ليلة سقوط الاقنعة، او ليلة سقوط الوجوه، اي رأس، اي رؤوس كان مخططاً لها أن تسقط في تلك الليلة؟
كل ما في الأمر، انها الاسئلة التي خرجت من الصناديق بالتزامن مع خروج النتائج، الدكتور سمير جعجع قال «لا بلدية، ولا اي شيء آخر، يهز دعمنا للعماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية».
غير ان متابعين للاتصالات، وللقاءات البعيدة من الضوء، وللايعازات الخارجية والداخلية، تؤكد ان ثمة من خطط، وبمنتهى الدقة والفاعلية، لينفذ قراراً ما لا يتصور أحد انه هبط من المريخ «مطلوب رأس الجنرال هذه الليلة».
«الديار» تنقل بعض ما قيل ويقال، على مَن تضحك الاحزاب حين تقول ان المعركة او المعارك انمائية وعائلية، وموشاة بالسياسة، هي سياسية بامتياز، وقبل ان يحاول كل زعيم حزب تأكيد وزنه، وحجمه، وعلى طريقة عارضات الأزياء، كان همه تدمير الآخر، او الآخرين، بأوراق الاقتراع ما دام يتعذر تدميرهم بوسائل أخرى.
ثمة سؤال آخر: هل كان مطلوباً اسقاط رأس الجنرال أم ترك رأسه عالقاً على كتفيه بذلك العدد القليل من الأصوات، الذي جعل الفوز خجولاً بل ومخجلاً؟
الطريف ان يكون هناك من يؤكد ان قوى اقليمية، وربما دولية، تدخلت في الحرب ضد رئيس تكتل التغيير والاصلاح (لا ريب ان الكلمات التي نقلت عن الوزير السابق سليم جريصاتي تعكس الكثير من واقع الحال)، تدخل اقليمي ودولي في الانتخابات البلدية؟
ويقال «أليس الدكتور سمير جعجع، وهو السياسي المحنك، واللاعب البارع، يعرف ماذا تعني معركة جونيه بالنسبة الى حليفه ليس في ما يتعلق بوضعه المسيحي، ولا في ما يتعلق برئاسة الجمهورية وانما في ما يتعلق بوجوده السياسي؟»
الجنرال الذي طالما الصقت به تهمة شن حروب الالغاء تعرض لحرب الغاء في أكثر المواقع حساسية، وان قال نائب سابق «كل ما نفعله اننا نمارس حقنا في طرده من كسروان التي هي، في واقع الحال، محتلة من قبل الجنرال».
لا تجدي كل محاولات الالتفاف او الهروب الى الأمام، النائب حكمت ديب قال بالفم الملآن «يريدون التخلص من الزعيم الأول للمسيحيين». هذا وصف يظل أقل وطأة من وصف النائبين عاطف مجدلاني وسيرج طورسركيسيان للرئيس سعد الحريري بـ«الزعيم الأوحد» ليس داخل الطائفة السنية وانما على امتداد لبنان.
لو ان الديكتاتورية، وعدوى الالقاب التوتاليتارية، انتقلت الى لبنان، ثمة زعيم أول، وزعيم أوحد، دولة الديكتاتوريات المتحدة، هكذا وصف لبنان الانكليزي ديفيد هيرست...
على امتداد تلك الليلة تبادل زعماء سياسيون القهقهات والتعازي في آن «العوض بسلامتكم الجنرال»، تلك الحفنة القليلة، القليلة جداً، من الاصوات، هل حقاً انها انقذت الموقف؟
في الوسط السياسي «سقطت اسطورة الرجل الاقوى لدى المسيحيين»، ومهما حاول جهابذة الكلام الببغائي ان يغيروا في الصورة، وقيل انه تم استفزاز عون في منطقة لا يوجد فيها لحليفه الاستراتيجي «حزب الله» موطئ قدم واحدة لا موطئ قدمين.
