هل وقع المحظور وفُتحت المواجهة بين حزب الله والقطاع المالي في لبنان، على خلفية تطبيق القانون الأميركي الجديد المتعلّق بتجفيف منابع تمويل حزب الله؟ وهل قرّر الحزب أخذ المصارف والبلد "رهينة" ليتمكّن من مفاوضة الأميركيين على وقف الحصار المالي الذي قد يعزله في بيئته؟قبل حوالى خمسة أشهر، في كانون الاول 2015، وجّه امين عام حزب الله "رسالة" الى المصارف اللبنانية والدولة، أثارت في حينه القلق في الاوساط السياسية والمالية والمصرفية والاقتصادية.

البعض قرأ في كلام السيد حسن نصر الله تحذيرا واضحا وخطرا للقطاع المصرفي، آخرون قلّلوا من خطورة الكلام، واعتبروا انه يهدف الى فتح حوار لتخفيف مفعول الاجراءات الأميركية الجديدة.

يومها كان كلام نصر الله يستهدف القانون الأميركي الجديد المتعلق بتجفيف منابع تمويل حزب الله. وقد طالب الحكومة بوضوح بعدم الرضوخ للأميركيين ورسَمَ ما يشبه الآلية التي يمكن ان تكون مقبولة وتقضي بأن يتولى جهاز قضائي لبناني مهمة التحقيق في كل اسم يرسله الاميركيون على اساس انه على اللائحة السوداء، وبناء على قرار القضاء اللبناني يُصار الى تلبية الطلب الاميركي ام رفضه.

انقضت بضعة اشهر على كلام نصر الله، وكاد المجتمع المالي ينسى مفاعيله، واعتقد كثيرون ان الحزب رضخ للأمر الواقع، على اعتبار ان المسألة لا تتعلّق بارادة المصارف او سواها، وتطبيق القانون الاميركي ليس اختياريا لأن اي مصرف يتقاعس في التنفيذ يتم إخراجه من النظام المالي العالمي، بما يعني باللغة المفهومة ان المصرف ينهار ويقفل بعد بضعة ايام فقط.

يتذكّر الجميع أن المدة التي خصّصها أمين عام حزب الله للحديث على قضية القانون الأميركي في حينه عكست عمق الأذى الذي سيتسبّب به الاجراء الأميركي المفاجىء نسبياً للحزب وقيادته، لأنه جاء في أعقاب الاتفاق النووي مع ايران، وبعدما سهّل الحزب إقرار القوانين المالية المطلوبة أميركياً، في مجلس النواب اللبناني.

بين كلام نصر الله وبيان كتلة نواب الوفاء للمقاومة امس، حصلت تطورات كثيرة، من ضمنها ان القانون الاميركي دخل حيز التنفيذ في نيسان الماضي، وتمّ ارسال أول لائحة اسمية وضعتها الخزانة الأميركية لوقف التعامل مع اصحابها. كذلك حصلت زيارات كثيرة الى الولايات المتحدة الاميركية من بينها زيارة الوفد البرلماني اللبناني بالاضافة الى زيارة وزير المالية علي حسن خليل، كذلك زيارة وفد جمعية المصارف اللبنانية.

القاسم المشترك الذي عاد به كل الزوار هو ان واشنطن متشدّدة جداً في تطبيق القانون الجديد، وان كل الالتماسات ومحاولات التطرية التي تقدمت بها الوفود اللبنانية الزائرة، انتهت الى نتيجة مفادها ان القانون سيُطبّق على كل مصارف العالم، ومن ضمنها المصارف اللبنانية ولا مجال لأي معاملة خاصة في تطبيق القانون.

هذه الاجواء تبلّغها حزب الله وتابعها عن قرب، ولو انه حافظ على صمته، ولم تصدر عنه مواقف معارضة، الى حد أن الأوساط المالية المتابعة اعتبرت ان الامور ستمر بسلاسة، على اعتبار ان الحزب أدرك ان الموضوع لا يتعلق بالمصارف، وان لا مجال للمقاومة، والا فان الثمن سيكون انهيار النظام المالي والاقتصادي برمته.

