بعد التوتر الشديد الذي ساد العلاقة بين «حزب الله» وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على وقع القانون المالي الأميركي الموجّه ضد الحزب، يبدو أن الاتصالات التي جرت في الظل مؤخراً، نجحت في إعطاء فرصة جديدة للطرفين، من أجل السعي الى صياغة مقاربة مشتركة لكيفية التعاطي مع هذا القانون ومراسيمه التطبيقية، بأقل الخسائر الممكنة.
وبرغم أن الحزب سبق له أن أبلغ من يهمّه الأمر في القطاع المصرفي أنه ليس غوغائيا في ردّ فعله، بل يلحظ خصوصية الواقع اللبناني والمناخ الدولي ويتفهم وضع المصارف اللبنانية وحاجتها الى مراعاة العقوبات التي فرضتها واشنطن على الحزب، إلا أنه أكد في الوقت ذاته لجميع المعنيين تحسسه حيال التعرض للسيادة المالية ورفضه تبرع البعض بترجمة متشددة للقانون الاميركي، «خصوصاً أن مضمونه كما محتوى المراسيم التطبيقية يسمحان بأن يكون هناك التزام مرن بهما، لا يرتّب أي تبعات على لبنان».
أكثر من ذلك، تعاطى «حزب الله» مع مبالغات بعض المصارف في تضييق الخناق المالي على الحزب استجابة للطلب الاميركي، «انطلاقا من كونها تشكل تهديداً للميثاقية اللبنانية، ببعدها المالي ـ الاجتماعي الذي لا يقلّ حساسية عن بعدها السياسي ـ الوطني»، وفق ما ينقل العارفون بنمط تفكير الحزب الذي يرى أنه من غير الجائز أن يحظى جزء من اللبنانيين بالأمن المصرفي، بينما يُحرم منه جزء آخر، لأن في ذلك ضرباً للمساواة بين المواطنين.
ويتهم الحزب مصرفاً أساسياً، (معروف لديه بالاسم)، بأنه يؤدي دوراً سلبياً في هذا الملف، ويشكّل رأس حربة في تحريض المصارف على الالتزام المفرط بالقانون الأميركي ومراسيمه التطبيقية.
ويشعر الحزب، كما يؤكد المطلعون على موقفه، بمرارة حيال عدم تنفيذ التفاهم الذي كان قد توصل اليه سابقا مع سلامة، بعد ثلاث جلسات جمعتهما، خصوصا لجهة عدم جواز اقفال أي حساب، او رفض فتح أي حساب، قبل اطلاع هيئة التحقيق الخاصة في المصرف المركزي على الاسباب الموجبة، ونيل موافقتها، الى جانب التأكيد بأن توطين رواتب الوزراء والنواب المنتمين الى الحزب لا يخضع الى قوانين الإرهاب وتبييض الأموال، وما شابه، لأن هذه الرواتب معروفة المصدر.
فوجئ الحزب لاحقا بأن التعميمين اللذين صدرا عن المصرف المركزي يتعارضان مع روحية النقاش الذي جرى معه، فيما كان سلامة يؤكد ان التعميمين يوفقان بين الزامية التقيد بالقانون الاميركي ومراسيمه التطبيقية من جهة، وبين خصوصية الداخل اللبناني وتعقيداته من جهة أخرى.
لكن البيان المرن الذي صدر عن سلامة أمس، أعاد تنشيط المساعي الهادفة الى ايجاد ارضية مشتركة بين الجانبين.
وعلمت «السفير» أن اجتماعا سيعقد بعد ظهر اليوم بين النائب علي فياض والنائب السابق أمين شري عن «حزب الله»، وجمعية المصارف، في مكتب فياض في مجلس النواب، سعيا الى التوافق على مقاربة مشتركة للتحدي المالي الذي فرضته الاجراءات الاميركية.
وسيصارح وفد الحزب جمعية المصارف بالمخاوف التي رتّبها نمط تعاملها مع القانون الاميركي ومراسيمه التطبيقية، وسيتداول معها ببعض الافكار الهادفة الى معالجة سليمة لهذا الملف، كما سيدعوها الى تحمل مسؤولياتها في حماية الاستقرار الاجتماعي وعدم الايغال في اتخاذ تدابير مالية مجحفة بحق مواطنين لبنانيين.
والتقى وزير المال علي حسن خليل أمس وفدا من جمعية المصارف برئاسة جوزف طربيه الذي قال ردا على سؤال حول التعاميم التي أصدرها حاكم مصرف لبنان وبدء بعض المصارف بتطبيقها على أفراد في «حزب الله»: بدأت المصارف بالتطبيق، باعتبار أن هذه التعاميم صادرة حديثاً وهي تحت سقف القانون الذي صدر، ونحن كلنا نعمل تحت سلطة الدولة اللبنانية وبإشرافها وبموجب القوانين الصادرة عن المجلس النيابي.
وأضاف: نحن نطبّق قوانين لبنانية ونعمل ضمن إطار قوانين عالمية تطبق على كل المصارف في العالم، بما فيها مصارفنا العاملة في لبنان، والعاملة أيضاً في 33 بلداً خارج لبنان.
الكرة في ملعب المصارف؟
وذكرت أوساط سياسية مطلعة على موقف «حزب الله»، أن الحزب يعتبر ان الكرة اصبحت في ملعب المصارف بعد البيان الصادر عن سلامة، والذي يشدد فيه على وجوب مراجعة هيئة التحقيق الخاصة في المصرف المركزي قبل ان يبادر أي مصرف الى اقفال أي حساب.
