هل الأئمة أفضل من الأنبياء ؟ لقد رتب الله عباده الذين أنعم عليهم إلى مراتب تقدمها الأنبياء أولا ثم الصديقين ثانيا ... قال تعالى :{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}(النساء : 69).
روى الكشي في رجاله بسنده عن أبي العباس البقباق عن الامام الصادق عليه السلام روايات تصرح أن الأئمة ليسوا أنبياء ولا يجب الشك في ذلك.( رجال الكشي، رقم 125 ،ص 180). فإذا كنا متفقين أن الأئمة عليهم السلام ليسوا أنبياء ،إذا فهم يدخلون ضمن قسم الصديقين وبالتالي هم يندرجون في المرتبة الثانية التي رتبها الله عز وجل .
في تفسير آية {... ومن يطع الله ورسوله) يقول السيد الطباطبائي : " وفي أمالي الشيخ ، بإسناده إلى علي بن أبي طالب عليه السلام قال : جاء رجل [هو ثوبان مولى رسول الله ص] فقال : يارسول الله ما أستطيع فراقك ،وإني لأدخل منزلي فأذكرك فأترك ضيعتي وأقبل حتى أنظر إليك حبا لك ،فذكرت إذا كان يوم القيامة فأدخلت الجنة فرفعت في أعلى عليين فكيف لي بك يا نبي الله ؟
فنزل :{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} (النساء : 69)فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقرأها عليه وبشره بذلك". (تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج3،ص110) ونخلص إلى أن الأنبياء عليهم السلام متقدمون على جميع الناس وهم في أعلى عليين وفي أرفع درجات ،ولا ينافسهم أحد في هذه الرتبة .
وأما فيما جاء أن أميرالمؤمنين عليه السلام هو نفس رسول الله من حديث المباهلة فهو لا يقتضي المساواة بينه وبين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في القدر والمنزلة والرتبة ،وإن كلمة"أنفس" قد تطلق من غير أن يقتضي ذلك المساواة بين من يندرج تحتها من الأفراد كما جاء في القرآن الكريم في قصة بني إسرائيل : {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم}(البقرة : 54) وقوله تعالى :{لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا}(النور : 12)فلم يوجب ذلك تساوي الأنفس جميعا في الآية الأولى : إذ تضمنت العصاة والمطيعين ، ولا المساواة التامة بين المؤمنين في الآية الثانية ،فالآية :{أنفسنا وأنفسكم} تشير إلى فضل علي عليه السلام في قرابته النسبية من الرسول إذ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليا وفاطمة وابنيهما لأنهم أهل بيته عليهم السلام وهذا تنفيذ لأمر الله في أن يدعو كل واحد من الفريقين أقرباءه من الأبناء والنساء والأنفس عندما سأل وفد نصارى نجران النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حقيقة المسيح عليه السلام ،فنزل القرآن بقوله تعالى :{إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل}(الزخرف : 59) وقوله تعالى : {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}(آل عمران: 59) ثم دعا الوفد النجراني إلى المباهلة (الملاعنة) إن لم يقتنعوا ،قال تعالى : {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين} (آل:61) فدعا النبي عليا وفاطمة والحسن والحسين ، وقال : هؤلاء أهلي ولكن الوفد النجراني انسحب ولم يقبل المباهلة. وهنا يرد سؤال أنه قد جاء في سورة التوبة :{لقد جاءكم رسول من أنفسكم} فهل معنى هذا أننا مساوون للرسول ؟! وقد ورد عدة معاني للنفس في القرآن الكريم منها : {ولا تلمزوا أنفسكم }(الحجرات :11) قال المحقق الأردبيلي : "أي ولا يعيب بعضكم بعضا ،فإن المؤمنون كنفس واحدة". (زبدة القرآن ،الطريحي ، ص 294).
وقال تعالى :{ولا تقتلوا أنفسكم}(النساء : 29) أي لا يقتل بعضكم بعضا. (التبيان ،الطوسي ج2 ،ص 138) . وأما القول أن الأئمة أفضل من الأنبياء ما عدا نبينا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فهذا القول يعارض ما جاء في القرآن الكريم حيث يقول الله سبحانه وتعالى : {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم○ ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين○وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين○وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين○ومن آبائهم وذريتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم} (الأنعام : 83_84 ) وتعني : أي على الناس أجمعين بالنبوة .
وقال الله تعالى :{واذكر الله عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار○إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار○ وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ○واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار○هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب}(ص : 45_49). إذا هذه الآيات تصرح أن الأنبياء فضلوا على العالمين واصطفاهم الله على عباده.
يتبع ...