وانطلاقا من الاصرار على حماية القطاع المصرفي والاقتصاد الوطني، اصدر مصرف لبنان تعاميم تهدف الى مطالبة المصارف بالالتزام بمندرجات القانون الأميركي، وفي الوقت نفسه تمنع الاستنسابية من خلال الطلب الى كل مصرف يريد ان يغلق حسابا مصرفيا، او يمتنع عن فتح حساب جديد، الى ابلاغ المركزي فورا بالامر وتقديم التبريرات لهذه الخطوة. وكان يُفترض ان تكون هذه التعاميم كافية لكي تمر الأزمة بأقل أضرار ممكنة.

لكن تبيّن ان كل الحسابات المتفائلة لم تكن في محلها، وفاجأ الحزب الجميع امس بموقف متصلّب وفيه نفحة تهديدية واضحة للاطراف التالية: الحكومة، مصرف لبنان والمصارف التجارية. واستخدم عبارات تخوينية مثل الخضوع للانتداب الاميركي النقدي، وما شابه.

هذا الموقف المفاجئ يدفع الى التساؤل عن المقصود من هذا التصعيد، خصوصا ان الحزب يعرف ان موافقة المصارف على الخضوع لطلباته يعني انهيارها، ورفضها تلبية مطالبه يعني وضعها في مواجهة حزب مسلح يعتبر نفسه فوق الدولة، ويحارب خارج لبنان ضمن معادلة اقليمية تجعله يعتبر نفسه انه اكبر من مجرد حزب.

من الواضح أن حزب الله، من خلال موقفه، يقول للبنانيين وللأميركيين في آن: لن نذهب وحدنا الى المقصلة، بل سنأخذ معنا البلد، وعليكم الاختيار. بمعنى آخر، قرر الحزب خطف البلد، وأخذه رهينة، وهو يخيّر الأميركيين بين تطرية مسألة تطبيق القانون المالي الجديد، وبين التسبّب بانهيار لبنان بالكامل.

ويبدو ان الحزب يراهن على ان واشنطن لا تريد انهيار لبنان بأي ثمن، وبالتالي، قد ترضخ، على اعتبار ان المعادلة شبيهة بعملية أخذ رهائن، بحيث يصبح على الجهة الراغبة في انهاء العملية الاختيار بين الهجوم لتحرير الرهائن، والمجازفة بحياتهم، وبين التفاوض مع «الخاطف» لتلبية بعض المطالب وضمان خروج الرهائن سالمين من العملية.

هذا الموقف يحاول من خلاله الحزب وقف الاندفاعة الأميركية في اتجاه عزله عن بيئته، وهو يأمل في أن يحول الدولة اللبنانية، والقطاع المصرفي الى متراس يقف وراءه، بحيث يضطر الاثنان الى العمل مع الاميركيين على ايجاد تسوية ما، تخفّف من قوة الاجراءات المالية في حقه.

ماذا ستختار الولايات المتحدة الاميركية عندما توضع امام هذه المعادلة؟

الجواب صعب ومعقّد، اذ ماذا سيحصل اذا اختارت واشنطن تطبيق قانونها من دون الأخذ في الاعتبار «تهديدات» حزب الله؟

البعض يقول ان الحزب لا يملك اداة عملية للرد وانه مضطر للرضوخ، وان مواقفه في الصراخ اليوم تعكس وضعه الصعب، وادراكه انه صار محاصرا ولا حول ولا قوة له، في حين يتخوّف آخرون مما قد يحصل، خصوصا ان حزب الله ليس جمعية خيرية ولا هو جمعية كشفية، ومن يهدّد الحكومة والمصرف المركزي والمصارف في هذه الظروف الدقيقة لا يمكن المراهنة على رضوخه للأمر الواقع حفاظا على البلد واستقراره.

(انطوان فرح - الجمهورية)