واشارت الاوساط الى ان المصارف تبدو في هذه اللحظة امام خيارين، فإما ان تتقيد بما صدر عن سلامة البارحة، وإما ان تواصل الاجتهاد في تفسير القانون الاميركي ومراسيمه التطبيقية وبالتالي تتعاطى باستنسابية ومزاجية مع شريحة واسعة من اللبنانيين، وعندها تصبح في مواجهة مباشرة مع «حزب الله» من جهة ومع المصرف المركزي من جهة أخرى.
وأكدت الاوساط ان المصارف مدعوة الى الالتزام بما ورد في بيان سلامة، معربة عن خشيتها من ان يلجأ بعضها الى التنصل من الضوابط التي حددها حاكم المصرف المركزي، علما انها يجب ان تكون ملزمة بمراعاة هذه الضوابط، باعتبار ان المصرف المركزي هو المعني بضبط السياسة النقدية وسلوك المصارف.
الى ذلك، أبلغت مصادر وزارية «السفير» ان المطلوب من المصارف ان تكون اكثر واقعية في التعامل مع القانون الاميركي ومراسيمه التطبيقية، لافتة الانتباه الى ان بعضها يذهب بعيدا في التنفيذ، وحتى أبعد مما تريده واشنطن.
واعتبرت المصادر انه لا يوجد مبرر لحالة الرعب التي تتحكم بقرارات العديد من المصارف، مشيرة الى ان موقف حاكم مصرف لبنان الجديد يشكل تطورا ايجابيا في اتجاه ضبط إيقاع المصارف واحتواء التوتر الاخير مع «حزب الله».
ولفتت المصادر الوزارية الانتباه الى انه لا يجوز، تحت وطأة الاستنسابية والمزاجية، تعريض مصالح آلاف من اللبنانيين الى الخطر المصرفي، فقط لان صلات عمل تربطهم مع مؤسسات صحية وتربوية واجتماعية وحقوقية تابعة للحزب، من دون ان يكونوا هم أعضاء فيه.
ودخلت السفارة الأميركية في بيروت، على خط الازمة، إذ نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول في السفارة قوله: بينما لا نزال نتوخى الحذر في محاولاتنا لعزل «حزب الله» عن النظام المصرفي العالمي، فإننا سنفعل ذلك بطريقة تحمي الاقتصاد اللبناني والنظام المصرفي قدر الإمكان، وهذا الأمر لن يستهدف الأبرياء.
سلامة
وكان سلامة قد اعتبر في بيان صدر عنه أمس، أن القانون الصادر في الولايات المتحدة هو قانون أميركي مطلوب تطبيقه عالمياً وفي لبنان، وبالتالي فإن التعميم رقم 137 الصادر عن مصرف لبنان بتاريخ 3 أيار 2016 كان واجباً قانونياً لبنانياً، ولو لم نفعل ذلك، لكان بإمكان المصارف المراسلة تطبيق سياسة التقليص من المخاطر (de-risking) ، فيصبح قطاعنا المصرفي معزولاً عن العالم.
وأوضح انه خلال الاجتماع الأخير لهيئة التحقيق الخاصة (التابعة للمصرف المركزي)، تم التوافق على المبادئ الأساسية التي سنتابع بموجبها، ومن خلال هذه الهيئة، تصرفات المصارف مع زبائنها بخصوص تطبيق تعميم مصرف لبنان رقم 137، مشيرا الى ان تلك المبادئ هي:
باستثناء الحسابات العائدة لأشخاص أو مؤسسات مدرجة أسماؤهم على اللائحة السوداء الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الخارجية في وزارة الخزانة الأميركية « OFAC».
(a) على المصارف التي تريد إقفال حسابات مؤسسات أو أشخاص لأنها تعتبرها مخالفة للقانون الأميركي أن تقدم التبرير لذلك قبل إقفال الحساب.
(b) يجب أن يتضمن التبرير حركة الحساب (الوتيرة/الحجم).
(c) على المصرف أن ينتظر ردّا من هيئة التحقيق الخاصة قبل إقفال الحساب، وإن لم يبلغه الردّ خلال 30 يوماً، يتصرّف عندها المصرف على مسؤوليته.
(d) يمكن للمصارف ولهيئة التحقيق الخاصة طرح الموضوع على الهيئة المصرفية العليا إن اقتضت الحاجة، علماً أن قرارات هذه الهيئة غير قابلة للمراجعة وفقاً للقانون اللبناني.
وكشف عن أن إقرار هذه المبادئ وتحويلها إلى تعميم صادر عن هيئة التحقيق الخاصة، سيتم في أقرب وقت، مع مفعول رجعي مطابق لتاريخ إصدار تعميم مصرف لبنان.
كما ستقوم لجنة الرقابة على المصارف بإصدار تعميم تطبيقي له صلة بالحسابات المدينة التي توافق على إقفالها وكيفية معالجتها حسابياً ومصرفياً.
وشدد سلامة على أنّ «الموضوع الذي نواجهه هو موضوع جدّي ويقتضي التعاطي معه بمسؤولية ومهنية وضمن نطاق القانون اللبناني، وهذا ما نفعله من أجل مصلحة لبنان واقتصاده ومن أجل اللبنانيين وادّخاراتهم».