البعض كان حذراً، اذا اسقطنا عون كلياً، ونهائياً، من يضمن ألا يختل الوضعان الأمني والسياسي على نحو دراماتيكي، قناعة البعض ان عون مستهدف لسببين، انه رجل عصي على الترويض الداخلي والخارجي، ثم انه حليف «حزب الله» الذي يؤمن له التغطية السياسية.
«حزب الله» الحليف الاستراتيجي، و«القوات اللبنانية» حليف تكتيكي، ثمة خلل صارخ في الصورة اذا ما علمنا كيف تهاجم «القوات اللبنانية» الحزب على مدار الساعة وتنعته بأشد النعوت، وفي الوقت نفسه هي على تفاهم يرقى الى حدود التحالف، مع الجنرال.
ـ خارطة الطريق الى القصر ـ
يقول وزير بارز «هذه صفحة لا تطوى». خارطة الطريق الى القصر الجمهوري تغيرت، ما المقصود بكل ما يتردد وراء الضوء حول تغير في موقع رئيس تكتل التغيير والاصلاح داخل السباق الى الرئاسة؟
وتعقيباً على تساؤل «الديار» عما اذا كان هناك من استدرج عون الى معركة جونيه لكي يدفعه الى خارج المعادلة الرئاسية، اتصل مسؤول في التيار ليوضح ان «الطرف الآخر» خطط لتوظيف فوزه في الانتخابات البلدية سياسياً ونيابياً، وهناك معطيات موثقة تؤكد ذلك، وكان على الجنرال ان يدخل المعركة اياً كان الثمن لاحباط ذلك السيناريو.
المسؤول يضيف «ان كل الأسلحة استخدمت ضد التيار، ودون ان ننكر لحظة واحدة ما هو وضع السيد نعمة افرام في المدينة، أو في المنطقة، ونحن نتفهم هذا، ولكن من الواضح ان أموراً كثيرة حصلت لتحويل المعركة البلدية الى حرب ضد الجنرال شخصياً وسياسياً.
وفي اوساط التيار «اي جدوى للتحالف مع «القوات» اذ لم يعبر عن نفسه في هذه المحطة الاستراتيجية» وليس فقط في بلدات وقرى ليس للمعارك فيها اي دوي او اي تأثير سياسي.
للدامور رمزيتها الخاصة، وعذاباتها الخاصة، لا تحالف بين التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية»، البعض تحدث عن «تحالف الزوايا».
ـ كأس الهزيمة وكأس الويسكي ـ
في دير القمر، لا سبيل امام النائب دوري شمعون الا ان يحتسي كأس الهزيمة كما لو انه يحتسي كأساً من الويسكي. هذا رأي عضو عتيق في حزب الوطنيين الاحرار، ويعترف بأن الدنيا تبدلت «لا دوري شمعون هو كميل شمعون ولا كارلوس اده هو ريمون اده».
يضيف «من زمان والريس دوري من دون اي دور سياسي».
في الشويفات تنفس الامير طلال ارسلان الصعداء. وصف المعركة في المدينة ب«الكبرى»، من غير الواقعي القول ان النائب وليد جنبلاط يريد اجتثاث رئيس الحزب الديموقراطي من الخارطة السياسية للطائفة. البعض حاول تحويل المعركة الى جنبلاطية ويزبكية على طريقة قيسية ويمنية. للمير طلال مكانته الخاصة...
هل انتهى تيار المستقبل في اقليم الخروب؟ الحريريون الموجودون حالياً هم جماعة رفيق الحريري لا جماعة سعد الحريري. كلام يقال علناً. هؤلاء تعاطوا مع «الجماعة الاسلامية» التي تحاول قدر المستطاع ان تظهر بوجهها اللبناني هادئة ومنفتحة، ولا تستطيع ان تكون في صدام مع تيار المستقبل في بيروت ولا في صيدا.
