وجود الدين ترافق مع وجود الإنسان وهو نظام إلهي اوجده الله سبحانه وتعالى لبني البشر كي ينظم علاقة الإنسان بالخالق اولا وبباقي المخلوقات ثانيا وهو ضروري الوجود لخدمة الإنسان.
وللدين هالة من القداسة استوجبت إختيار نوع من البشر على قدر كبير من العصمة والمصداقية والشفافية لتكليفهم بمهمة حمل رسالة التبليغ لسائر بني البشر في كافة أرجاء المعمورة دون تحريف ودون زيادة او نقصان فوقع الاختيار الإلهي على الأنبياء والرسل ومن بعدهم الأوصياء والأئمة، وعلى ان يتولى لاحقا حمل هذه الأمانة طائفة من الناس انصياعا لإرادة ألله وعملا بقوله /ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
رجال الدين :
فتصدى لهذه المهمة طوعا في كل زمان ومكان رجال أطلق عليهم رجال الدين على ان يضعوا أنفسهم في خدمة هذا النظام لتبليغه للناس بأمانة، لكن قلة قليلة منهم هم الذين التزموا بحمل الرسالة وتبليغها بأمانة، وأكثرهم استغلوا الدين وتاجروا به تحقيقا لمارب شخصية ودنيوية دون وجل من حساب او عقاب، فكانوا يتسترون به درءا للشبهات عنهم واقتحموا حظيرة القداسة الإلهية التي تقيهم شرور الانتقادات.
العالم العربي :
لدرجة أنه لم يكن هناك أحد في العالم العربي يمتلك من الشجاعة ما يمكنه من توجيه النقد إلى رجال الدين هؤلاء، خوفا من اتهامه بالكفر والزندقة والمروق على الدين رغم ان ما فعله البعض من رجال الدين في المجتمعات العربية من تمزيق وتفريق وتشتيت عجزت عن القيام به أعتى الدكتاتوريات وأكثر الأنظمة الوطنية استبدادا، بحيث استطاعت ان تضرب الشعوب وتدمرها من الداخل.
إذ ان البعض منهم اوهموا الناس بأن مكانتهم مستلهمة من التعاليم السماوية التي لا يجوز الاعتراض عليها وأن قولهم يرتقي إلى مرتبة القداسة التي لا يجوز حتى مناقشته، وهو ما رعته وحمته وكرسته بعض الأنظمة السياسية الشمولية المستفيدة من صمت المؤسسة الدينية على استبداد الحاكم وجوره وتفرده بالحكم وتحويل البلاد مرتعا للتعسف والظلم واستغلال الشعب.
الأحزاب الدينية :
من جهتها فإن الجماعات الدينية والأحزاب التي تعتمد الدين منهجا لها استفادت من تلك الهالة المقدسة التي أحاطت نفسها بها زورا واعتداءا لتمرير مشاريعها التي تهدف إلى أحد أمرين، إما الاستيلاء على السلطة أو نشر الفوضى في المجتمع وفي البيئة الحاضنة لها لتعم البلد بأكمله، ذلك أن المارد الديني الذي نما وترعرع مستفيدا من استغراق المجتمعات في سبات عميق وصمت مطبق وتغاضيها عنه تبين أن هذا المارد على استعداد لتدمير تلك المجتمعات يصعب معه أي علاج او أي إصلاح.
مصر نموذجا :
ففي مصر كادت جماعة الإخوان المسلمين وخلال سنة واحدة من حكمها ان تدخل المجتمع المصري في آتون حرب أهلية لولا تدخل الجيش في الوقت المناسب لأنقاذ مصر والانقلاب على الجماعة وإعادتها إلى الاقبية السرية وإلى السجون.
حزب الدعوة في العراق :
وفي العراق فإن حزب الدعوة الإسلامي لم يكتف بالاستيلاء على مقدرات العراق وثرواته وشرعنة الفساد المالي والإداري بل مضى في تدمير مستقبل العراق حين تخلى عن ثلث أراضيه لتنظيم داعش الإرهابي والتكفيري، وقد تمكنت هذه الجماعات الدينية من اختطاف الدين ليكون الباب الواسع الذي تطل منه على المجتمع لاختطافه.
ومن ثم التسلق إلى السلطة لنهب المال العام ونشر الفوضى وتدمير السلم الأهلي والفتك بالآخرين والقتل للأصوات المعترضة، وفي لبنان فإن حزب الله الذي يتخذ من الدين والمذهب غطاءا له فإنه يحاول استغلالهما لمصادرة قرار الطائفة الشيعية كمقدمة لمصادرة قرار البلد وذلك بالأطباق عليه بعد تعطيل مؤسساته الدستورية وربطه بالمشروع الإيراني.
فالاحزاب الدينية حولت الدين من رسالة سماوية لبناء الإنسان ونظام للمجتمع إلى أداة لضرب الإنسانية في الإنسان، ومعول لتدمير المجتمعات العربية وهي بذلك عن قصد أو غير قصد تحقق أهداف المشروع الصهيونى في المنطقة المرتبط بالمشروع الاستعماري العالمي.