لم تتردد إسرائيل كثيراً هذه المرة في التلميح بأنها لا تقف خلف اغتيال الشهيد مصطفى بدر الدين. فمثل هذا التلميح يحمل في ثناياه استعداداً لمواجهة رد فعل شديد من جانب «حزب الله». ومنطق الأمور في الدولة العبرية، خصوصاً في هذه الأيام وفي ظل الخلاف المتصاعد بين المستويين السياسي والعسكري وتقرير مراقب الدولة عن الحرب الأخيرة على غزة، لا يبرر الاندفاع نحو مواجهة واسعة في الشمال خصوصاً مع «حزب الله».
ولذلك، وخلافاً لمرات كثيرة سابقة، لم تلجأ إسرائيل للغموض بل وجهت الأنظار نحو جهات أخرى. وقد اعتبر المعلق الأمني في صحيفة «معاريف» يوسي ميلمان، أن اغتيال بدر الدين يمثل ضربة شديدة للقيادة العسكرية لـ «حزب الله»، حيث أنه القائد الفعلي للذراع العسكري وخليفة الشهيد عماد مغنية الذي اغتيل هو الآخر في دمشق قبل ثماني سنوات.
ولاحظ أن «وزيري دفاع حزب الله» تمت تصفيتهما، خلال ثماني سنوات على الأرض السورية لكن مع فارق بين عمليتي الاغتيال. فاغتيال الشهيد مغنية كان ثمرة تعاون واضح بين «الموساد» والمخابرات المركزية الأميركية (سي. آي. ايه.)، فيما أن اغتيال الشهيد بدر الدين ليس واضحاً حتى الآن.
وفي نظر ميلمان فإن أهمية بدر الدين تعود إلى حقيقة أنه من مؤسسي الذراع العسكري لـ «حزب الله» وكان بين المطلوبين للكويت لكنه انخرط، كـ «حزب الله»، في القتال داخل سوريا.
وأشار إلى أن بدر الدين كان مطلوباً لأميركا وهو المطلوب رقم واحد في ملف اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري.
ولفت ميلمان النظر إلى أن لبدر الدين أعداءً كثراً في الساحة، بينهم منظمات جهادية سنية وخصوصاً «جبهة النصرة» و»داعش».
وبرغم أهميته يرى المعلق الأمني في «معاريف» أن «حزب الله» سيتغلب على الخسارة وسيسلم القيادة لشخص آخر.
وكتب أن «إسرائيل، بداهة، لا تأسف على موت مصطفى بدر الدين، الذي كان ضالعاً في التخطيط والتنفيذ لعشرات العمليات ضد إسرائيل وضد أهداف إسرائيلية ويهودية خارج حدود الدولة». وأشار المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل إلى أن بدر الدين كان الخليفة الفعلي للشهيد مغنية إلا أن اتهام المحكمة الدولية له بالمشاركة في اغتيال رفيق الحريري قاد إلى إبعاده عن الأنظار، «كما يبدو نُقل لمهمات أخرى واندمج في المنظومة القتالية في سوريا.
وظهر مكان عماد مغنية اسم طلال حمية الذي يعتبر حالياً أحد كبار القادة العسكريين في «حزب الله».
ولاحظ المعلق في موقع «والا» الإخباري آفي يسسخاروف أن «حزب الله» تجنب توجيه الاتهام لإسرائيل باغتيال الشهيد بدر الدين.
وواضح أن لهذا التجنب آثار بينها عدم اضطرار «حزب الله» للرد على الاغتيال بفتح جبهة ضد إسرائيل في هذا الوقت بالذات. وتحت عنوان «أصابع الاتهام لا تتجه لإسرائيل» كتب يسسخاروف أن لبدر الدين أعداءً كثراً.
أميركا والسعودية والمعارضة السورية و «داعش» و «جبهة النصرة» والقائمة تطول. وأشار إلى أن «حزب الله» لا يهرع لتبديد الضباب حول ظروف استشهاد بدر الدين وهو لم يتهم إسرائيل.
وفي مرات سابقة، لم يكن «حزب الله» ينتظر قبل أن يوجه إصبع الاتهام نحو إسرائيل، كما حدث مع اغتيال حسان اللقيس وجهاد مغنية مثلاً.
وبرغم ذلك، أوضح يسسخاروف أن مسؤولية الاغتيال تبقى مفتوحة، ولكن لو كان الأمر من فعل «داعش» أو «جبهة النصرة» لهرعا لتضخيم الإنجاز.
