أثقل مقتل القائد العسكري البارز في "حزب الله " مصطفى بدر الدين المشهد الداخلي بتداعيات جديدة اضافية تختلط فيها العوامل الميدانية في سوريا والتفاعلات الداخلية المرتقبة لدى الحزب، خصوصاً ان الحدث لم يكن معزولاً عن سلسلة متعاقبة من استهدافات طاولت كوادره العسكرية والميدانية الاساسية على أرض سوريا تحديداً. واذا كان مقتل بدر الدين أثار موجة تقديرات داخلية متضاربة في شأن ملابسات الحادث الغامض الذي أودى به من منطلق ان اسم بدر الدين يتصل بكونه احد المتهمين الاربعة لدى المحكمة الخاصة بلبنان في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري واحد رموز المقاومة لاسرائيل، فان تريث الحزب في يوم تشييع قائد ذراعه العسكرية في سوريا في اتهام اسرائيل في انتظار استكمال التحقيق الذي يجريه أضاف عاملا آخر من عوامل شبكة الألغاز التي تتحكم بهذا الحدث. كما ان معلومات توافرت لـ"النهار" عن مقتل نحو سبعة آخرين من الحزب بالاضافة الى أحد الكوادر العسكرية الايراني كانوا مع بدر الدين لدى تفجير حصل قرب موقع للحزب في مطار دمشق.
ولم تقف دورة الغموض الواسع حول الجهة التي تقف وراء التفجير والاستهداف عند هذه الحدود، اذ برز مساء بيان أصدره الناطق باسم البيت الابيض الاميركي جوش ايرنست جاء فيه ان المنطقة التي قتل فيها بدر الدين في دمشق لم تكن فيها أي طائرات للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وقال: "لم تكن هناك طائرات اميركية أو تابعة للتحالف في المنطقة التي قيل انه قتل فيها". وأضاف انه لا يمكنه تأكيد مقتل مصطفى بدر الدين الذي قال "حزب الله" إنه قتل قرب قاعدة مجاورة لمطار دمشق. لكن نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم اعلن خلال التشييع الحاشد لبدر الدين في الضاحية الجنوبية عصر أمس ان تحديد سبب الانفجار الذي أودى ببدر الدين والجهة المسؤولة عنه سيعلن في موعد اقصاه صباح اليوم "وسوف يبنى على الشيء مقتضاه".
اما في الجانب الاسرائيلي، فقال يعقوب عميدور مستشار الامن القومي السابق لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو لصحيفة "هآرتس" إنه على رغم ان قتل بدر الدين "خبر سار" فان "اسرائيل ليست دائما مسؤولة عن ذلك".
لارسن والملف اللبناني
في غضون ذلك، أفاد مراسل "النهار" في نيويورك علي بردى أن الموفد الخاص للأمم المتحدة لتنفيذ القرار 1559 تيري رود - لارسن أبلغ أمس أعضاء مجلس الأمن أنه سيتخلى عن هذه المهمة في نهاية أيار الجاري بعدما تولى ملف لبنان طوال السنوات الـ12 الاخيرة . وعلمت "النهار" أن رود - لارسن نصح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون بتسليم الملف الى مكتب وكيل الأمين العام للشؤون السياسية جيفري فيلتمان، وترك مسألة تعيين مبعوث جديد للأمين العام المقبل للمنظمة الدولية.
وكان رود - لارسن الذي اضطلع بدور حيوي في تنفيذ بعض البنود الرئيسية في القرار 1559، أبلغ قراره الإستقالة الى بعض المسؤولين الكبار في الأمانة العامة للمنظمة الدولية قبل أسابيع.
وبعد إحاطته الثالثة والعشرين أمام أعضاء مجلس الأمن، صرّح رود - لارسن لـ"النهار": "أقوم بهذا العمل منذ 12 سنة، وسيكون هناك أمين عام جديد في نهاية السنة... أعتقد أن هذا هو الأمر الصحيح والمشرف الذي ينبغي القيام به الآن. المعينون في المناصب السياسية العليا لدى الأمم المتحدة سيكونون من شأن الأمين العام المقبل أو الأمينة العامة المقبلة".
وهو قال لأعضاء مجلس الأمن في الجلسة المغلقة إنه "منذ إصدار القرار في أيلول 2004، تحقق الكثير. في نيسان 2005، سحبت سوريا جنودها وأصولها العسكرية من لبنان على أساس اجراءات أمنية توسطت فيها الأمم المتحدة في اطار القرار 1559. وتلا ذلك إقامة علاقات ديبلوماسية كاملة بين البلدين عام 2009. وأجريت انتخابات رئاسية ونيابية حرة ونزيهة عامي 2008 و2009 على التوالي"، مضيفاً أن "هذه الأحداث التاريخية تثبت الأثر المهم والايجابي للقرار 1559 على الإستقلال السياسي للبنان وسيادته". غير أنه أشار في الوقت ذاته الى أحكام أخرى لم تنجز فحسب ، بل أن الفشل في تنفيذها يمكن أن يقوض أيضاً التقدم الذي أحرز حتى الآن"، ومنها "الفراغ الرئاسي وتأثيره السلبي على قدرة لبنان على اتخاذ قرارات مهمة". ولاحظ أن أبرز البنود العالقة في القرار 1559 "نزع السلاح وتسريح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية" التي وسعت نشاطاتها، مؤكداً أنها "تمثل التهديد الأكبر والأخطر لسيادة لبنان واستقراره واستقلاله السياسي".
وأمام الصحافيين، أشاد رود - لارسن برئيس مجلس النواب نبيه بري لـ"عمله البديع في جمع الأطراف اللبنانيين المختلفين معاً"، وبرئيس الوزراء تمام سلام لـ"قيامه بجهود بطولية من أجل حل الشلل في المؤسسات الحكومية". وقال إن "الأهم الآن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتعيين قائد جديد للجيش". وشدد على أن "هذا شأن داخلي لبناني".
معركة جونية
في غضون ذلك، تستعد أقضية محافظة جبل لبنان للمرحلة الثانية من الانتخابات البلدية والاختيارية غدا. ويشكل التنافس على بلدية جونية معالم المعركة الكبرى في تلك الاقضية والتي يصفها مواكبون للمعركة بانها اتسعت الى احجام غير مسبوقة من التنافس الاعلامي والاعلاني وزجت فيها اموال طائلة. وعلى الصعيد الحزبي، يقول المواكبون للمعركة إن لا مواجهة مباشرة بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، لكن التحالف بينهما لم يترجم في جونية فيما تصاعد العامل العائلي والشخصي في شكل حاد في الصراع بين اللائحتين المتنافستين. ولم يستبعد هؤلاء ارتفاع نسبة المقترعين الى حدود 55 في المئة هذه المرة نظراً الى ارتفاع وتيرة التنافس، علما أن النسبة بلغت في الانتخابات البلدية السابقة نحو 52 في المئة. ومعلوم ان المعركة تدور بين لائحة فؤاد البواري المدعومة من النائبين السابقين منصور غانم البون وفريد هيكل الخازن ورئيس مؤسسة الانتشار الماروني نعمة افرام و"القوات اللبنانية"، ولائحة جوان حبيش المدعومة من "التيار الوطني الحر" وحزبي الكتائب والوطنيين الاحرار.