أبرزت موجة التفجيرات الدامية التي ضربت العاصمة العراقية بغداد مخلّفة المئات من الضحايا بين قتلى وجرحى، مجدّدا حجم الصراعات بين الكتل والتيارات السياسية الشيعية الحاكمة في العراق، والتي لم تعد تتوانى في توظيف أي من العوامل، بما في ذلك العامل الأمني في “اقتتالها” الشرس على السلطة وصراعاتها على المناصب والمكاسب المادية.
وكشف التراشق الحادّ والاتهامات المتبادلة بين التيار الصدري بقيادة الزعيم الديني مقتدى الصدر، وجماعة بدر بقيادة هادي العامري، درجة العداوة بين مكونات البيت السياسي الشيعي وبلوغها حدّ محاولة كل طرف إلغاء الآخر وإنهاء دوره في العملية السياسية.
ولم يتوان حاكم الزاملي عضو كتلة الأحرار النيابية التابعة للتيار الصدري، والذي يرأس لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان، في الربط بين التفجيرات الدامية التي شهدتها العاصمة بغداد الأربعاء وضرب أخطرها سوق “عريبة” الشعبية بمدينة الصدر شرقي العاصمة بغداد، وبين الحراك الاحتجاجي الذي يتزعمه زعيم التيار مقتدى الصدر منذ أشهر وشكّل حرجا بالغا لباقي كبار قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية الموالية لطهران.
وكانت شكوك كبيرة حامت حول تزامن تكرار الخروقات الأمنية في العاصمة بغداد وحتى في مناطق جنوب البلاد المعروفة باستقرارها، مع تصاعد الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح وبالأزمة السياسية التي وصلت إلى حدّ تعطيل مجلس النواب وشلل الحكومة.
وهاجم الزاملي بشكل مباشر جماعة بدر التي ينتمي إليها وزير الداخلية محمد سالم الغبّان، محمّلا إياه مسؤولية التفجيرات التي شهدتها بغداد عبر “تبنيه لسياسة حزبية ضيقة دفعته للتركيز على ملاحقة المتظاهرين أكثر من السعي إلى ملاحقة عناصر تنظيم داعش”. واعتبر الزاملي أنّ التفجيرات التي شهدتها مدينة الصدر الأربعاء جاءت ردا على التظاهرات الغاضبة الأخيرة التي نظمها أنصار مقتدى الصدر. وقال إنّ “إدارة وزارة الداخلية حزبية وغير مهنية، ونرى أن الوزير هو من يتحمل مسؤولية ذلك.. كان عليه أن يفعّل جهاز الاستخبارات لمنع وقوع تلك التفجيرات والقبض على من تسوّل له نفسه القيام بمثل هذه الجريمة البشعة، ولكن بدلا من ذلك، تمت إقالة أكثر من 500 ضابط من كبار الضباط المشهود بمهنيتهم وإحلال آخرين محلهم، وذلك كله نتيجة لنفس السياسات الحزبية الضيقة”. كما اتهم الوزارة “بعدم نشر ما يقرب من 40 جهاز كشف مفرقعات حديثا تم استيرادها قبل عامين، لا في مدينة الصدر ولا في غيرها”. وردّت منظمة بدر على الزاملي بغضب شديد متهمة إياه بالسعي إلى الاستيلاء على منصب وزير الداخلية، ومؤكدة على لسان القيادي في المنظمة محمد ناجي أن رئيس لجنة الأمن النيابية “يلعب بالنار”، وأنه هو من خطط لاقتحام البرلمان في إطار سعيه إلى الاستحواذ على منصب وزير الداخلية كونه -حسب ناجي- هو المرشّح من قبل مقتدى الصدر لشغل المنصب، في إطار “حكومة التكنوقراط” التي حاول زعيم التيار الصدري تمريرها بكل الوسائل وصولا إلى مهاجمة أتباعه لمبنى البرلمان منذ أسبوعين. وحذّر عراقيون من إمكانية تصادم القوى الشيعية العراقية، كونها تمتلك جميعها السلاح وتستند إلى ميليشيات قويّة، فيما حذّر آخرون من لجوء البعض إلى توظيف العامل الأمني من قبيل استخدام التفجيرات لترهيب المحتجين، وللدفع بأولوية حفظ الأمن على المطالبة بالإصلاح. وبشكل شبه آلي بدا أن تفجيرات بغداد تدفع باتجاه “أولوية الأمن على الإصلاح” من خلال دعوة رئاسة مجلس النواب العراقي إلى اجتماع عاجل، الأحد المقبل، يضم رؤساء الكتل السياسية ورؤساء اللجان المختصة بالقضيتين الأمنية والمالية لبحث التداعيات الأمنية والتفجيرات الأخيرة في بغداد. وذكر بيان لمكتب رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري، المختلف حول شرعيته بين نواب يؤكّدون أنّه مقال من منصبه، وبين آخرين يتمسّكون ببقائه رئيسا للمجلس أن “أرواح العراقيين وأرزاقهم أولى الأولويات والمهمات ولا شيء يتقدم عليهما، لذا تدعو رئاسة مجلس النواب رؤساء الكتل السياسية ورؤساء اللجان المختصة بالقضيتين الأمنية والمالية إلى اجتماع خاص لمناقشة هذين الملفين صباح الأحد المقبل لحسمهما والاتفاق العاجل على موعد لجلسة مجلس النواب وبحث تمديد الفصل التشريعي”. |
العرب