في غمرة الشغور الرئاسي، والانهماك في البحث عن قانون انتخابي، شكّلَ الاستحقاق البلدي والاختياري الشغلَ الشاغل للجميع، ودخلَ رئيس الحكومة تمّام سلام على خط التوفيق بين الرئيسَين سعد الحريري ونجيب ميقاتي قبَيل انتخابات الشمال، واستضافَهما إلى عشاء في دارته في المصيطبة مساء أمس. ووسط هذا المشهد، طرَأ تطوّر دراماتيكي أشاع القلق في الأوساط السياسية والمالية والاقتصادية، تَمثّلَ بالتهديد العلني الذي وجّهه «حزب الله»، من خلال بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» إلى كلّ مِن الحكومة اللبنانية ومصرف لبنان والمصارف التجارية كافّة، ردّاً على التعاميم التي أصدرَها المصرف المركزي لجهة التزام قانون العقوبات الأميركي الأخير ضده. فقد أصدرت كتلة «الوفاء للمقاومة» بياناً إثرَ اجتماعها الاسبوعي أمس قالت في احد بنوده «إنّ القانون الاميركي الذي صدر أخيراً وتلتزم المصارف اللبنانية العمل بموجب أحكامه.. هو قانون مرفوض جملة وتفصيلاً لأنه يؤسس لحرب إلغاء محلية يساهم في تأجيجها المصرف المركزي وعدد من المصارف، فضلاً عن كون الالتزام به مصادرة للسيادة اللبنانية النقدية».

وأضافت: «إنّ التعاميم التي أصدرها أخيراً حاكم المصرف المركزي وفقاً للقانون الاميركي السيّىء الذِكر، هي إنصياع غير مبرّر لسلطات الانتداب الاميركي النقدي على بلادنا.

ومن شأنها أن تزيد تفاقم الأزمة النقدية وتدفع البلاد نحو الإفلاس بسبب ما سينتج من قطيعة واسعة بين اللبنانيين وبين المصارف، الأمر الذي يعرّض البلاد لانهيار نقدي خطير ولفوضى عارمة غير قابلة للاحتواء».

ودعت الكتلة حاكم مصرف لبنان الى «إعادة النظر في تعاميمه الأخيرة لتتوافق مع السيادة الوطنية»، وطالبَت الحكومة «باتخاذ الإجراءات المناسبة لتلافي التداعيات الخطرة التي ستنجم عنها».

وفي ضوء هذا الموقف المفاجئ لحزب الله تساءلت أوساط معنية عن المقصود منه «خصوصاً انّ الحزب يعرف انّ موافقة المصارف على الخضوع لطلباته تعني انهيارها، ورفضها تلبية مطالبه يعني وضعها في مواجهة معه».

ورأت «أنّ هذا الموقف يحاول الحزب من خلاله وقفَ الاندفاعة الأميركية في اتجاه عزلِه عن بيئته، وهو يأمل في أن يحوّل الدولة اللبنانية، والقطاع المصرفي متراساً، بحيث يضطرّهما الى العمل مع الاميركيين على إيجاد تسويةٍ ما، تخفّف من قوّة الإجراءات المالية في حقّه».

وإذ سألت الأوساط نفسها عمّا ستختاره الولايات المتحدة الاميركية عندما توضع أمام هذه المعادلة، قالت: «إنّ الجواب على هذا السؤال صعب ومعقّد، لكن الأصعب هو تصوّر ماذا سيحصل إذا اختارت واشنطن تطبيق قانونها من دون أخذ تهديدات «حزب الله» في الاعتبار».

مجلس وزراء

وقد انسحب هذا الامر على جلسة مجلس الوزراء أمس والتي استهلّها سلام بكلمة سياسية طلب بعدها وزيرا «حزب الله» حسين الحاج حسن ومحمد فنيش استكمال الحديث في الإجراءات المالية ضد «حزب الله».

فقدّم الحاج حسن مداخلة تفصيلية خلصَ فيها الى انّ العقوبات الاميركية تخطّت الخطوط الحمر ووصَلت الى الخطوط السود، مؤكّداً «أنّ هذه القضية لا يمكن الاستمرار في السكوت عنها، خصوصاً بعد قرار مصرفَين لبنانيين بتوقيف حساب نائبَين من «حزب الله» وابنة نائب سابق». فردّ سلام مؤكداً أنّه «لا يمكن الوقوف في وجه التعميم الاميركي».

وإذا وافَقه عدد من الوزراء الرأي، تعهّد سلام ان يتابع الامر ويجري اتصالات جديدة بالتنسيق مع حاكم مصرف لبنان وكذلك مع وزير المال الذي كان عَقد لقاءات في شأنه في واشنطن التي زارها قبل أسابيع.

