لماذا غضب «حزب الله»؟
حتى ريتشارد جونز الذي كان «يطرب» لاتهامات قوى لبنانية للحزب بتعطيل جلسات انتخاب رئىس الجمهورية، كان يعرب عن دهشته حيال قدرة هذه القوى على العبث بالحقائق، والتفوق على الالماني غوبلز في التسويق الاعلامي...
القائم بالاعمال الاميركي كان يصارح الذين يلتقيهم بأن الكرسي الرئاسي عالق، بالدرجة الاولى، بين الكراسي المارونية الاربعة، دون ان يتمكن «الشفيع المعاصر» للطائفة، اي الكرسي البطريركي، من «الاستنفار التاريخي» للقادة الاربعة من اجل التضحية وملء الفراغ الرئاسي الذي يهدده في ظل التغيرات الدراماتيكية التي ستشهدها المنطقة، بنزع رئاسة الجمهورية في لبنان من يد الموارنة.
وبحسب جهات في 8 آذار، فان الحزب يدرك جيداً ما يجري وراء الضوء، المسألة تتجاوز «الكونسورتيوم الاستخباراتي» الذي يجمع اجهزة عربية واسرائيلية وغربية، على رأسها الاجهزة الاميركية، وربما في هذا الاطار اغتيل القيادي البارز في الحزب مصطفى بدر الدين، هناك تنسيق استراتيجي من اجل ازالة الحزب سياسياً وعسكرياً في لبنان...
الهدف معقد جداً، مستحيل ايضاً، لكن الاصرار واضح من غرفة عمليات استحدثت لهذه الغاية في احدى العواصم العربية، ومن مستشاريها الاساسيين في واشنطن دنيس روس وايليوت ابرامز، والاثنان يهوديان مؤثران داخل اللوبي اليهودي، احدهما كان مساعدا لوزير الخارجية، ولا يزال ظله ماثلاً داخل الفريق الكيسنجري في الوزارة، والآخر كان في مجلس الامن القومي مسؤولا عن ملف الشرق الاوسط، ويحمل الجنسية الاسرائيلية، وانهى الخدمة العسكرية في البيت الاسرائىلي.
اما الرأسان الكبيران في تلك الحملة فهما السيناتور جون ماكين والسناتور ليندسي غراهام..
تحريك القانون المالي جاء بدفع من غرفة العمليات تلك والتي يتردد ان موازنتها السنوية تتراوح بين المليارين والثلاثة مليارات دولار. وكان هناك تخوف من ان يفضي اتفاق فيينا الى توفير مبالغ هائلة لايران، وبالتالي تدفق جزء من هذه المبالغ على الحزب الذي يمكنه، في هذه الحال، ليس تعزيز حضوره العسكري، وفاعليته العسكرية، فحسب، وانما ايضا تعزيز حضوره السياسي وفاعليته السياسية.
وتشير الجهات اياها الى ان قوى لبنانية على تواصل مع شخصية من اصل لبناني في الكونغرس، وتتمتع بشبكة من العلاقات، اما في مثلث الكابيتول او في اروقة وزارة الخارجية، ليست بعيدة عن اجواء غرفة العمليات وما يجري داخلها...
وهناك اقتراح على الطاولة يقال انه يرقى الى مستوى الخطة، بالتضييق السياسي على «حزب الله» من خلال الضغط على الدولة اللبنانية للتسليم بالتصنيف الاميركي، و«العربي» الى حد ما، للحزب بأنه منظمة ارهابية، في مثل هذه الحال، لا مجال ليكون هناك نواب للحزب في المجلس النيابي ولا وزراء في مجلس الوزراء.
وقد لا يكون خفياً على كثيرين ان شيئاً من هذا الكلام تناهى الى زعيم سياسي لبناني «يتميز» بعقده الكثيرة حيال «حزب الله» وحيال أمينه العام السيد حسن نصرالله بوجه خاص، وبالرغم من ذلك يتردد انه اتصل بجيفري فيلتمان محذراً «قيل لي اي من اصحابكم يبقى في لبنان على سطح الارض اذا ما نزل «حزب الله» الى تحت سطح الارض».
لا يعرف ما هو قرار الدوائر الاميركية العليا، لكن المحادثات التي يجريها عسكريون وامنيون اميركيون في بيروت تشي بأن ادارة الرئيس باراك أوباما تولي اهمية بالغة ليس فقط لاستقرار الوضع الامني في لبنان لأن انهيار هذا الوضع يعني انتقال تنظيم الدولة الاسلامية من جرود السلسلة الشرقية الى شواطئ المتوسط...
استطراداً، باستطاعة «داعش» ان يلعب على الساحة السورية، كما على الساحة العراقية، ما دامت الخطط جاهزة (وكان مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون رينان واضحا في هذا الشأن) لتغيير الخرائط في هذين البلدين. اما في لبنان فلا...
مرجع عسكري رفيع المستوى قال ان لبنان باق بخارطته الحالية، والسبب صغره وتركيبته الجغرافية والديموغرافية، هذا الكلام (الذي قيل في جلسة خاصة) وبالتشديد لا يمكن ان يكون تحليلاً، او استنتاجا، بالتالي ثمة تأكيد أميركي على ذلك...
هذا لا يعني ان غرفة العمليات، ومن خلال الشبكة التي لها «خلاياها» في لبنان ايضاً، ولها مواقعها في الولايات المتحدة، وفي بعض الدول الاوروبية، ستوقف نشاطها هنا. لا ضوابط، ولا حدود، امام الخطة التي تستهدف «حزب الله»، ودون اي اعتبار للواقع اللبناني الهش، ولما يعنيه الحزب عسكرياً لجهة قدرته على تفجير المنطقة، وهو الأمر التي قد يكون الخيار الاخير، والآن الخيار المستحيل...

