مساران بديا يتنازعان بوضوح المشهد الوطني العام أمس، الأول يسعى جاهداً لدفع الدولة باتجاهات تؤدي إلى النهوض بقطاعاتها الحيوية والآخر يحاول جاهداً دفعها نحو منزلقات تودي بها وبمختلف مؤسساتها وقطاعاتها إلى التهلكة الحتمية. فبينما كان الرئيس سعد الحريري يكشف عن إعداد خطة وطنية شاملة ومتكاملة تهدف إلى استنهاض الاقتصاد واستقطاب الاستثمارات العربية، كان «حزب الله» على الضفة المقابلة يستنفر قواه النيابية والوزارية لتهديد آخر القطاعات الحيوية الفاعلة والعاملة على تحصين الاستقرار النقدي الوطني مطلقاً العنان لكتلته البرلمانية لكي توجّه اتهاماً تخوينياً صريحاً إلى حاكم المصرف المركزي رياض سلامه بـ«الانصياع لسلطات الانتداب الأميركي النقدي» على خلفية تعاميمه المصرفية المتعلقة بموجبات أحكام العقوبات الصادرة على الحزب، قبل أن يعود فيضغط مساءً على مجلس الوزراء لدفعه باتجاه اتخاذ إجراءات تنقذه مصرفياً وتلتف على المفاعيل الناتجة عن هذه العقوبات.

إذاً، أكد الرئيس الحريري أنّ «تيار المستقبل» منكب على وضع خطة تعيد إطلاق عجلة الاقتصاد الوطني وتفعيل النشاط السياحي والشراكة بين القطاعين العام والخاص بشكل يشمل قطاعات أساسية مثل الكهرباء والاتصالات والبنية التحتية والنقل العام، كاشفاً عن درس مشاريع لإنشاء «مترو» وتنظيم نقل بحري وتطوير مداخل العاصمة، بالإضافة إلى إطلاق مناقصات للتنقيب واستخراج النفط والغاز، فضلاً عن اتخاذ خطوات لتحسين الأوضاع الاجتماعية والتغطية الصحية للبنانيين، إلى جانب تنفيذ حل دائم لأزمة النفايات عبر إجراء مناقصات التفكك الحراري وتمويل الإدارة المستدامة للنفايات الصلبة.

الحريري الذي كان يتحدث في ختام أعمال منتدى الاقتصاد العربي أمس، لفت الانتباه إلى أنّ هذه الرؤية الاقتصادية الواضحة والمدروسة والتفاؤل بإعادة استقطاب العرب واستثماراتهم ومشاريعهم، كل ذلك يبقى مرهوناً بوضع حد للشلل في مؤسسات الدولة الناتج عن الفراغ في رئاسة الجمهورية، غير أنه نوّه في الوقت عينه بما يشهده لبنان وسط كل الحرائق الإقليمية من استقرار ورفض للانزلاق باتجاه الحروب الأهلية ومن مظاهر ديموقراطية تجلت أخيراً في الانتخابات البلدية، مشدداً في هذا الإطار على كون النتيجة السياسية التي أفرزتها صناديق الاقتراع في بيروت تؤكد تمسك أهل العاصمة بنهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبالرسالة التي يصمم «تيار المستقبل» على متابعتها وأن يكون السد المنيع في وجه التطرف وركن الاعتدال والعيش الواحد والوحدة الوطنية والاستقرار في لبنان.

وليلاً، لبى الرئيس الحريري دعوة رئيس الحكومة تمام سلام إلى مأدبة عشاء شارك فيها الرئيس نجيب ميقاتي بحضور كل من مدير مكتب الحريري نادر الحريري وعزمي ميقاتي.

وإثر انتهاء اللقاء صدر عن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء بيان أوضح أنه بدعوة منه التقى الحريري وميقاتي إلى مائدة عشاء في منزله في المصيطبة حيث «تم البحث في الأوضاع السياسية العامة والتشديد على ضرورة تعزيز اللحمة بين مكونات النسيج اللبناني من دون استثناء أو استبعاد أحد، لأن لبنان يحتاج إلى تحصين جبهته الداخلية في ظل الأوضاع المتفجرة في المنطقة التي بلغت حداً غير مسبوق في خطورته».

ونقل البيان أنّ الحريري وميقاتي نوها «بمبادرة الحكومة إلى إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، وأمل المجتمعون أن ينسحب هذا الأمر على الاستحقاقات كافة، لا سيما منها انتخاب رئيس للجمهورية، وأن تتعاون كل الأطراف من أجل إطلاق عجلة عمل مجلس النواب وإقرار قانون جديد وعصري للانتخابات النيابية».

«حزب الله».. والمصارف

تزامناً، خاض «حزب الله» خلال الساعات الأخيرة معركة نيابية وزارية ضد القطاع المصرفي الوطني معتبراً أنّ التزام المصارف اللبنانية العمل بموجب أحكام قانون العقوبات الأميركية الصادر بحقه يؤسس لما وصفها «حرب إلغاء محلية يُسهم في تأجيجها المصرف المركزي وعدد من المصارف»، محذراً في معرض اتهامه حاكم المصرف المركزي بـ»الانصياع لسلطات الانتداب الأميركي النقدي» من اندلاع أزمة «تدفع البلد نحو الإفلاس وفوضى عارمة غير قابلة للاحتواء».

وبعد أن طالبت كتلة «الوفاء للمقاومة» سلامه بإعادة النظر في تعاميمه المصرفية الأخيرة «لتتوافق مع السيادة الوطنية»، والحكومة باتخاذ «الإجراءات المناسبة لتلافي التداعيات الخطيرة التي ستنجم عن هذه التعاميم»، أثار وزيرا «حزب الله» الموضوع مساءً على طاولة مجلس الوزراء حيث نقلت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنّ الوزير حسين الحاج حسن استخدم لهجة تهديدية بحق المصرف المركزي والقطاع المصرفي معتبراً أنّ تعاميم المصرف وممارسات القطاع «تجاوزت الخط الأحمر وبلغت الخط الأسود»، وأعرب في هذا المجال عن استنكار الحزب لعملية إيقاف الحسابات المصرفية التابعة لقياديين فيه بمن فيهم نائبان وأقرباء لشخصيات في الحزب، مبدياً إزاء ذلك تخوف الحزب من أن تمتد مثل هذه الإجراءات لتشمل حسابات الجمعيات التابعة له والعاملين في مؤسساته التربوية.

وبعد نقاش مستفيض في الملف، قرر مجلس الوزراء تكليف سلام متابعة الموضوع مع سلامه بمشاركة وزير المالية علي حسن خليل المطلع على تفاصيل الاتصالات والإجراءات المتخذة وإعلام مجلس الوزراء عند الاقتضاء بالنتيجة التي يتم التوصل إليها.