في دارة رجلٍ كريمٍ ومضيافٍ تجمع الأصدقاء والخلاَّن، تكاد لا تخلو سهرة عنده إلاَّ وتعم الفائدة من الحوارات الدينية والنقاشات العلمية والسياسية،ذات ليلة حدَّثنا رجل دين يضع عمامة سوداء على رأسه لإنه ينتمي إلى الشجرة الهاشمية،ومن جملة حديثه عن الآية القرآنية في سورة المائدة 35 "يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة"فقال :وهل هناك أعظم من المعصومين (ع) بأن يكونوا هم الوسيلة السريعة والواسطة لتقبل الأعمال والدعاء المستجاب عند الله تعالى، مكملاً قوله: لنضرب مثلاً عرفياً، فيما لو كان شخص لديه حاجة عند الرئيس أو الحاكم،فيذهب في البداية إلى الأعوان والأزلام المقربين عندهم لكي تقضى له الحاجة، فهل الله العلي أقل من الرئيس أو الحاكم، فكما أنَّ الوزراء وسطاء بين الحاكم والرعية كذلك نتخذ الأنبياء والأولياء وسطاء يعرضون حوائج العباد على الله ويطلبون منه أن يقضيها للناس،والله تعالى هو الذي يرزق ويُحيي ويمنح العافية والمال للعباد بوسيلة الأولياء والأنبياء لأنهم أقرب إليه سبحانه وتعالى، وأنهى حديثه ذاك السيد الذي يتقن مهنة زائدة عن زيه الديني وهي مهنة قراءة العزاء....
قلت له يا سيد: إنَّ خطأكم هنا بالخصوص حيث صورتم لنا بأنَّ الله سبحانه مثل الملك أو الحاكم الذي لا يستطيع أن يدير مملكته أو سلطته وحده،بل يحتاج إلى الأعوان والوزراء،أو مثل شيخ الكتَّاب الذي لا يمنعه عن ضرب أحد تلامذته فلقاً على قدميه بشدَّة،إلاَّ تدخل وتوسَّط شخصٌ أخرٌ ليشفع له ويطلب التخفيف من عقابه، فإذا كان قصدكم بالوسيلة على هذا النحو بين الله والخلق، قد يوقعنا بالشرك من حيث لا نشعر،وضرب المثال هنا قياس مع الفارق،إذ أنَّ الملك أو الحاكم يجهل كثيراً ما يحدث في مملكته،ولا يعرف أحوال الناس ومن هم بحاجة إلى عطاء أو قضاء الحاجة،ولهذا يحتاج الإنسان المحروم إلى الواسطة والوسيلة،لأنه بعيد عن الملك والحاكم، وأما الله تعالى يا "مولانا السيد" فهو أقرب إلى الناس من حبل وريدهم، فقال تعالى "وإذا سألك عني عبادي فإني قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان" وقال:"ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" بالإضافة يا سيدنا فكل ما يوجد في عالم الوجود من أسباب فإنَّ الله خالقه ومالكه،وهو الغني عن العالمين،وما سواه هو الفقير،بخلاف الملوك والحكَّام الذين يحتاجون إلى الخدَّام والحشم، بل أكثر من ذلك إذا دققنا رأينا أنَّ الخدم والحشم هم شركاء للسلاطين في ملكهم وأمرهم، وأما الحق تعالى فهو على كل شيء قدير..وأما الوسيلة فهي أعم مما ذكرت ولهذا جعل أمير المؤمنين(ع) في نهج البلاغة "الخطبة 110" بأنَّ الإيمان بالله ورسله والجهاد في سبيله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، كلهم وسيلة فقال (ع) :" إن أفضل ما توسَّل به المتوسِّلون إلى الله سبحانه وتعالى الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله، فإنه ذروة الإسلام وكلمة الخلاص.....
إلى آخر الخطبة" وأيضاً ما ورد من تعاليم الأئمة(ع) يبيِّن لنا أنَّ الوسيلة والتوسُّل عبارة عن الإيمان بالله وبأنبيائه ،وبما جاؤوا به من أحكام وآيات من عند الله، ولن نجد في آيات الله والأحاديث من أنَّ الله أمر أحداً بالتوجُّه على نحوٍ غير مقيَّد إلى النبي(ص) أو الإمام(ع) ليتوسل به لأجل قضاء حاجته أو لشفاء مريضه أو للحصول على مال أو ولد أو غير ذلك من الحاجات أو الطلبات...
فهو الحق تعالى رب الموجودات وأرحم بعباده من الأم بطفلها،وكل شيء تابع لمشيئته الإلهية،ما شاء الله كان،وما لم يشأ لم يكن،فكيف يمكن أن لا يملك رب العالمين الرحمة والشفقة، ويحتاج إلى من يدعوه إليها وينصحه بها، سبحانك وتعاليت يا ربُّ علوَّاً كبيراً.