يحاول وزير الخارجية الأميركي جون كيري التغلب على خلافات حادة مع السعودية على أمل إعادة تفعيل الهدنة المنهارة في سوريا، لكن يبدو أن الوقت المتاح قبل اجتماع مجموعة الدعم الدولية لسوريا غير كاف لإقناع السعوديين بدفع المعارضة مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات.
ولم تقدم زيارات متتابعة قام بها كيري منذ انهيار المفاوضات أي بادرة كافية لـ”كسر الجليد” مع الخليجيين الذين تعكس تصرفاتهم تراجعا متزايدا في الثقة تجاه واشنطن بعد تخفيف لهجتها الحادة بشأن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، وعدم مساعدتها في تقديم حلول حاسمة في ليبيا واليمن.
واجتمع كيري مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في جدة الأحد لبحث الهدنة الهشة في سوريا قبيل المحادثات التي ستضم روسيا وإيران ودولا أخرى في فيينا يوم الثلاثاء.
وقال كيري إنه يأمل في تقوية اتفاق “وقف العمليات القتالية” بين القوات الحكومية السورية ومقاتلي المعارضة الذي أضعفه انتشار القتال في بعض المناطق، كما يسعى إلى زيادة إمدادات المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة.
وقالت مصادر دبلوماسية لـ”العرب” إن القلق يهيمن على زيارة كيري إلى السعودية نتيجة عدم ممارسة دول الخليج أي ضغوط تذكر على المعارضة، خصوصا بعد انسحابها من الجولة الأخيرة للمفاوضات.
وأضافت المصادر أن انسحاب المعارضة سابقا سبب إحراجا أميركيا أمام روسيا رغم اتفاق الجانبين على ممارسة ضغوط مزدوجة على النظام والمعارضة كي تجبرهما على تقديم تنازلات جوهرية تؤدي إلى خرق الجمود وتمهيد الطريق من أجل التوصل إلى حل سياسي.
ماتيا توالدو: لا يجب أن يحمّل الغرب حكومة الوفاق الليبية مطالب غير واقعية وتريد السعودية الحصول على ضمانات أميركية برحيل الأسد في نفس الوقت الذي تتشكل فيه هيئة حكم انتقالية تحظى بصلاحيات واسعة، من بينها الإشراف على الحكومة والجيش وأجهزة الأمن.
كما تسعى أيضا إلى ضمان خطط الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني في سوريا إلى مستوى تصبح إيران معه غير قادرة على توسيع نفوذها في المنطقة انطلاقا من الأراضي السورية واللبنانية.
وقالت المصادر لـ”العرب” إن لم تحصل السعودية على هذه الضمانات فمن غير المستبعد أن ترفض المعارضة المشاركة في جولة المفاوضات الجديدة، أو أن تشارك الهيئة العليا للتفاوض التابعة للمعارضة، مع وضع خيار الانسحاب مرة أخرى في الاعتبار إن لم تجد جدية عبر ضغوط فعالة على النظام.
وبات واضحا تصعيد السعودية، ومعها دول خليجية أخرى، مواقفها تجاه الولايات المتحدة كلما اقترب موعد رحيل الرئيس باراك أوباما عن البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في نوفمبر القادم، وهو ما حاول كيري تداركه في جدة.
ومن جدة توجه كيري الأحد مساء إلى فيينا لحضور اجتماع لبحث دعم حكومة الوفاق الوطني الليبية التي تحاول إعادة تنظيم القوات المسلحة المفككة بين سلطتين متنازعتين الإثنين، قبل اجتماع مجموعة دعم سوريا المقرر عقده الثلاثاء.
وبعد فرض الولايات المتحدة الجمعة عقوبات على عقيلة صالح رئيس مجلس النواب في طبرق الرافض لدعم حكومة الوفاق، سيحاول كيري خلال اجتماع مع نظيره الإيطالي باولو جنتيلوني التوصل إلى صيغة قد تسرع من تقوية الحكومة الجديدة.
وتقول ورقة بحثية نشرها مركز “إي سي أف أر” للدراسات إن الغرب يرى في حكومة الوفاق الليبية الفرصة السانحة لإعادة الاستقرار إلى ليبيا ووقف تدفق اللاجئين من السواحل الليبية وهزيمة تنظيم داعش هناك، حتى لو كان دعم الحكومة سيدخل الغرب في مواجهة مع حليفته مصر الداعمة لبرلمان طبرق الذي لا يبدي أي استعداد لمنحها الشرعية.
وقال مؤلف الورقة ماتيا توالدو “تحقّق للغرب ما كان يطلبه وصارت هناك حكومة في طرابلس.
الآن لا يجب أن يحمّل الغرب هذه الحكومة أكثر مما تستطيع عبر إلزامها بمحاربة داعش ووقف تدفق اللاجئين وفرض مطالب أخرى غير واقعية عليها”.
وأضاف “بدلا من ذلك يجب عليه أن يعمل لتقوية الموقف السياسي للحكومة وسيطرتها على البلاد”. وقالت مصادر لـ”العرب” إن هناك توافقا سعوديا مع الاستراتيجية الأميركية لدعم حكومة الوفاق في ليبيا، رغم تحفظات القاهرة، أقرب حلفاء الرياض في المنطقة.
كما لا يوجد بين الجانبين تعارض جوهري في الملف اليمني الذي ناقشه كيري الأحد مع العاهل السعودي.
صحيفة العرب