اي اصبع دلت على مصطفى بدر الدين، داخلية أم اقليمية أم دولية؟
حتماً ليست الصدفة، وان تحدثت بعض مواقع الجماعات المتطرفة عن «الصدفة الالهية» وراحت تردد الأناشيد، الحديث كان دوماً عن مشاركة قوات ومرتزقة من كل انحاء الارض في الحرب السورية. ماذا عن اجهزة الاستخبارات التي بلغ نشاطها الذروة في الآونة الاخيرة؟
اقمار صناعية، وشبكات ومحطات اتصال، وطائرات استطلاع تعمل على مدار الساعة، ودون ان يبقى سراً نشاط الاستخبارات الاسرائيلية، بالتعاون مع الاستخبارات الاردنية، والحديث يتواصل عن التنسيق العملاني مع أجهزة استخبارات أخرى لتحديد الاهداف الذهبية...
أبعد من أن يكون ما حصل انتقاماً لقائد «جيش الاسلام» زهران علوش، وكانت «الديار» قد اشارت الى اتصالات تجري حالياً من اجل اعادة اشعال النيران حول دمشق.
بدر الدين لم يكن بالقائد العادي في أرض المعركة، يفكر كالصاعقة، ويعمل كالصاعقة، خسارته كبيرة جداً ولا تعوض. الذين يعرفونه يقولون انه «شخصية متعددة الابعاد». السؤال دوماً كيف عرفوا مكانه، ومن اين اتت تلك الدقة في التصويب ليسقط منذ القذيفة الاولى.
ويقال انه لو كانت الاستخبارات الاسرائيلية هي التي دلت الى مكان وجوده لما ترددت لحظة في ان تغتاله بصاروخ مثلما اغتالت سمير القنطار، ودون ان تكون هناك مشكلة لديها، وان كان الاتفاق مع موسكو يقضي بألا تقترب طائراتها من خطوط معينة، بما في ذلك الغوطة الشرقية...
في الوسط الدمشقي يتردد انه التعاون الوثيق بين الاستخبارات الاردنية والتركية وما بينهما الاستخبارات السعودية، وان كان المرجح ان الاستخبارات الاسرائيلية التي هي شريك اساسي في ذلك التعاون وعلى الارض السورية لم تكن في هذه العملية. في كل الأحوال، تل ابيب التي وضعت كل محطات الرصد لديها بتصرف البلدان العربية والاقليمية المناهضة لدمشق، هي الرابح الأكبر في تلك الليلة التي غاب فيها بدر... الدين.
ليلة ظلماء ويُفتقد فيها. «حزب الله» قال في بيانه الذي فاجأ الكثيرين، وصدم الكثيرين، ان «التحقيقات الجارية لدينا اثبتت ان الانفجار الذي استهدف احد مراكزنا بالقرب من مطار دمشق الدولي والذي ادى الى استشهاد الأخ القائد مصطفى بدر الدين ناجم عن قصف مدفعي قامت به الجماعات التكفيرية المتواجدة في تلك المنطقة».
البيان أكد «انها معركة واحدة ضد المشروع الأميركي - الصهيوني الذي بات الارهابيون التكفيريون يمثلون رأس حربة وجبهته الأمامية في العدوان على الأمة ومقاومتها ومجاهديها ومقدساتها وشعوبها الحرة الشريفة».
وفي الوسط الدمشقي انه مهما جرى الحديث عن الصدفة، لا سيما وان الأيام الأخيرة شهدت معارك في الغوطة الشرقية انكفأ خلالها مسلحو المعارضة المتشددة، فان اغتيال بدر الدين بالقذائف المدفعية، وهذا ما يحدث للمرة الاولى، يكشف ان النشاط الاستخباراتي لم يعد يقتصر على الكشف عن المواقع، وتحديد نوعية الاسلحة، وأعداد المقاتلين، بل هو بلغ درجة تحدد «الرجال الخطرين» والتعاطي معهم بتلك الطريقة.
هل حقاً ان اغتيال بدر الدين جعل «حزب الله» امام لغز يفوق بتعقيداته لغز اغتيال القائد عماد مغنية في شباط 2008، بعبوة ناسفة في دمشق، وفي منطقة يفترض أن تكون آمنة الى حد كبير؟

ـ الرد في الحرب المفتوحة ـ

آنذاك، كان واضحاً ان الموساد هو مَن نفّذ عملية الاغتيال، ودون التوقف كثيراً عند كيفية اختراق عملاء الاستخبارات الاسرائيلية للمنطقة وزرعهم العبوة دون ان تدق الكاميرات النفير، كان التوقف عند معرفة «وجه» مغنية، وهو الذي كان وجهه «عدة وجوه».
الآن، وبعد ثماني سنوات، الاجراءات الخاصة باخفاء الشخصية، وقد برع فيها بدر الدين، منذ أن كان اسمه الياس فؤاد صعب أو منذ أن كان اسمه سامي عيسى، اصبحت اكثر دقة واكثر تعقيداً».
حتى الذين يشككون كلياً باحتمال الصدفة، يعتبرون ان بدر الدين كان يتقمص شخصية او شخصيات أخرى بالصورة التي يستحيل معها الغوص الى شخصيته «الاصلية».
بطبيعة الحال، الرد يندرج في اطار الحرب المفتوحة بين «حزب الله» وتنظيم «داعش» و«جبهة النصرة»، وكل الجماعات الأخرى المشتقة منها، عقائدياً وسياسياً او المرتبطة بها مالياً وما شاكل.

