائه العماد ميشال عون، فأجاب الحريري ان "لا مشكل لدي في لقاء العماد عون ولكن يجب ان نحدد هدف اللقاء فنحن لدينا مرشح رئاسي هو النائب سليمان فرنجية ونكن في المقابل كل الاحترام والمحبة للعماد عون وأنا قلت انه لا مانع لدينا ان يكون للفريق الاخر الاكثرية وينزلوا الى مجلس النواب وينتخبوا العماد عون فنحن لن نعطل".
ويشار في سياق التحرك الفرنسي الى ان السفير الفرنسي في بيروت ايمانويل بون سارع أمس الى تصويب ما نقل عنه من تحضيرات تجريها فرنسا لعقد مؤتمر دولي حول الازمة السياسية والدستورية في لبنان. ونفى السفير بون ان يكون هناك مشروع لعقد مؤتمر دولي حول لبنان قائلاً: "ما نريد العمل عليه هو ما أعلنه الرئيس هولاند لدى زيارته لبيروت وهو عقد اجتماع لمجموعة الدعم الدولية للبنان".

قانون الـ60؟
في غضون ذلك، أبلغت مصادر نيابية "النهار" انه من المرجح أن يطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم خلال جلسة الحوار النيابي في عين التينة الدعوة الى الاتفاق على مسار يؤدي الى إجراء الانتخابات النيابية. وفي هذه الدعوة سيقول الرئيس بري إنه في حال عدم الاتفاق على قانون جديد للانتخاب فينبغي عندئذ الذهاب الى الانتخابات على أساس القانون النافذ أي قانون الـ60 الذي يتطلب إدخال تعديلات عليه لجهة عبارة "لمرة واحدة" فضلاً عن تعديل النص المتعلق بتمديد ولاية المجلس. ورأت أن دعوة بري في الحوار النيابي ستتردد أصداؤها في إجتماع اللجان النيابية المشتركة غداً حيث ستتبلور كل الاتجاهات النيابية من هذا الطرح. ولاحظت المصادر ان ما سيقترحه الرئيس بري يأتي قبل أقل من أسبوعيّن من إنتهاء الدورة العادية للمجلس في نهاية الشهر الجاري.

 

الحزب ومصرف لبنان
الى ذلك، علمت "النهار" من مصادر وزارية ان مجلس الوزراء الذي يعقد غدا جلسة عادية بجدول أعمال وزّع أمس، سيسبقه اليوم إجتماعان برئاسة رئيس الوزراء تمام سلام: الاول يضم وزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لمتابعة موضوع العقوبات الاميركية المصرفية في حق "حزب الله" وتعاميم المصرف المركزي حيالها. والاجتماع الثاني للجنة الوزارية المكلفة ملف اللاجئين السوريين. وأعتبرت المصادر ان مصير العدالة الدولية في ضوء تعليق عمل الحكمة الدولية جلساتها أمس في انتظار الحصول على التأكيدات الرسمية لمقتل مصطفى بدر الدين التي طلبتها المحكمة ومصير النقد اللبناني مرتبطان بـ"حزب الله". ولفتت الى ان المواجهة بين المجتمع الدولي و"حزب الله" على المستوى المصرفي لم يبلغ ذروته وما يحصل اليوم هو تشنج داخلي يتركز على الحكومة وعلى مصرف لبنان. وكان حاكم مصرف لبنان أصدر أمس بياناً جديداً تضمن ايضاحات اضافية حول أسباب التزام لبنان القانون الاميركي المطلوب تطبيقه عالمياً وفي لبنان، مؤكداً ان تعميم المصرف في هذا السياق "كان واجباً قانونيا لبنانياً" وربط تأمين الاستقرار التسليفي بتطبيق هذا القانون "وإلا يصبح قطاعنا المصرفي معزولاً عن العالم". واشار الى ان لجنة الرقابة على المصارف ستصدر تعميماً تطبيقياً له صلة بالحسابات المدينة التي توافق على اقفالها وكيفية معالجتها حسابياً ومصرفياً.