قدم وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل مداخلة، في اجتماع المجموعة الدولية لدعم سوريا المنعقد اليوم في فيينا، قال فيها: “اندلع الصراع الدموي في سوريا في وقت كان لبنان يشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي المزمن. غني عن القول أن الأحداث في سوريا أدت إلى تفاقم عدم الاستقرار من خلال نشر الإرهاب، والنزوح الكثيف للاجئين والمهاجرين، وتصعيد التوترات الطائفية. ورغم ذلك، نجحنا في مواجهة هذه التحديات الجديدة الطارئة والرهيبة. ولكن إلى متى؟”.
وتابع: “منذ الاجتماع الأخير لمجموعتنا، بقي الوضع الأمني في لبنان على حاله حيث تجابه قواتنا المسلحة بلا هوادة التنظيمات الإرهابية مثل “داعش” و”جبهة النصرة” على حدودنا الشرقية، مع استمرار الدعم من الدول الصديقة. ومع ذلك، فإن قدرة لبنان على التحمل تنوء تحت ضغوط كبيرة بسبب الإقامة الطويلة لأكثر من مليون ونصف نازح سوري على أراضينا”.
اضاف: “نتابع عن كثب التطورات الميدانية في سوريا، فضلا عن تقدم عمل فريقي العمل في جنيف المسؤولين عن وقف إطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية. ورغم العوائق هنا وهناك والانتهاكات المتفرقة، إلا أننا نرى من واجبنا في إطار هذا الاجتماع لمجموعة الدعم الدولية لسوريا بذل كل الجهود من أجل إبقاء العملية الحالية على المسار الصحيح، لعدم توفر أي بديل أفضل منها في الوقت الحاضر. ونأمل أن لا تثبط العوائق الميدانية من عزيمة مجموعتنا، وأن نحترم جميعا التزاماتنا السابقة، خصوصا ما يتعلق منها بالحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا اللا طائفية”.
وقال: “تحقيقا لهذه الغاية، يود لبنان التأكيد على ما يلي:
– وحده لبنان المستقر قادر على المساهمة بشكل إيجابي في تحقيق سلام دائم في سوريا. إن لبنان الضعيف أو المثقل بالصراعات سوف يعقد العملية الحالية.
– إن الاستقرار الذي نسعى إلى تحقيقه وصونه يقوم على ثلاث ركائز: تحسين كفاءة قواتنا المسلحة ومهنيتها. هدفنا هو اقتلاع الإرهاب من المنطقة لمنعه من الانتقال من مكان إلى آخر.
– إعادة إطلاق نظامنا السياسي على أساس أسلم: لبنان يجري لبنان انتخابات محلية تؤكد تمسكنا بالديموقراطية ونتطلع إلى إجراء انتخابات رئاسية في المستقبل القريب من شأنها أن تلبي تطلعات الشعب اللبناني، في محاولة لتعزيز مؤسساتنا الديموقراطية.
– الحد من التدخل في شؤوننا الداخلية، فلبنان لا يمكن أن يصبح ورقة مساومة في يد القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في المعركة الإستراتيجية في الشرق الأوسط.
ودعا جميع المعنيين إلى معالجة الأسباب الجذرية لأزمة اللاجئين، وأن يكونوا على علم تام بتداعياتها الخطيرة على المجتمعات المضيفة. وقال: “نشعر بالقلق إزاء بعض المقترحات أو الأفكار الأخيرة الصادرة عن المجتمع الدولي في إطار التعامل مع التدفق الجماعي للمهاجرين إلى الدول الأوروبية المجاورة لنا. مثلا:
أ-قدم رئيس وزراء إيطاليا ورقة غير رسمية دعا فيها إلى إبقاء اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة، ودعم تلك البلدان من أجل تجنب الهجرة نحو أوروبا.
ب-مشروع بيان الولايات المتحدة الأميركية الذي تم توزيعه على هامش مؤتمر القمة العالمية الإنسانية والذي يدعو إلى أخذ مبادرات ترمي إلى تمكين اللاجئين من البقاء على مقربة من ديارهم، رابطا عودتهم إلى وطنهم بمعايير ذاتية دون حدود زمنية.
ج-التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة الذي نشر استباقا للاجتماع الرفيع المزمع عقده في نيويورك في 19/9/2016 والذي يؤكد ضرورة إدماج المهاجرين والنازحين اجتماعيا في البلدان المضيفة، ويدعو إلى منحهم في نهاية المطاف جنسية البلدان التي فروا إليها. إن مثل هذه التصريحات تؤكد شكوكنا وتذكي مخاوف عميقة في لبنان.
وأشار الى ان “لبنان يمر بأوقات عصيبة للغاية ويحمل عبئا استثنائيا يتطلب مساعدة استثنائية”. وقال: “إن الوقت غير مؤات على الإطلاق بالنسبة لنا لإرغامنا على الاقتراض من الأسواق المالية للابقاء على وجود طال أمده للنازحين السوريين في أراضينا. على العكس من ذلك، فإننا نتوقع من المجتمع الدولي مساعدتنا من خلال المنح والتبرعات والدعم غير المشروط المالي وغير المالي”.
واكد “ان العلاجات التقليدية والحلول المعلبة غير قابلة للتطبيق على بلادنا لناحية التعامل مع النزوح الحالي الكثيف للاجئين”، وقال: “إن هذه الظاهرة الضخمة لا يمكن حصرها ضمن حدودنا الجغرافية وسوف تمتد حتما الى أوروبا المجاورة وإلى بقية العالم كذلك الأمر”، مشيرا الى “إن زيادة عدد السكان المقيمين في لبنان بمقدار الثلث تركت تأثيرا سلبيا كبيرا على مختلف القطاعات (أمنيا: تصاعد التوتر؛ اقتصاديا: عام 2015 بلغت التكاليف المباشرة وغير المباشرة 5.3 مليار دولار، ومنذ عام 2011، تجاوزت التكاليف الإجمالية 13 مليون دولار؛ اجتماعيا: التوازن الديموغرافي البالغ الدقة في البلاد في خطر).
وختم: “مرة اخرى، نكرر تأكيدنا على أن الحل الدائم والوحيد لأزمة اللاجئين يكمن في رأينا في عودتهم الآمنة إلى وطنهم حيث أن: دستورنا يحظر التوطين، وتبقى الجهود المبذولة لإعادة التوطين حلا جزئيا قد يكون دائما في بعض الحالات ولكن بالتأكيد ليس في ما يتعلق بمجمل الوضع. ان ترك لبنان يتخبط في مثل هذه الحالة من الفوضى سيزيد من الضغوط على استقراره. وإذا كان الحل السياسي في سوريا الذي يدعو إليه المجتمع الدولي لا يشمل قضية اللاجئين وخصوصا قضية النازحين السوريين إلى لبنان، فإننا نحذر المجتمع الدولي من أنه سيواجه حرائق متتالية سيكون من المستحيل إطفاؤها وأنه سيكون كمن يخمد بركانا في سوريا ليوقظ بركانا آخر في لبنان”.