ـ لارسن يسلّم لفيلتمان ـ

المحور الثاني الذي شغل الاوساط السياسية قرار ناظر قرار مجلس الامن الدولي رقم 1559 النرويجي تيري رود - لارسن (وهو احد مهندسي اتفاق اوسلو) التخلي عن مهمته آخر هذا الشهر، مقترحا على الامين العام للامم المتحدة بان كي - مون بان يعهد بالملف الى مكتب وكيل الامين العام للشؤون السياسية جيفري فيلتمان.
وفيلتمان هو سفير اميركي سابق في لبنان، واضطلع بدور فائق الحساسية (والخطورة) في ادارة جزء من العملية السياسية الداخلية في لبنان في العقد المنصرم.
وهنا ترى الاوساط السياسية ان رود - لارسن الذي كان يدار من قبل واشــنطن على مدى الـ 12 عاماً، لم يكن لينصح بتسليم الملف الى مكتب فيلتمان، الا بـ «امر» من هذا الاخير.
واذ ظهر النائب وليد جنــبلاط، وعبر حسابه على تويتر، في باريس مع «جيــف» كما ورد على الصفحة، فهذا اثار الكثير من الاسئلة حول الهدف من عودة فيلـتمان الى الساحة اللبنانية، وهو الذي عرف بـ«مواقفه المتشددة والمنحازة»...

ـ ... والاخضر الابراهيمي ـ

جنبلاط التقى ايضاً بالديبلوماسي الجزائري المخضرم الاخضر الابراهيمي الذي سبق واضطلع باكثر من دور في لبنان، خصوصاً مع تردد معلومات تشير الى ان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يرى ان يعهد الى الابراهيمي بمهمة في لبنان، وذلك في سياق مساع فرنسية مع اكثر من جهة اقليمية ودولية للخروج من المأزق الرئاسي، ولو برئيس مؤقت ولسنتين.
جهات في 8 آذار وتسأل «في اي اتجاه سيدفع فيلتمان بالاستحقاق الرئاسي، فضلاً عن الملفات الاخرى»، ومع اعتبار السؤال الآخر حول ما اذا كان الديبلوماسي الاميركي يزمع اعادة رص الصفوف لدى قوى 14 آذار بعدما بعثرتها الانتخابات الرئاسية كما الانتخابات البلدية، وبدا التوفيق فيما بينها شبه مستحيل.

ـ المستقبل والحلفاء ـ

ازمة 14 آذار عكسها تصريح لعضو كتلة المستقبل النائب احمدفتفت الذي طالما جهد لتغطية الخلافات والاختلافات.
قال «ما حصل في انتخابات بيروت لجهة عدم التزام الحلفاء بالاتفاق يحتاج الى حوار جدي ومراجعة عامة»، مضيفا «ان هناك خلافات تتجدد في موضوع توزيع السلطة بين افرقاء 14 آذار، وهذا مؤسف لان القضايا الكبرى التي تحيط بنا اكبر واهم من توزيع السلطات».
واذ تتقاطع وتتضارب الاشارات حول رئاسة الجمهورية من قائل ان الستاتيكو باق الى ان ينجلي الوضع الاقليمي الى قائل باتصالات مكوكية مركزها باريس، ودائماً باتجاه الرياض وطهران، اعلن فتفت رفض «المستقبل» لـ «مبادرته» او لطرح الرئيس نبيه بري.
اعتبر «ان خطر اجراء انتخابات نيابية في ظل غياب رئيس الجمهورية كبير جداً لانه لن يكون بالامكان تأليف حكومة جديدة»، وعندها نصبح امام حكومة مستقيلة وفراغ كبير.
ولفت الى انه «مهما كانت التعهدات السياسية يجب عدم الاقدام على ذلك لاننا تعودنا على عدم التزام الافرقاء بتعهداتهم وعلى رأسهم حزب الله».
وهنا يقول مصدر سيــاسي رفيع المستوى لـ «الديار» «ان الرئيس بري هو الاكثر معرفة بالمناخ الاقليمي وانعكاساته على لبنان، ولو كان هناك بصيص ضوء في ملف الاستحقاق الرئاسي لما دفع بالاستحقاق النيابي الى الواجهة».
اضاف «ان الرئيس سعد الحريري يبدو متوجساًمن اي انتخابات نيابية قد تحدث تعديلاً في خارطة القوى، وفي حين ينتــقد هو، وينتقد نوابه، طرح السيد حسن نصرالله حول الســلة المتــكاملة، فهو، ضمناً، اشد المتحمسين لها لانها تضمن عودته الى السراي الحكومي لان «طريق الجـلجلة» طال اكــثر من اللزوم والقاعدة الشعبية تنكمش».
ويشير المصدر الى «ان السيد حسن طرح فكرة فصل الازمة الرئاسية عن ازمات المنطقة وصناعة رئيس لبناني بأيد لبنانية، والمشكلة ان الحريري ليس هو من يقرر، لذا كان اللعب بالموافقة في الوقت الضائع».

ـ صراع الجبال في جبل لبنان ـ

بلدياً، فان الدوائر الذي كان يحكى فيه عن «صراع الجبال في جبل لبنان»، معارك صغيرة ومبعثرة، المعركة المركزية في جونية التي هي العاصمة المركزية للموارنة، كثيرون يستغربون كيف ان التيار الوطني الحر ليس في خندق واحد مع حزب «القوات اللبنانية».
«الديار» سألت بعض قادة التيار «ماذا اذا اسقطت لائحة الجنرال؟» تأكيد بانها «اقوى مما تتصورون ويتصورون»، بثقة، يضيف احدهم «انظر الى السيدة العذراء على تلة حريصا، الا تقول مبروك جنرال؟».
هذا لا يمنع كثيرون من السؤال «مع من تقف السيدة العذراء؟».