ـ لبنان على الطاولة ـ

وفي ضوء ما تشير اليه تلك الجهات فان الاسرائيليين الذين يعتبرون لبنان فائضاً جغرافياً، او خطأ تاريخياً، يصفون لبنان في السلة التي على الطاولة وحيث اعادة تشكيل الخرائط بالشوكة والسكين...
ومن الشأن الاستراتيجي الى الشأن البلدي وحيث يبدو صراع الاحزاب أشبه ما يكون بصراع القبائل، معركة جونيه اقرب ما تكون الى معركة رئاسة الجمهورية، ومن يأخذ القصر البلدي في جونيه يأخذ القصر الجمهوري في بعبدا...
هنا كلام في الكواليس عن ان جهة عربية ضغطت على رئيس حزب لبناني لمنعه من الوقوف الى جانب العماد ميشال عون في هذه المعركة التي لها رمزية خاصة، وحيثية خاصة، فهي المنطقة التي اختارها رئيس تكتل التغيير والاصلاح ليخوض الانتخابات فيها، وحيث كان التسونامي الشهير عام 2005 والذي أثار الهلع لدى القادة السياسيين، القادة الموارنة بالدرجة الاولى...
قضاء كسروان هو القضاء الماروني البحت. خمسة نواب موارنة، لا وجود لاي نائب آخر من اي طائفة اخرى، اي انه بمثابة المختبر للاتجاه الماروني او للقوة المارونية «الحقيقية».
واكثر من جهة سياسية تعتبر ان المواجهة ليست بين جوان حبيش وفؤاد البويري، وانما بين الجنرال وكل القوى التي تقفل أمامه الطريق الى القصر...

ـ قطع رأس شمعون ـ

والمثير انه عندما لا يعرف اين هو التحالف بين التيار الوطني الحر وحزب «القوات اللبنانية» في جونيه يلعلع صوت النائب جورج عدوان في دير القمر بالتشديد على التحالف، في وجه رئيس حزب الوطنيين الاحرار دوري شمعون الذي لم يجد ظهراً في «الحاضرة الشمعونية» سوى الوزير السابق ناجي البستاني، ويطلق صيحة الاستغاثة «انهم يقطعون رأسي»!
اين اصابع النائب وليد جنبلاط هنا، وهو الذي يخشى ان تصبح دير القمر «خارج امارته، بعدما كان هو مَن نصّب شمعون رئيساً للبلدية فيها، قبل ان ينقله من «مدارج القمر» الى مقاعد ساحة النجمة...
وترى اكثر من جهة سياسية ان جبل لبنان الذي انتج 9رؤساء جمهورية من اصل 12 لم يعد في عزه القديم، المدن الأخرى والاطراف الاخرى هي التي تحدد مسار المسار السياسي للجمهورية. وكان وزير الخارجية الراحل فؤاد بطرس يقول «ان الطربوش الماروني طار في الهواء». والان زمن الطرابيش الاخرى، وهذا ما يستشعره جنبلاط الذي يلاحظ كيف ان اقليم الخروب الذي طالما ظل تحت وصايته بان يرتبط بالصراع الاقليمي، او بالايقاع الايديولوجي في المنطقة.
وبالرغم من ان موعد الانتخابات البلدية في طرابلس هو في 29 ايار الجاري، فهناك المسرح الحقيقي للصراع حول رئاسة الحكومة، بالصلاحيات الكثيرة وبالامتدادات الكثيرة وبالهموم الكثيرة.