وعلمت «الجمهورية» أنّ نائبي «حزب الله» اللذين أوقف مصرفان لبنانيان حسابَيهما هما علي فياض ونوّار الساحلي، إضافة الى توقيف حساب ابنة النائب السابق أمين شري.

فنيش لـ«الجمهورية»

وفي هذا الصدد اكتفى فنيش بالقول لـ«الجمهورية» إنّ «موقف «حزب الله» واضح من موضوع العقوبات، ونحن سنعطي مجالاً لرئيس الحكومة، وعندما يحين الوقت نتكلم».

وكان وزير الإعلام رمزي جريج أشار الى انّ موضوع التدابير التي اتّخذتها المصارف بناءً على تعاميم مصرف لبنان تطبيقاً لقانون العقوبات الاميركي على حزب الله، «قد أثيرَ في الجلسة، ونوقشَت هذه التدابير حيث أبدى الوزراء وجهات نظرهم في شأنها، وبنتيجة مناقشة مستفيضة، قرّر المجلس تكليف دولة الرئيس متابعة هذا الموضوع مع حاكم مصرف لبنان بمشاركة وزير المال المطّلع على تفاصيل الاتصالات والإجراءات المتخذة وإعلام مجلس الوزراء عند الاقتضاء بنتيجة متابعته هذا الموضوع».

عودة إلى المناكفات

وكان مجلس الوزراء غرّد خلال جلسته خارجَ السرب البلدي وعاد الى مناكفاته وخلافاته القديمة ـ الجديدة، فجاءت جلسته امس استكمالاً للأجواء التي سادت الجلسة السابقة لدى مناقشة البند 73 والمتضمّن عرض وزارات الطاقة والمياه والمال والخارجية العقد الموقّع بين الدولة اللبنانية وشركة j&p avax متعهّدة أشغال معمل دير عمار 2 .

وبعد أن شهدت الجلسة السابقة سجالاً حول هذا البند بين الوزيرين بطرس حرب وجبران باسيل، شهدت جلسة الأمس سجالاً آخر بين باسيل والوزير علي حسن خليل. وعند بدء السجال خرج حرب لارتباطه بمقابلة متلفزة وقال: «أنا أتحفّظ عن أيّ قرار يتّخَذ».

وقدّم باسيل مستندات تؤكّد أنّ من حقّ الشركة الحصول على مبلغ 50 مليون دولار قيمة الـ TVA، وهذا ما جرى في معمل الجيّة. لكن وزير المال قدّم مستندات مناقضة تؤكد أنّ العقد الموقع مع الشركة يتضمن شوائب مالية، مستنداً الى رأي ديوان المحاسبة الذي ردّه.

ودار نقاش قانوني طويل لم يخلُ من السياسة ومن التشنّج، انتهى الى تأجيل البحث في هذا البند، إذ انقسَم الوزراء في الموقف منه، علماً أنّ عدداً منهم عاد عن رأيه بضرورة إمرار العقد وحلّ موضوع الكهرباء بعدما اطّلع على مستندات وزير المال.

خليل لـ«الجمهورية»

وقال خليل لـ«الجمهورية»: «لن أخالف رأي ديوان المحاسبة، فهذا الرأي ليس لغرفة من غرف الديوان إنّما للهيئة العامة المؤلفة من 25 غرفة أكّد رؤساؤها انّه لا يمكن تضمين عقد التلزيم ضريبة على القيمة المضافة، وبالتالي إذا خالفناه يعني انّنا ننعي الدولة.

إنّ ديوان المحاسبة حسَم الخلاف، وأنا لا استطيع صرفَ 50 مليون دولار خلافاً لرأيه». ولاحقاً غرّد خليل عبر «تويتر» قائلاً: «موقفنا في مجلس الوزراء واضح، وما دمنا في موقع المسؤولية لن نغطّي صفقات ولن نخالف القانون».

حكيم

وقال الوزير آلان حكيم لـ«الجمهورية»: «ما حصَل اليوم هو عصفٌ فكريّ بلا نتيجة، والجلسة مفلسة لأنّنا لم نستطع إقرار أيّ بند على جدول الأعمال».

وانتقد حكيم «استنسابية مجلس الوزراء في اتّباع آليات إقرار البنود»، وقال: «الأهمّ من ما حصل اليوم هو موضوع النفايات، وأنا سألت داخل الجلسة، أريد توضيحاً على موضوع ردمِ البحر في الكوستا برافا والردم في برج حمّود، هل يا ترى سيَحصل هذا الردم بالنفايات بعد فرزها ومعالجتها؟ أم سيضعونها كما هي؟

لم نحصل على جواب، وأنا قدّمت تقريراً خطّياً بهذه الأسئلة، نريد جواباً صريحاً من وزير الداخلية، وإذا لم يأتِ هذا الجواب سنطالب بعقد جلسة خاصة لمجلس الوزراء في شأنه. وأكد حكيم أنّه «مع تطبيق تلزيم الكهرباء ضمن مصلحة الدولة العليا».

