فجأة نزل الوحي على الأفرقاء المسيحيين، وأجمعوا على تبني مشروع "اللقاء الارثوذكسي" الانتخابي، بعد كل ما سبق من سيل الكلام والاتهامات وتحصن كل فريق بمحاضر ووثائق عن اجتماعات بكركي.
بعد انحسار عاصفة الطبيعة، ها هي عاصفة "الارثوذكسي" تهب في اجواء البلاد، شاملة كل الفئات والاطراف، والثابتة الوحيدة فيها الطائفية الموزعة بين مذهبية مسيحية "تنوي استعادة تمثيل مفقود"، وتطرف اسلامي يهدد " بالتمثيل العددي".
بعد كل ما عاناه لبنان وأهله مدى عقود من موت ودم وتهجير وهجرة واعاقات، هل يكون الثمن المنشود المزيد من الانعزال والتقوقع، والتفتيش عن قوانين تحمي نفوذ امراء الحروب، وتحمي مصالحهم في زمن السلم، تحت شعار" التمثيل الصحيح"؟ ولماذا تجاوز القوانين التي تؤمن فعلاً نسبية التمثيل والعدالة للجميع؟ من الصباح حتى الليل، يلازم الوزير جبران باسيل مكتبه في وزارة الطاقة والمياه، ومع ذلك لا تزال الكهرباء سراباً. والى ملفها الشائك، تضاف قضايا السياسة و"التيار الوطني الحر"، واخيرا قانون الانتخابات.
¶ هل طرحكم مشروع "اللقاء الارثوذكسي" هو للمناورة ام قرار استراتيجي ؟
- لسنا نحن من طرحناه لنناور به. نحن وافقنا عليه بعد مراحل عدة، لانه تبين ان كان من باب المزايدة او الواقع انه هو الذي هو يحقق أعلى نسبة عدالة للمسيحيين وللمسلمين، فلماذا نلجأ الى غيره؟ هو لا يعطي المسيحيين أكثر، ولا يأخذ من طرف آخر . اما هناك مناصفة او لا. وإذا كانت مغشوشة ومتلاعباً بها فليقولوا ذلك. ولا يهددنا احد بالمثالثة وفضح الواقع الديموغرافي لنهرب من هذا الطرح. هذا موضوع استراتيجي ليس للمسيحيين في لبنان بل في الشرق، وليس للمسلمين في لبنان، بل لكل فكرة التعايش والتعدد في الشرق. هذا مشروع يجب ان يدافع عنه المسلمون اكثر من المسيحيين.
¶ في ظل ما نقل عن اعتبار رئيس الجمهورية ان هذا المشروع مخالف للدستور، ورفض معظم القوى من الاشتراكي الى "المستقبل" ومسيحيي 14 آذار المستقلين، كيف ستتصرفون؟ هل ستستمرون؟
- اذا كان هذا المشروع مخالفاً للدستور، فهناك قوانين عدة اخرى مخالفة للدستور، وحتى قانون الدوحة . ونقول لمن يهدد بالطعن فيه، نحن أيضاً سنطعن في القوانين الأخرى. في النهاية يجب ان نصل الى قانون يحقق الاكثرية. اذا استطعنا تأمين الاجماع فهذه امنيتنا. الاكثرية الآن متوافرة ومؤيدة للطرح الارثوذكسي. لا يمكننا ان نتطلع الى الانتخابات بالجزئيات. من تداعوا بالامس، كل منهم يتطلع الى مقعده، وليس الى لبنان. في قانون الانتخاب لا يمكن ان ترضي كل واحد بحسابات ربحه او خسارته.