ـ الحريري وميقاتي ـ

اكثر من رسالة وصلت الى بيت الوسط. الرئيس نجيب ميقاتي يتعامل مع الرئيس سعد الحريري تعامل الند للند. لا مجال لرئيس تيار المستقبل الذي شكلت الانتخابات البلدية بالنسبة اليه، صدمة سياسية وشعبية، ان يأخذ بوصف النائبين سيرج طورسركيسيان وعاطف مجدلاني له بـ«الزعيم الاوحد» حتى المملكة العربية السعودية لم تعد تقبل بان يكون هناك زعيم واحد اوحد للسنة في لبنان.
غير ان السعوديين لا يريدون مواجهة في طرابلس بين الاثنين. يدركون تماماً ما هي خارطة القوى، وخارطة التوازنات في المدينة، ويسعون من اجل الاتفاق بينهما. اللقاء في منزل السفير السعودي علي عواض عسيري يوم 20 ايار قد يتوج بالاتفاق بعدما كانت الخطوة الاولى في السرايا الحكومية، وبرعاية الرئيس تمام سالم.
في طرابلس يقولون السجادة الحمراء تتسع لاثنين، ويفترض الا تعامل الفيحاء التي انتجت عددا لا يستهان به من رؤساء الحكومات (عبد الحميد كرامي، رشيد كرامي، عمر كرامي، امين الحافظ ونجيب ميقاتي...) على انها على هامش الزعامة السنية في لبنان.
علناً، يقال ان طرابلس تريد ان تكون زعامة المدينة من المدينة، بعبارة اخرى لن يستطيع الحريري ان يستخدم كتفي ميقاتي للصعود الى السرايا. معادلة جديدة في عاصمة الشمال يفترض ان تأخذ بها عاصمة لبنان...

ـ من هولاند الى البطريرك ـ

على الصعيد الرئاسي، وبعد رسالة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اللافتة الى الرئيس نبيه بري، رسالة اخرى من هولاند الى البطريرك مار بشارة الراعي الذي كان له كلام «وجودي» مع الزائر الفرنسي في قصر الصنوبر، وبعدما طرأت في خيال اهل الاليزيه، وحيث الاثار الملكية لا تزال ماثلة بوضوح، تتويج البطريرك الذي هو زعيم للكنيسة زعيماً للدولة...
غريب ان يصدر ذلك عن دولة كانت اول من فصلت الدين عن الدولة، او الدولة عن الدين، ولكن في لبنان، وحيث فيديرالية الطوائف مهددة، وبالتالي الدولة مهددة، لا بد من البحث عن «اعجوبة سياسية ودستورية» كما قال وزير الخارجية الاسبق، والعالم جداً باحوال لبنان، ايرفيه دوشاريت ذات يوم.
هولاند قال في كلمته «اني اشارككم قلقكم ودعوتكم لانتخاب رئيس للجمهورية بصورة سريعة من اجل تفعيل عمل المؤسسات من جديد واستمرارية النموذج اللبناني التعددي والمنفتح»، ومؤكداً ان فرنسا ستتابع بذل الجهود الى جانب الافرقاء المعنيين لمساعدة اللبنانيين على ايجاد حل للازمة السياسية والمؤسساتية بأسرع ما يمكن وسنتابع حث الاسرة الدولية على العمل بهذا الاتجاه.
هل استطاع الفرنسيون الذين تمكنوا من حمل السعوديين على التفكير في اعادة احياء الهبة الى الجيش اللبناني احداث ثغرة في الجدار الرئيسي، ام ان الرسائل، وفي هذا الوقت، هي لرفع العتب فقط؟
ما تردده مصادر ديبلوماسية وثيقة الاطلاع ان باريس تقترب من احداث تلك الثغرة. بهدوء وبتكتم تتحرك بين الرياض وطهران، لا شيىء سوى المسألة اللبنانية في الحقيبة التي تتنقل مكوكياً.