شبطيني

وبدورها، قالت الوزيرة أليس شبطيني لـ«الجمهورية»: «إنّ النقاش الذي حصل اليوم (أمس) هو نقاش في جنس الملائكة، فالملائكة ذهبَت وبقي النقاش».

الانتخابات البلدية

في غضون ذلك، وفي موازاة استمرار قراءة الأرقام في نتائج الانتخابات البلدية في العاصمة، تواصَلت الاستعدادات اللوجستية والإدارية والامنية لانتخابات الاحد في محافظة جبل لبنان، حيث ستتوزّع الأنظار بعد غد على أكثر من قرية ومدينة أبرزُها في جونية التي ستشهد أمّ المعارك، وسنّ الفيل التي ستشهد بدورها منازلة انتخابية كبرى، وكذلك في الدامور والحدث، فيما تواصل إعلان فوز بلديات بالتزكية وليس آخرها بلدية الدكوانة برئاسة أنطوان شختورة، وكذلك مخاتيرها الخمسة السابقون.

وقد توالى امس إعلان اللوائح، وأعلن نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان «لائحة دير القمر» البلدية، مشيراً الى أنّ «القوات» لم تسرق «التيار الوطني الحر» في الشوف، وأنّ «ورقة النيّات» ستثبت العلاقة بين الفريقين. فردّ عليه رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» النائب دوري شمعون قائلاً: «أرادوا في دير القمر قطعَ رأس دوري شمعون لأنّه يملك شعبية تقف عثرةً في وجه مشروعهم للسيطرة».

عشاء المصيطبة

إلى ذلك، وفيما لم ترشح أيّ معلومات عمّا انتهى إليه عشاء المصيطبة بين الحريري وميقاتي برعاية سلام، أوضَح المكتب الإعلامي لسلام أنّ البحث تناول «الأوضاع السياسية العامة والتشديد على ضرورة تعزيز اللحمة بين مكوّنات النسيج اللبناني من دون استثناء أو استبعاد أحد، لأنّ لبنان يحتاج الى تحصين جبهته الداخلية في ظل الأوضاع المتفجّرة في المنطقة والتي بلغت حدّاً غير مسبوق في خطورته». ونوّه ميقاتي والحريري بمبادرة الحكومة «إلى إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية».

وأملَ المجتمعون أن «ينسحبَ هذا الأمر على الاستحقاقات كافة، لا سيّما منها انتخاب رئيس للجمهورية، وأن تتعاون كل الاطراف من أجل إطلاق عجَلة عمل مجلس النواب وإقرار قانون جديد وعصري للانتخابات النيابية.

وفي السياق، أفادت مصادر شمالية أنّ الحريري يريد عمر الحلاب لرئاسة بلدية طرابلس، فيما يصرّ ميقاتي على عزام عويضة. ولفتت إلى أنّ ميقاتي إذا نجح في إقناع الحريري بعويضة ستتراجَع احتمالات المعركة، أمّا إذا لم ينجح فإنّ ميقاتي ماضٍ في المعركة ولن يتراجع.

ولكنّ الوزير رشيد درباس قال لـ«الجمهورية» تعليقاً على اللقاء بين الحريري وميقاتي بمسعى من سلام: «نأمل خيراً، وهناك احتمال 50 في المئة ان يتمّ الاتفاق في طرابلس لأنّها لا تريد المعركة الانتخابية».

نصرالله

وعلى مسافة أيام من المرحلة الانتخابية الثانية، أكّد الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله أنّ الحزب ملتزم مع حلفائه سياسياً وأخلاقياً، ولكنّه ليس ملتزماً مع من يتحالفون معهم، وهو يتفهّم حلفاءَه في التحالفات الانتخابية، مثل تحالف «التيار الوطني الحر» مع «القوات اللبنانية»، وقال إنّ الحزب «يتحالف مع الأصدقاء والحلفاء لا مع من أساء إليه»، لافتاً الى أنّ «قرارنا بعدم المشاركة في بيروت فوّتَ فرصة التحريض المذهبي».

سلام

وكان سلام أسفَ «لأننا بعد أسبوعين، نُنهي عامين كاملين من الشغور الرئاسي، الذي يُشكِّل إساءةً بالغة للبنان واللبنانيين، ويعكِس عجزاً مخجلاً للطبقة السياسيّة عن الخروج من أسر المصالح الداخلية والارتباطات الخارجية، وعن حفظ الأمانة التي أعطاها إياها الناسُ، لتدبير شؤونهم ورعاية مصالحهم».

