تنتشر في شوارع بغداد صور لمرشد إيران الأعلى علي خامنئي وصور أخرى يقول رجال الدين الشيعة إنها للإمام الحسين بن علي، ومعها تتخذ بغداد التي كانت في السابق عاصمة لخلافة إسلامية سنية، طابعا مغايرا لذلك الذي كانت تتسم به قبل أكثر من عقد تحت وطأة صور وتماثيل الرئيس الراحل صدام حسين.

وفي عهده، كان سلوك طريق الزيارة إلى مدينة كربلاء التي تبعد 100 كم جنوب بغداد، سببا كافيا يعرض أي شيعي للاعتقال.  

واليوم باتت الطرق الرئيسية المؤدية إلى كربلاء مغلقة أمام هؤلاء الذين يريدون الاحتفال بيوم عاشوراء لأن الكثير من العراقيين الشيعة الآخرين ينظّمون على الدوام مواكب جنائزية جماعية متجهة إلى مدينة النجف (160 كم جنوب بغداد) لدفن القتلى الذين سقطوا في مواجهات مع تنظيم داعش، الذي سيطر على مساحات شاسعة في شمال البلاد.  

ويقول سكان محليون في بغداد إن الأحزاب الشيعية اتخذت، يوم كانت تعاني وطأة المطاردة والحظر، من “المظلومية الطائفية” شعارا تحث فيه أنصارها على الكفاح ضد الحاكم من خلال الالتفاف حولها.

  وقال كاتب عراقي لـ”العرب”، “الآن بعد أن آلت السلطة إلى تلك الأحزاب بعدما وافقت على التعاون مع المحتل تبين أن مفهوم المظلومية لا ينحصر إلا في معنى ممارسة الطقوس الدينية الطائفية ولا شيء آخر”.

  وأضاف “لقد تم إطلاق حرية ممارسة تلك الطقوس والشعائر في ظل غياب المشروع السياسي الكفيل بإنقاذ الشعب العراقي من الفقر والجهل والمرض وغياب مبادئ العدالة الاجتماعية”.  

ويجلس سكان بغداد السنة على الجانب البعيد عن سلطة اتخاذ القرار مكتفين فحسب برؤية مشكلات بلادهم تتفاقم. ويشعر هؤلاء، الذين اختاروا البقاء في المدينة ولم يغادروها في خضم موجة نزوح كبيرة قضت على ما تبقى من طابع بغداد السني، بغضب حيال سيطرة رجال الدين الشيعة، ومن محاولات لا تتوقف لبث الخوف في نفوسهم.  

ويعتقد اليوم في العراق أن السلوك الطائفي تحول إلى معيار في النظر إلى قيمة الفرد.

  ونتيجة لذلك باتت أوضاع العراق مهيأة لصناعة أقليات جديدة، تضاف إلى فسيفساء معقدة شكلتها أقليات تقليدية. لكن يبدو أن معاناة السنة العراقيين في ظل هيمنة شيعية على مقاليد السلطة هو انعكاس صغير لشعور السنة العرب بـ”مظلومية” مماثلة في باقي أنحاء المنطقة.  

ففي سوريا تشكل غالبية من السنة ضحايا صراع مروع يقوده نظام الرئيس بشار الأسد المنتمي إلى العلويين، وجماعات تحمل في أغلبها أيديولوجيا متشددة.

وفي لبنان يعيش السنة في خوف دائم من هيمنة حزب الله الشيعي المدعوم من إيران على مقاليد الأمور في البلاد.

  وأطاحت ميليشيا الحوثيين الشيعة الزيديين في اليمن بحكومة أغلبها من السنة قبل نحو عامين، وأدخلت البلاد في أتون حرب طاحنة، إلى جانب معاناة السنة المستمرة في فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي.  

وقالت يوجيني روغان، الباحثة في جامعة أوكسفورد لمجلة “ذي إكونوميست” إن “مصير العالم العربي سيتم تحديده وفقا لثلاثة تفسيرات للإسلام: تفسير الإخوان المسلمين وتفسير السلفيين، والحكم وفقا لولاية الفقيه التي يتبناها النظام الشيعي في إيران”.  

ورغم ذلك لم يثبت أي من الجماعات الدينية، السنية والشيعية، كفاءة تذكر في حكم دول عربية طالما كافحت لنيله، خصوصا في العراق.

  ويقول الكاتب العراقي “قد لا يبدو غريبا القول اليوم إن ربيع الأحزاب الدينية في طريقه إلى الأفول، لا لأن ظاهرة التشدد الديني ليست متأصلة في المجتمع العراقي فحسب، بل وأيضا لأن تلك الأحزاب فشلت في إنشاء دولة جامعة ولم تقدم حلولا لمشكلات العراق، إضافة إلى تورطها في إنشاء شبكات الفساد المعلن”.

صحيفة العرب