- نحن نريد معيارا. قبلنا بالارثوذكسي لأن فيه معياراً هو النسبية على اساس لبنان دائرة واحدة وعلى الطائفة. لم توضع معايير في مشاريع اخرى. كل الباقي تقسيمات وتركيبات، 50 دائرة و15 و13 . هنا نؤمن الاجماع المسيحي والوطني. تأييد حلفائنا ليس مناورة. تحدّوهم ان يوافقوا، فوافقوا. خذوهم إذاً الى التصويت في اللجنة الفرعية. لماذا نعتبرها مناورة ولا نعتبر قبول فريق من اللبنانيين على حساب مصلحتهم وشيء من اقتناعاتهم السياسية بقانون فقط ليعطوا شريكهم في الوطن حقه، وليطمئنوه الى ان حقه محفوظ؟ وعندما يعطى هذا الشريك حقه، يمكن الذهاب الى الدولة المدنية والى الطرح العلماني والى الغاء الطائفية السياسية. لكن حقه مسلوب بقانون مبني على الطوائف، ويريدون طمأنته انهم يعطونه حقه بقانون غير مبني على الطوائف ومبني على المواطنية؟
¶ الحكومة قدمت مشروع النسبية على أساس 13 دائرة متوسطة اي انه مشروعكم انتم الاكثرية، فكيف تتجاوزونه الى قانون آخر؟
- عندما وضعناه في الحكومة كان على اساس انه الخيار الثاني في بكركي بعد "الارثوذكسي"، اذا لم نحصل على الخيار الاول نحصل على الثاني. عندما قام علينا اطراف بكركي كيف وضعنا هذا القانون، قلنا نعود اذن الى "الارثوذكسي". نحن نسعى بين الاجماع المسيحي الى ان نؤمن التأييد المسلم ولو الجزئي، واتفقنا في بكركي على ان من يستطيع ان يأتي بحلفائه الى مشروع، فنمشي به. قلنا لهم آتوا بحلفائكم الى اي مشروع، ونحن مستعدون ان نترك حلفاءنا ونمشي. قمنا بما يؤمن مصلحة البلد. هناك امر لا يمكن حذفه اليوم وسجل في محضر رسمي في مجلس النواب: ان المسيحيين اجمعوا بغالبيتهم العظمى على القانون الارثوذكسي، وأيد هذا الاجماع "حزب الله" وحركة " امل" اي الشيعة. وغايتنا الآن ان يؤيده السنة والدروز، لأنه يعطيهم حقهم، ولا يأخذ المسيحيون اي نائب من السنة ولا من الدروز.
¶ لكن هناك جزءاً من المسيحيين لا يوافقون عليه؟
- بالطبع سيوجد الآلاف مع طرح آخر، انما هؤلاء اجزاء صغيرة امام الكل. فليتجمع هؤلاء ويشكلوا لائحتهم، ونرى ماذا سيحصدون. لماذا لا يقبلون بالنسبية التي تسمح لكل فريق او تيار او اي جزء من هؤلاء بالقدر الذي يستحقه؟ مشكلتهم انهم لن يظهروا على الشاشة، ولن يتخطى اي منهم عشر عتبة النجاح عندما ينزلون على اساس الدوائر الكبرى والنسبية. هذه مشكلتهم . سيعودون الى اقل من حجمهم الصغير.
¶ نقل عن رئيس الجمهورية انه لن يوقع المشروع الارثوذكسي وسيدعو الى مناقشة مشروع الحكومة. هل توافقون على ذلك؟
- انا استغرب، وإن كنت افهم الخلفيات، ان يكون هذا موقف رئيس الجمهورية. لا اصدق انه يرفض المشروع، الا اذا سمعت ذلك منه، وانه يتحمل مسؤولية تفويت فرصة مثل هذه، او المس باجماع قلما تحقق عند المسيحيين في موضوع بنيوي وكياني بهذا الحجم، وان يكون ضمناً يريد تخريب هذا الامر، ويلجأ فعلا الى تخريبه. لا ولن اصدق ان هذا الامر سيقوم به رئيس الجمهورية.
¶ هل ترفعون السقف بالمشروع الارثوذكسي لتلتفوا وتعودوا الى القبول بالستين معدلاً؟
- كلا. لن نقبل بقانون الستين، ولن تكون هناك انتخابات بالستين. التعديل سيكون على معيار استنسابي . فليضعوا معيارا واحدا نعمل على اساسه انتخابات.
