لم يكن غريباً أن تصطدم غالبية القراءات المتسرعة لنتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في جبل لبنان، والتي أجريت على وقع انفعالات الفجر، مع نتائج غير رسمية لماكينات حزبية بوقائع معظمها مغاير لدى بدء انكشاف المشهد الحقيقي لجولة الجبل. وبذلك بدا مثيرا للاهتمام ان ترسم هذه الانتخابات التي عرفت تسييساً مفرطاً اتخذت معه المرحلة الثانية طابع عرض عضلات سياسية شامل أقرب ما يكون الى قياس استباقي للقوة الانتخابية والتجييرية للقوى والاحزاب المنخرطة فيها، معالم سباق محموم ارتبط في الكثير من حقائقه بآفاق الانتخابات الرئاسية من جهة والانتخابات النيابية المقبلة من جهة أخرى.
واذا كانت معركة جونية لم تتوقف عن اطلاق المفاجآت حتى الساعات الاولى من قبل ظهر أمس مبينة خرقاً رباعياً للائحة الفائزة بفوارق ضيقة جداً لا بل مذهلة في الاصوات بين اللائحتين المتنافستين بما شكل توازن قوى في "جونية مختلفة" لكل افرقاء النفوذ والتنافس، فان حقائق أخرى في اقضية أخرى لم تقل عنها أهمية وتأثيراً في استكمال مشهد الصدمات. مع انه يمكن القول إن غالبية القوى الحزبية والسياسية ذات النفوذ التقليدي في أقضية الجبل تخرج راسمة "شارات النصر" لكونها جمعت ارصدة مرموقة من المجالس البلدية والاختيارية بفعل تحول الاستحقاق البلدي استفتاء من الطراز الاول للقوة الشعبية.

المتن
في هذا السياق لم تكن مفارقة عابرة ان يعيد نائب رئيس الوزراء السابق النائب ميشال المر اثبات كونه معادلة أولى ثابتة في المتن وبعض بعبدا وان تسفر الجولة البلدية عن حصاد كبير له في المتن الشمالي ناهز الـ41 مجلساً بلدياً من أصل 54، بالاضافة الى 64 مختاراً، علماً ان 21 بلدية فازت بالتزكية سلفاً كانت من هندسة المر. وبات في حكم المؤكد وسط هذه النتائج أن تعود رئاسة اتحاد بلديات المتن مرة أخرى الى رئيسة بلدية بتغرين السيدة ميرنا المر أبو شرف. وقد صاغ المر تحالفاته مع الكتائب في الكثير من البلدات والقرى كما مع قوى وأحزاب أخرى على نحو اضطلع بدور حاسم في هذا الحصاد، علماً أنه لا يمكن أيضاً تجاهل التقدم البارز الذي حققه حزب الكتائب في الكثير من البلدات.

 

جونية
أما في جونية التي نامت على فوز لائحة جوان حبيش المدعومة من "التيار الوطني الحر" والكتائب واستفاقت على خرق للائحة فؤاد البواري المدعومة من الثلاثي نعمة افرام ومنصور غانم البون وفريد هيكل الخازن ومعهم "القوات اللبنانية"، فإن الحسابات انقلبت ولو أن ذلك لا يقلل أهمية فوز لائحة وضع العماد ميشال عون ثقله شخصياً لانجاحها رافعاً التحدي الى مستوى التصويت على زعامته. لكن الأعضاء الأربعة الذين خرقوا لائحة حبيش وهم البواري وفادي فياض وسيلفيو شيحا ورودريغ فنيانوس رسموا بفوارق الاصوات الضئيلة مع منافسيهم معالم تبدل في واقع جونية طرحت معه أسئلة كثيرة من أبرزها: هل ما حصل يعد نصف فوز ونصف انكسار للفريق الفائز؟ ولماذا اختارت "القوات اللبنانية" الصمت حيال المعركة؟ ثم أين عوامل الخلخلة لدى اللائحة الخاسرة التي تراجعت قوتها التجييرية في معاقلها حارة صخر وغادير وصربا؟ وأي وقائع تقف وراء تلويح رئيس مؤسسة الانتشار الماروني نعمة افرام بالطعن في النتائج؟
من جونية انطلقت القراءة الاوسع لتفحص حال طرفي تفاهم معراب "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" بعد هذه الجولة. لا شك في ان الحديث عن اهتزاز اصاب الثنائي في مدن وبلدات اساسية افتقدا فيها التحالف قد أصاب جانباً من الحقيقة. ومع ذلك فان ما حصده الثنائي في الكثير من بلدات كسروانية ومتنية وشوفية وأيضاً في قضاء جبيل لم يكن قليلاً. تبعاً لذلك، سيتعين على فريقي التفاهم مراجعة حساباتهما حيال القوى الأخرى التي تمكنت من أن تقف أمام دفع التفاهم وتسييله في أكثر من منطقة مسيحية أو مختلطة.

دير القمر
أما معركة دير القمر، فاكتسبت توهجاً في ظل تمكن رئيس حزب الوطنيين الاحرار دوري شمعون عبر اللائحة التي دعمها مع الكتائب والوزير السابق ناجي البستاني من خرق اللائحة الفائزة المدعومة من "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" بستة أعضاء من أصل 18، علماً أن المواجهة أسقطت شقيق النائب جورج عدوان الذي كان من مرشحي اللائحة الفائزة. لكن شمعون كشف لـ"النهار" أن اتصالاً أجري بينه وبين رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع "وقلت لجعجع إن مشكلتي ليست مباشرة معكم وليست شخصية بل بسبب التحالف الذي حصل وفي النهاية تحصل المناكفات وتمر".

مؤتمر دولي
وفي خضم انهماك اللبنانيين بالمراحل المتعاقبة للانتخابات البلدية التي ستكون ثالثتها الأحد المقبل في محافظتي الجنوب والنبطية، برزت ملامح تحرك فرنسي جديد واستثنائي حيال الأزمة السياسية والرئاسية في لبنان أثار اهتمام الأوساط السياسية والديبلوماسية. ويأتي في هذا السياق استقبال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الرئيس سعد الحريري في قصر الاليزيه بناء على دعوة فرنسية للحريري عقب لقاء هولاند والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في باريس الأسبوع الماضي. واذ تؤكد الاوساط المتابعة لهذا التحرك ان ثمة ما يجري التشاور في شأنه حول ازمة الفراغ الرئاسي استكمالاً للزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي لبيروت، فان السفير الفرنسي في بيروت ايمانويل بون أعلن عقب لقائيه أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل أن وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك ايرولت الذي سيزور بيروت في 27 أيار سيجري مشاورات مع كل الأحزاب والسلطات اللبنانية "بهدف التحضير لمؤتمر دولي يساعد على حل الأزمتين الدستورية والسياسية" في لبنان. وقال: "نحن نريد العمل من أجل تحريك المجتمع الدولي ثم سنرى أي شكل وصيغة سنعتمدهما لعقد هذا المؤتمر".