وقال سلام في إفتتاح منتدى الاقتصاد العربي في فندق «فينيسيا» إنّ الانتخابات البلدية «أسقطَتْ كلَّ الذرائع عن عجز اللبنانيين عن خوض غمار الانتخابات بطريقة سلميّة وحضارية». ورأى أنّه «ليس مستحيلاً البناءُ على هذا الإنجاز، للتقدّم نحو محطات أخرى من الممارسة الديموقراطية، من أجل إحياء حياتِنا السياسيّة وإعادة بناء هيكلنا الدستوري، وأوّلُ ركائزه رئاسةُ الجمهوريّة».

وقال: «ليس مستحيلاً التوصلُ إلى قانون انتخابٍ عصريّ، والذهابُ نحو انتخابات عامّة تُعيدُ تجديدَ المجلسِ النيابيّ. ليس مستحيلاً تعميقُ الحوارات السياسيّة القائمة، للوصول الى توافُقاتٍ تُعزِّزُ الاستقرار الراهن، وتُحصِّن لبنان من آثار الحرب المؤلمة الدائرة في سوريا».

الحريري

من جهته، دعا الحريري إلى «وضع حدٍ للشلل في مؤسسات الدولة والناتج عن الفراغ في رئاسة الجمهورية». وأكّد «أنّ الجهود منصبّةٌ حاليّاً على إيجاد مخرجٍ لهذه الأزمة ولإقناع سائر القوى السياسية بضرورة انتخاب رئيسٍ لجمهوريتنا في أسرع وقتٍ ممكن. لأنّ انتخاب الرئيس يليه دستورياً وحُكماً تشكيل حكومةٍ جديدة، ثم تجديد البرلمان اللبناني في انتخاباتٍ نيابية، وتفعيل كافة مؤسسات الدولة وعملها».

وقال الحريري خلال مأدبة غداء أقامها في «بيت الوسط» لمناسبة «يوم اوروبا»، «إنّ الانتخابات البلدية أثبتت أنّ الديموقراطية ما زالت قوية». وأمل في ان يدفع هذا الزخم مختلفَ الكتل النيابية إلى الإدراك بأنّ الشعب اللبناني ومؤسسات الدولة والرئاسة لا ينبغي أن تؤخَذ رهينةً بعد الآن».

حرب يعطي الإذن

وفي تطوّر لافت في ملف الإنترنت غير الشرعي، كشفَت مصادر وزارية وقضائية متطابقة أنّ وزير الاتصالات بطرس حرب ردّ على طلب المدّعي العام المالي القاضي علي ابراهيم بإعطاء الإذن بملاحقة المدير العام لهيئة «أوجيرو» عبد المنعم يوسف ومدير المعلوماتية توفيق شبارو والمدير غابي سميرة في قضيتَي «استجرار الانترنت غير الشرعي» و«الغوغل كاش»، وهو ما أبلغَه ابراهيم الى المدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود فور تلقّيه كتاب الموافقة قبَيل نهاية دوام أمس.

وكشفَت المصادر لـ«الجمهورية» أنّ الملاحقة ستتوسع لتطاولَ اكثر من الأسماء التي تناولتها وسائل الإعلام سابقاً والتي اقتصرت على كلّ من يوسف وشبارو وسميرة.

وقالت إنّ حرب الذي سمح بإخضاع موظفي «أوجيرو» للتحقيق لفتَ في كتابه الى انّ الموظفين الملاحقين التزموا قرارات الوزير ولم ينفّذوا شيئاً خلافاً للقوانين المرعية الإجراء.

وتعليقاً على هذه الرواية أكّد حمود لـ«الجمهورية» أنّه تبلّغَ أمس من المدّعي العام المالي بهذا التطوّر، رافضاً الدخول في أيّ تفاصيل إضافية تتصل بسرّية التحقيق، ومؤكداً «أنّ الملاحقات القضائية يجب ان تبقى ضمن جدران السلطة القضائية».

وردّاً على سؤال يتصل بأسماء المطلوب ملاحقتُهم أمام القضاء، وعمّا إذا كانت الملاحقة تقتصر على الموظفين الثلاثة الذين نشرت أسماؤهم، قال حمود: «لا أريد الدخول في الأسماء فمن طلبَ القضاء ملاحقتَهم هم أسماء محدّدة وقد أعطيَ الإذن بملاحقتهم». وتمنّى أن يترَك الأمر للقضاء ليقوم بالمهمة المنوطة به.

وعن مكان يوسف، وهل عاد إلى لبنان؟ أجاب حمود: «ليست مهمّتي أن ألاحقَه، فكلّ شيء سيتّضح في أوانه».