بالرغم من أن لبنان لم يصبه بركان الربيع العربي الذي ضرب العديد من الدول العربية وادخلها في آتون حروب أهلية، إلا أنه وقع أسيرا لصراعات إقليمية، جعلت من الأزمات والمشاكل التي يعاني منها عصية على الحلول، وتركت اللبنانيين يعيشون في محاذير الأخطار القادمة التي قد يتعرضون لها وتحت تأثير الكوابيس المرعبة مما قد ينتظرهم من فتن وويلات.
والخطورة تكمن في أن القوى السياسية الحاكمة تعلق حل كافة الأزمات التي يعاني منها البلد ابتداءا من الشغور الرئاسي إلى أزمة النفايات مرورا بكافة القضايا والمشاكل الأخرى على شماعة الآخرين، مستخدمة هذه الذريعة لتبرير فشلها في إدارة شؤون البلاد والهروب من تحمل المسؤولية وشرعنة الشلل الحكومي وتعطيل المجلس النيابي وكافة الاجهزة العسكرية والأمنية والقضائية والإدارية، وتعويد المواطن اللبناني على العيش تحت وطأة المعاناة والمأساة والعلاج بمسكنات مرحلية مؤقته.
والهائه ببعض الفتات من التقديمات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وهذا يشير على حجة العاجز والاستسلام للمقادير، وشلل العقول قبل الأجساد، مع غياب واضح للروح الوطنية والانتماء للوطن مع التعذر للالتفاف حول مشروع وطني يجمع اللبنانيين على كافة تلاوينهم وانتماءاتهم.
ويؤكد على تغليب للغرائز الطائفية والمذهبية والعصبيات والانانيات والمصالح الشخصية والمحاصصة ضمن الفساد المستشري في مغارة علي بابا والأربعين حرامي او في مزارع الدويلات والكانتونات الدينية.
وعليه فلا يبدو أن هناك مبادرات جدية تجمع اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم، ولا جهود جدية لنزع فتيل التوتر ولا مشاريع خلاقة وناجعة لوقف التدهور في الأوضاع الأمنية والمعيشية.
والسؤال الكبير هو أنه لو سلمنا جدلا ان عوامل الصراع الإقليمي والدولي تطغى على إرادة القوى السياسية الحاكمة وتمنعهم من إتخاذ قرارات كبيرة ومصيرية لحل ازماتهم.
فما هو المبرر لعدم قيام المسؤولين بخطوات لتحسين الظروف المعيشية وحل المشاكل اليومية التي يعاني منها الشعب اللبناني على كافة الأراضي من الشمال إلى ألجنوب إلى البقاع مرورا بالجبل وبالعاصمة بيروت، ومن بينها كارثة النفايات التي مضى على وجودها ما يقارب السنة وحتى اليوم لم يتم إيجاد حل حاسم لها بل على العكس فإنهم يبشرونتا بأنها ستتكرر قريبا لتنشر المزيد من الأمراض؟
وما الذي يمنع المجلس النيابي من الانعقاد وممارسة مهمته في التشريع لإيجاد حلول لأزمات لا تحتاج إلا إلى خطوات سريعة وحاسمة مثل مشكلة الكهرباء والتخفيف من التقنين الذي يتجاوز في بعض المناطق أكثر من 12 ساعة، ومشاكل الازدحام والحوادث وتثبيت دعائم الأمان في العديد من المناطق اللبنانية التي تعاني بإستمرار من خلل في الإستقرار الأمني، ووضع حد لمسلسل الجرائم والخطف والسرقات؟
وحتى في مسألة انتخاب رئيس للجمهورية فإن الذرائع والتبريرات وتبادل الاتهامات حول الأسباب التي تقف وراء التعطيل جعلت من لبنان مادة للسخرية والاستغراب لأنه لا يوجد بلد في العالم وحتى في مجاهل أفريقيا لم يتمكن من انتخاب رئيس بعد مرور سنتين على الفراغ الرئاسي.
مشكلة اللبنانيين لا تكمن في الأزمة بين السعودية وإيران ولا في التنافس الأميركي الروسي في سوريا، وإنما تكمن في غياب المحاسبة، والهروب من تحمل المسؤولية، ورفض التضحية بالذات وتقديم المصالح الشخصية والحزبية على مصالح الوطن والمواطن...