المراقبون يقفزون فوق الاحد المقبل، وحيث انتخابات الجنوب التي ستكون روتينية الى حد بعيد. في صيدا، يخوض رئيس التنظيم الشعبي الناصري المعركة، بلائحة يرأسها بلال شعبان، لاثبات الوجود. الاسلاميون الراديكاليون وبقايا انصار الشيخ احمد الاسير لهم لائحتهم غير المكتملة. رهان على «الزوايا المعتمة» في صيدا القديمة. في كل الاحوال، لا احد تقريباً ضد رئيس البلدية الحالي محمد السعودي. الكل يقر بانجازاته.
هناك فرعية جزين في اليوم نفسه. امل حكمت ابو زيد يكاد يفوز بالتزكية..
ـ ميقاتي سيد اللعبة ـ
النظر يذهب شمالاً، نجيب ميقاتي هو سيد اللعبة في طرابلس. لم يكن امام الحريري الا ان يأخذ بمرشحه للرئاسة عزام عويضة. مخاوف لدى بعض نواب تيار المستقبل من ان تكون الانتخابات البلدية في الفيحاء، وحيث تتم هندسة اللائحة بمفهوم مختلف، ديناميكي وشامل، منصة اطلاق للرئيس ميقاتي باتجاه السرايا الحكومية.
لا بل ان هناك من يؤكد ان «ابو ماهر» يتطلع الى شمال الشمال. من زمان وهو يوسع نشاطه في ذلك الاتجاه والان يحكى عن منهجية جديدة بعدما بدا وهج تيار المستقبل يخبو، وكانت الانتخابات البلدية في بيروت النموذج.
الانتخابات البلدية تحاصر ساحة النجمة. حديث عن ان العديد من النواب بدأوا يشعرون ان ما بني على باطل فهو باطل. الحيثيات الامنية لا وجود لها حتى ان الانتخابات في بلدة عرسال التي لا تبعد عن كهوف تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» سوى مئات الامتار، بدت وكأنها على تخوم الكوت دازور لا على تخوم قندهار...
ـ تحت قبعة بري ـ
الرئيس نبيه بري يبدو الاكثر استعجالاً للاغتسال من «لعنة التمديد»، هكذا يدعو الى انتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية، وهو ما يعارضه الرئيس الحريري، وكذلك جعجع وغيرهما، اذ كيف يتم تشكيل الحكومة التي تعتبر دستورياً مستقيلة مع بدء ولاية المجلس لنيابي.
هنا تعمل العصا السحرية، يقال تحت قبعة «الاستاذ» اقتراح بالسلة المتكاملة عشية الانتخابات، مؤتمر دوحة في لبنان لا في قطر، ورزمة تشمل الانتخابات النيابية، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، والحكومة. هذا الطرح شق طريقه الى اكثر من مرجع سياسي وروحي...
ـ المرّ يكتسح مجدداً ـ
بالرغم من الخطط والتصورات التي وضعتها الاحزاب لاحداث اختراق كبير في المتن الشمالي، وهي المنطقة التي تتميز بتنوعها الحزبي والسياسي، حتى ان البعض راح يتحدث عن «انقلاب في جمهورية ميشال المر»، تمكن ابو الياس من اكتساح عشرات البلديات مجدداً، وهذا يعود الى كثافة الخدمات، وعلى= مدى عقود، فضلاً عن العلاقات الشخصية، والمباشرة التي اقامها في المنطقة.
منذ صبيحة اليوم الانتخابي، بدت البلبلة في صفوف الناشطين في الاحزاب، والى الحد الذي حمل بعض المراقبين على التحدث عن «الشيزوفرانيا» التي اصابت هؤلاء بين التقيد بخطط قياداتهم الحزبية وعلاقتهم بالمر. وكان قرارهم التحالف معه لا المواجهة دون الاكتراث بتعليمات القيادات.
اللافت ان لوائح المر في عدد من البلدات الكبرى فازت بالتزكية بالنظر لعدم وجو اي لوائح مقابلة بامكانها خوض مواجهات متكافئة ولو بالحد الادنى.