حساب الخلفاء في أيام الخلافة الراشدة:
في التاريخ الإسلامي كان الخلفاء والولاة يلون الحساب بأنفسهم، فحين قدم مُعاذ من اليمن بعد وفاة رسول الله، وسلّم على أبي بكر، فقال له: إرفع حسابك.
فقال: أحسابان؟ حسابٌ من الله وحساب منكم! لا والله لا ألي لكم عملاً أبداً.
أمّا عمر بن الخطاب فقد بعث إلى عُمّاله يُشاطرهم أموالهم، أي يقسمها بينهم وبين بيت المال، وفيهم عمرو بن العاص، والياً على مصر، وأبو موسى الأشعري والياً على البصرة.
ولمّا قدم أبو هريرة من البحرين، قال له عمر: يا عدوّ الله وعدو كتابه، أسرقت مال الله؟
قال أبو هريرة: لستُ بعدوّ الله ولا عدو كتابه، ولكنّي عدوّ من عاداهُما، ولم أسرق مال الله.
قال عمر: من أين أصبحت لك عشرة آلاف درهم؟ قال: خيلي تناسلت وعطائي تلاحق، وسهامي تتابعت، ثم اعتزل.
أمّا علي بن أبي طالب، فقد قال لابن عبّاس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ: إنّي أُشركك في أمانتي ولم يكن رجلٌ من أهلي أوثقُ منك في نفسي... حتى اختطفت ما قدرت عليه من مال الأمة، اختطاف الذئب الأزلّ دامية المعزى.
حساب مؤسسات الدولة الشهابية:
كان هذا في غابر الزمان، أمّا في لبنان، فقد قامت مؤسسات راسخة في دولة الإصلاح الشهابية، كمجلس الخدمة المدنية، الذي يتولّى إجراء مباريات الدخول إلى وظائف الدولة كافة، ويرعى حسن التنقلات في الأسلاك الوظيفية، وديوان المحاسبة، والتفتيش المركزي ،والمالي والقضائي والتربوي، وإدارة المناقصات، ومراقبة عقد النفقات، وما يتبع هذه المؤسسات من أجهزة رقابية.حتى وصلنا اليوم إلى دولة الطوائف والمذاهب والمحاصصة، والفساد على قدم وساق، حتى وصل الفساد إلى تخوم أجهزة الرقابة، وإذ بلغ السّيل الزُّبى ، ووصلت الزبالة إلى عتبات البيوت، انتقل الحساب إلى الشارع، علّها تبعث الحياة في هذه المؤسسات الرقابية، بعد سُباتٍ طويل موروث من عهد الوصاية السورية، ومستمر بفضل الطوائف، واللصوص والانتهازيين، وحماة المقاومة والممانعة، والذين لم يسلموا من وباء الفساد، فهو، وقانا الله منه وإياكم كالطاعون، مُستصعب الشفاء.