نحن لم نصل الى اكثر مما نريد بمعنى الى اكثر ما نستحق. هناك شراكة في شركة او وطن، فهل تقوم على اساس غير عادل؟ اذاً اساس الشراكة العدد، وهذا الوطن شركة وليس وطنا يقوم على المبدأ الذي نتكلم فيه فليقولوا. نحن لا نهرب من واقع ولا نؤجل استحقاقاً. اذا اراد احد ان يواجهنا في هذا الموضوع فنحن لا نتستر مثل بعض المسيحيين. نريد ان نعرف الآن. الآن يتحدد مصير الشرق كله، والمواجهة على الاقليات تحصل بالدم، أقل شيء ان نحملها نحن بالسياسة، ونحن مستعدون لذلك.
سنجلب الآخرين اليه ¶ ما الحد الادنى الذي تقبلون به؟
¶ الارثوذكسي. لماذا نتراجع عندما وصلنا اليه وحققنا الاكثرية حوله؟ طموحنا ان نجلب اليه من بقي رافضا له كمجموعات كبيرة، مثل "تيار المستقبل" والحزب الاشتراكي وبقية الاحزاب الكبرى.الفتات لا يمكن ارضاؤه. نريد قانونا يعكس التمثيل الشعبي، وبمعايير تؤمن المناصفة الفعلية والعدالة والتمثيل الصحيح لكل المجموعات، وترضي "المستقبل" و"الاشتراكي" وبقية الاحزاب الكبرى نمشي به. فليتجرأوا ويطرحوا افكارهم. لكن الرفض تحت ستار أكل الحقوق، نحن سنواجهه بالرفض ايضا.
¶ هل يمكن ان تفتحوا حواراً مع هذه الاحزاب على هذا الاساس؟
- لم لا؟ اذا كان بالامكان التوصل الى نتيجة.
¶ ما سر هذا الاجماع المسيحي المفاجىء، بعد كل ما حصل وصدر بعد لقاءات بكركي؟
- لأنه عندما طرح منذ البداية، لم يكن بالامكان رفضه من المنطلق المسيحي . اي قانون ثان يؤمن المناصفة الفعلية، لا يمكن ان يرفض بالمطلق. اذ كان لديهم طرح يؤمن المناصفة الفعلية وليس فيه قضم او تعد فليطرحوه. لكن تحت التهديد بالطعن، وفضح الواقع الديموغرافي والعددي، يقولون لنا اقبلوا بالعدد 64، لكن واقع التمثيل والاختيار ما دون ذلك، كلا، لن نقبل. المس بالدستور هو ان لا تكون هناك مناصفة فعلية.
¶ كيف يرجعنا "تكتل التغيير والاصلاح" الى الطائفية والمذهبية؟
- ألسنا نعيشها؟ نحن نعود اليها تأسيسيا لننطلق الى المشروع الاساسي القائم على المواطنة والمدنية. لكن هذه لا تحصل فيما المقاعد والوظائف محددة، ولا أحد يتعاطى مع الآخر، الاّ من خلال طائفته، ويأتي فقط على دورنا بالتمثيل يقول انتم علمانيون اقبلوا بالأمر على هذا الاساس. العلمانية تنطلق من أسس عادلة. وما يعوض عن المذاهب والمذهبية في "الارثوذكسي" هو ان الاحزاب الكبيرة والتيارات التي لديها برنامج واحد، تقدم في النهاية طرحاً سياسياً واحداً، وستلتقي بمشروع واحد، ولن يكونوا مقسمين: الكتلة المارونية والارثوذكسية وغيرها... والاهم من ذلك انه لن يكون هناك حتى الكتلة الشيعية، بل ستكون الكتلة الشيعية الوازنة. وهذه فرصة للسنة او للشيعة او للدروز كي يتجمعوا، ويعملوا كتلة ثانية. وسيحصل ائتلاف كتل على المستوى الوطني، بانقسام سياسي وليس طائفي او مذهبي، لأنه في كل تكتل سيكون هناك السني والشيعي والدرزي والماروني والكاثوليكي والارثوذكسي والاقليات وغيرهم...
may.abiakl@annahar.com.lb