فتحت الانتخابات البلدية والاختيارية في مرحلتها الثانية في محافظة جبل لبنان، الباب على مرحلة من التقويم والمراجعة لدلالات نتائجها وانعكاساتها على أي انتخابات نيابية مقبلة، على رغم أن مقاييس الحسابات في الاستحقاق البلدي تختلف عن تلك التي تحكم المنافسة النيابية.
فقد حولت القوى السياسية المسيحية هذه الانتخابات إلى اختبار للتحالفات والأحجام، مما رفع نسبة الاقتراع إلى 56 في المئة (فاقت أحياناً الـ60 في المئة) في المحافظة الأكبر من حيث عدد المجالس البلدية (زهاء 324 بلدية) والتي تضم أكبر عدد من الناخبين المسيحيين في لبنان، ما غلّب الطابع السياسي على العامل العائلي. وشكلت مدينة جونية في قضاء كسروان أبرز الاختبارات، حيث استعاد زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون أرجحيته إزاء منافسيه بفوز غالبية اللائحة التي دعمها،على رغم افتراقه عن «حليفه الجديد» حزب «القوات اللبنانية»، الذي تعاون معه في قرى وبلدات، نجحا في بعضها وأخفقا في بعضها الآخر، فيما تنافسا في غيرها في تحالفات متعارضة. وهو أمر جعل صمود «إعلان النيات» بينهما في حزيران (يونيو) الماضي، على المحك.
واستنهض عون مناصريه لمصلحة اللائحة التي ساندها بالتحالف مع حزبي «الكتائب» و»الوطنيين الأحرار» في جونية بعدما أعطى بعض منافسيه (من «القوات» والعائلات ونواب سابقين) المعركة بعداً رئاسياً أرادوا منه تجريده من أرجحية التمثيل المسيحي في جونية كونها «عرين الموارنة»، فحصدت لائحته 14 عضواً، من أصل 18، لكن بفارق ضئيل من الأصوات، وحاز منافسوه 4 مقاعد. إلا أن التنافس بين التيار العوني و»القوات» في قضاء بعبدا أدى إلى تفوق الأول بفارق أكبر، لا سيما في الحدث، فيما لم يحل تحالفهما في بعض قرى المتن الشمالي دون خسارتهما، كما في بلدية سن الفيل (بفارق كبير)، في وجه تحالف نائب رئيس الحكومة السابق ميشال المر و»الكتائب» و «الوطنيين الأحرار». وكانت الحال نفسها في بلدات أخرى مهمة مثل أنطلياس وضبيه وجل الديب وبكفيا. وشابت حملة «التيار الحر» الانتخابية في المتن خلافات بين النائبين إبراهيم كنعان ونبيل نقولا (وكلاهما من التيار)، فأيد كل منهما لوائح متعارضة. وتمكن التحالف من النجاح في بضع قرى صغيرة بعدما نجح المر في ضمان التزكية للوائح جمع فيها العائلات والأحزاب (21 بلدية في المتن الشمالي). كما سجل تحالف الأحزاب المسيحية حضوراً في بلديات مسيحية في عاليه والشوف. واستطاع حزب الكتائب، مع العائلات، أن يفوز بعدد من البلديات في كسروان والمتن.
وحصد تحالف عون مع «القوات» الأكثرية (12 عضواً) في مجلس بلدية دير القمر عرين الشمعونيين، في مواجهة لائحة النائب دوري شمعون والوزير السابق ناجي البستاني و»الكتائب» التي فازت بـ6 مقاعد.
وفيما تقر مصادر قريبة من عون بأن علاقاته مع «القوات» تحتاج إلى لملمة شظاياها، بفعل خلط الأوراق الذي حصل، فإن مصادر سياسية ترى أن الحصيلة تتطلب مراجعة الحسابات لمدى أرجحية تمثيل تحالفهما مسيحياً، لأن ظاهرة إحجام الناخبين عما ترغب به الأحزاب تكررت في الجبل بعد بيروت.
وأظهرت نتائج أقضية جبل لبنان الجنوبي المختلط مفارقات أيضاً في العلاقة بين تيار «المستقبل» والحزب «التقدمي الاشتراكي» اللذين تنافسا في إقليم الخروب على رغم قرار الأول ترك الحرية لناخبيه وللعائلات في تشكيل لوائحها، فانتهى الأمر إلى تنافس مناصريهما الذين تناوبوا، بحسب البلدات، على التحالف مع «الجماعة الإسلامية». وفاز أحد المنتمين إلى جماعة سلفية بمقعد في بلدة كترمايا.
أما في القرى الدرزية فقد ترك «الاشتراكي» الأمر للعائلات أساساً، ما أدى إلى توزع المحازبين على لوائح متقابلة. وفي بلديات ضاحية بيروت الجنوبية فاز تحالف حركة «أمل» و»حزب الله» لكن تحالف العائلات وقوى معارضة لهما تمكن من حصد نسبة عالية من الأصوات في برج البراجنة.