بعض الفقهاء يقولون أن الإمامة تتقدم على النبوة وأنها أعلى شأنا من النبوة ،إذ النبوة هي : مقام تلقي الوحي فقط ،ولكن الإمامة رتبة التصدي لقيادة الأمة على ضوء تعاليم الوحي ،فالإمام هو خليفة الله على الأرض ،لعظم المسؤولية التي تقع على عاتقه ،واستشهدوا بهذه الآية الكريمة :{وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} (البقرة :124).وللبحث في هذا الأمر نسأل سؤالين : أولا : هل نيل الإمامة يكون بالتفضل أم بالاستحقاق ؟
إن نيل الشخص لمنصب النبوة أو النبوة أو الإمامة له حالتان هما : الحالة الأولى : أن نيله لها متوقف على قيامه بأعمال وعبادات فإن قام بها وهبه الله تعالى ذلك المنصب وهو ما يسمى بالاستحقاق .
الحالة الثانية : أن الله تعالى وهب منصب النبوة والإمامة إبتداء من دون توقف على صدور أعمال منه تكون كالسبب أو الشرط في نيلها وهو ما يسمى بالتفضل . ولقد اتفق علماء الإمامية أن الإمامة التي حصل عليها الأئمة عليهم السلام بالتفضل وليس بالاستحقاق. يروي الكليني في أصول الكافي في"باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته" عن الإمام الرضا عليه السلام :" الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه ولا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب"(الكافي ،ج1 ، ص102).
ثانيا : هل إمامة إبراهيم عليه السلام في الآية كانت بالاستحقاق لقيامه ببهض الأعمال أم التفضل ؟ إن الإمامة التي تتحدث عنها الآية المباركة هي مستحقة بأعمال وتكاليف شاقة قام بها إبراهيم عليه السلام وهي الكلمات التي أتمها إبراهيم في ضوء التفسير الإمامي للآية أي أنه استحق نيل الإمامة بعد قيامه بتلك الأعمال الشاقة التي كلف الله تعالى بها ،وهذا بعض من نصوص علماء الإمامية هذه الحقيقة :
1_يقول رئيس المحدثين الشيخ الصدوق : "ولقوله تعالى {واذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } وجه آخر فإن الإبتلاء على ضربين أحدهما مستحيل على الله تعالى والآخر جائز . فالمستحيل هو أن يختبره ليعلم ما تكشف الأيام عنه ،وهذا ما لا يصح ،لأنه سبحانه علام الغيوب ،والآخر أن يبتليه حتى يصبر فيما يبتليه به ،فيكون ما يعطيه من العطاء على سبيل الاستحقاق .." (الخصال ،ص35 ، ونقله الطبرسي في تفسير البيان ،ج1 ،ص 379).
2_يقول آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي : "الآية الكريمة تقول أولا :{واذا ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن}. هذه الفقرة من الآية تشير إلى الاختبارات المتتالية التي اجتازها ابراهيم عليه السلام بنجاح ،وتبين من خلالها مكانة إبراهيم وعظمته وشخصيته وبعد أن اجتاز هذه الاختبارات بنجاح استحق أن يمنحه الله الوسام الكبير قال إني جاعلك للناس إماما".
وعلى ضوء ما تقدم يتبين لنا أن الإمامة إذا كانت هبة إلهية كالنبوة مقدرة أي بجعل قدري من الرب لا بسعي من العبد فهنالك تناقض لأن موقع الإمامة التي حصل عليها إبراهيم عليه السلام حادثة ،أي أن الإمامة ما تحققت لإبراهيم عليه السلام إلا بعد الابتلاء وهذا ينافي ويناقض مفهوم الإمامة. وقد يقول قائل :إن الآية تشير إلى أن الله قال :"إني جاعلك" أي أنه منصب مجعول من الله عز وجل ؟ فالجواب :لكن هل الجعل هنا بعد الابتلاء أم قبله ...؟!
يتبع ...