ولذلك ليس مستبعداً أن يكون جهاز استخباري لدولة، ليست إسرائيل، هو من عمل على تصفية الحساب مع بدر الدين، ويبذل جهداً لإبعاد الاتهام عنه.
وخلافاً لبعض الآراء التي اعتبرت أن دور بدر الدين لم يكن كبيراً، كتب غاي أليستر في موقع «والا» الإخباري أن بدر الدين كان أشد خطورة حتى من الشهيد عماد مغنية.
ويكتب أنه وفقاً لتقارير متعددة فقد كان بدر الدين شريكاً للشهيد عماد مغنية في الإشراف على العملية التي استهدفت مشاة البحرية الأميركية «المارينز» في بيروت في تشرين الأول 1983 ما أدى إلى مقتل 241 شخصاً وقاد إلى إخراج القوات الأميركية من لبنان.
ويقول إن بدر الدين طور آلية استخدام الغاز في العبوات الناسفة لزيادة فعاليتها بحيث صار ذلك شارة إلى بصمته فيها.
أما المعلق العسكري في موقع «يديعوت» روني بن يشاي، فأوضح أنه بعد الاتهام الأولي من جانب وسائل إعلام مقربة لـ «حزب الله» لإسرائيل بالوقوف وراء الاغتيال تم التراجع.. ما يشير، في نظره، إلى أن إسرئيل ليست المتهمة هذه المرة.
وكتب بن يشاي أنه برغم إضرار بدر الدين كثيراً بالمصالح الإسرائيلية وبإسرائيليين، فإن إسرائيل لا تبدو مسؤولة عن اغتياله. وأشار إلى أن بدر الدين لم يكن الخليفة الوحيد للشهيد عماد مغنية في «رئاسة أركان».. «حزب الله» وإنما واحد من ثلاثة أبرزهم القائد العسكري الحالي طلال حمية.
وأوضح أن بدر الدين كان مسؤولاً عن العمليات الخارجية في «حزب الله»، بما فيها النشاطات داخل سوريا.
وفي نظر بن يشاي، فإن لمصطفى بدر الدين أعداءً كثراً بينهم «تيار المستقبل» في لبنان وأمير الكويت والولايات المتحدة التي لها حساب طويل معه وتصنفه على أنه أحد أبرز المطلوبين في العالم، جراء اتهامه باختطاف طائرة TWA إلى بيروت وقتل مقاتل أميركي في العام 1985.
وتنسب إسرائيل لبدر الدين المسؤولية عن التفجيرات في بوينس آيرس في التسعينيات، والتفجير ضد سياح إسرائيليين في بورغاس في بلغاريا في العام 2012 والتي قتل فيها خمسة إسرائيليين.
ومع ذلك، يشدد بن يشاي على أنه «يمكن القول بالتأكيد إنهم في الجيش الإسرائيلي ناموا بهدوء هذه الليلة وأيضاً في ليال سابقة نُسبت فيها لإسرائيل غارات جوية ضد قوافل سلاح لـ «حزب الله» في سوريا.
فإسرائيل كسياسة لا تصفي حسابات، وإنما تحبط مخاطر مستقبلية. ومصطفى بدر الدين كان أكثر خطراً على المتمردين في سوريا والسنة في لبنان منه على إسرائيل. لذلك يمكن الافتراض بتأكيد كاف كثيراً أن خلفية الاغتيال هي نزاعات داخلية لبنانية».
في كل حال، سبق لإسرائيل أن نفذت عمليات اغتيال ضد قادة في المقاومة، وآخر هذه الاغتيالات كانت ضد الشهيد سمير القنطار.
وقد لجأت إلى عمليات الاغتيال في سوريا تجنباً لردود فعل كبيرة من جانب «حزب الله».
وتشيع إسرائيل أن سياسة الاغتيالات التي تتبعها لا تقوم على مبدأ «تسوية الحسابات» أو «الانتقام» مع أعدائها، وهو ما تنفيه الوقائع خصوصاً أن أبرز الاغتيالات الإسرائيلية سواء ضد الألمان أو ضد الفلسطينيين كانت على أرضية هذا المبدأ.. وتدّعي إسرائيل أن الدافع للاغتيالات يرتكز أساساً إلى محاولة منع عمليات ضدها في المستقبل.
واشنطن: لا طائرات للتحالف في منطقة العملية أعلن البيت الأبيض أن المنطقة التي قتل فيها الشهيد مصطفى بدر الدين «لم تتواجد فيها أي طائرات تابعة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة».
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست «لم تكن هناك طائرات أميركية أو تابعة للتحالف في المنطقة التي قيل إنه قتل فيها».
(السفير)